شهد العالم أكثر من 400 تظاهرة متضامنة مع فلسطين ومنددة بالاعتداءات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة. ويترجم هذا التضامن الواسع فقدان إسرائيل تعاطف الرأي الغربي رغم ما يقال عن السيطرة الأسطورية لللوبي اليهودي على وسائل الاعلام العالمية.
ويشهد العالم ثورة حقيقية في وسائل الاعلام بفقدان الصحافة الكلاسيكية سواء المكتوبة أو السمعية البصرية ريادتها تدريجيا أمام الصحافة النابعة من وسائل الاتصال الاجتماعي، وهذا التطور ينعكس بقوة في بلورة رأي عام جديد يبرز للعيان في لحظات تاريخية معينة.
وكانت انتفاضات الربيع العربي تجربة رائعة في هذا المجال وكيف برزت قوة الرأي العام على هامش وسائل الاعلام الكلاسيكية وبفضل التطور التكنولوجي لبرامج التواصل المرتبطة بشبكة الإنترنـ.ت. واتخذت الظاهرة بعدا أقوى مع انتفاضة الشعوب الغربية ضد هيمنة المؤسسات المالية التي أوصلت هذه البلدان الى حافة الإفلاس.
والآن يأتي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليبرز القفزة النوعية لهذا التطور المستمر في التبلور. ولعل مقياس هذا التطور هو نسبة التظاهرات التي جرت في العالم المؤيدة لفلسطين والمنددة بإسرائيل. ومن خلال خدمات الفايسبوك وكذلك غوغل نيوز، فقد أحصت القدس العربي حتى منتصف الأربعاء الجاري أكثر من 400 تظاهرة متضامنة مع فلسطين في العالم. ولا يقتصر الأمر على مناطق تضامن كلاسيكية مع فلسطين لعوامل دينية وثقافية وتاريخية مثل العالم العربي والإسلامي بل بدول غربية ودول أمريكا اللاتينية.
والتظاهرات تغطي خريطة العالم من اليابان الى غرب الولايات المتحدة ومن فلندا الى جنوب إفريقيا مرورا بمناطق أخرى مثل العالم العربي وأمريكا اللاتينية. ويتراوح حجم التظاهرات بين تلك الضخمة مثل لندن والرباط وباريس وأخرى تجمعات واعتصامات في مدن صغيرة للغاية.
وعمدت عدد من وسائل الاعلام الكلاسيكية والتي تخضع بطريقة أو أخرى للوبي اليهودي الى التقليل من حجم العدوان الإسرائيلي والرهان على تغطيات قريبة من التعاطف مع الجلاد “إسرائيل” أو وضع إسرائيل وفلسطين في كفة إعلامية واحدة بدل نقل الواقع الحقيقي.
وهنا يبرز دور شبكات التواصل الاجتماعي في مواجهة وسائل الاعلام الكلاسيكية، فموقع الفايسبوك يزخر بآلاف الدعوات من مختلف مناطق العالم للتظاهر تنديدا بإسرائيل، ويقدم تويتر مئات الآلاف من جمل التي واكبت التظاهرات التي احتضنتها مدن العالم، وسيتفاجئ المرء بالكم الهائل في موقع يوتوب لأشرطة التظاهرات وهي تعد بعشرات الآلاف.
منذ بداية حلم تأسيس إسرائيل، وضع اليهود نصب أعينهم في بداية القرن العشرين السيطرة على وسائل الاعلام سواء الصحافة أو الكتب أو السينما، وهذا يفسر التعاطف الضعيف مع القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية في الماضي، لأن قنوات بث وتصريف الأخبار كانت تحت السيطرة. لكن التطور التكنولوجي خلال السنوات الأخيرة بدأ يفقد هذه السيطرة تأثيرها ومفهومها. وعمليا، تستمر كبريات وسائل الاعلام مثل لوفيغارو وسي إن إن وآ بي سي المتعاطفة مع إسرائيل آليات هامة في صناعة الرأي العام العالمي، لكن دورها يتراجع تدريجيا. ولعل التعاطف الكبير مع القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة والذي بلغ ذروته في الاعتداء الإسرائيلي الحالي مرده الى دور نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي.
وهكذان فإذا كانت إسرائيل قد تفاجأت هذه المرة بتقنيات حربية جديدة من طرف حركة حماس بفضل الصواريخ التي تصل الى كل نقاط جغرافية إسرائيل، وهي تقنيات قريبة من حزب الله، وتبلور “توازن الرعب”، فشبكات التواصل الاجتماعي في بلورة رأي عام ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية لا يقل مفاجأة، فقد تعامل إسرائيل مع الإعلام بصفته سلاحا، والآن تخسر هذا السلاح.