يستخدم مصطلح السلطة الرابعة Fourth Estate للدلالة على وسائل الإعلام بشكل عام وعلى الصحافة بشكل خاص. ويستعمل المصطلح في الوقت الراهن لإبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في نشر الخبر و تعميم المعلومة والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل وتوجيه الرأي العام، وخلق القضايا وتعبئة الناس حولها فهي تتولى تشكل أولويات اهتمامات الرأي العام، ومن تمت فهي تلعب دور الوسيط بين الحكومة و الشعب، و الأمم لدى بعضها البعض.
و غالبا ما يتم ربط مفهوم “السلطة الرابعة” بباقي السلطات الدستورية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، باعتبار أن الصحافة أ و سائل الإعلام هي سلطة رابعة مدسترة لها نفس تأثير باقي السلط؛ إلا أن السلطة المعنية في المصطلح، تبعاً لتاريخانية هدا المصطلح تدل على القوة المؤثرة للصحافة ووسائل الإعلام في الشعب.
و أنا في هذا المقال لا أريد التقعيد أو التأريخ لهذا المصطلح، وإنما أريد أن اعري واقع الاستبداد والطغيان الممارس على هذه السلطة و أهلها…فقد تداولت الصحافة في الأسابيع الماضية أصنافا و ألوانا متباينة من المضايقات التي يتعرض لها الإعلام والإعلاميين ، فقد استقال الزميل عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي من منصبه و هو ينزف دما لهذا الفراق، و متابعة للزملاء علي أنوزلا مدير نشر موقع لكم ، و تعرضي شخصيا للتهديد و المضايقة من قبل شخصيات نافذة وإجباري على الانسحاب و التوقف عن مهاجمة أباطرة الفساد، وهو نفس الموقف الذي واجهته سابقا الزميلة فاطمة الإفريقي …و لازالت تتعرض إلى وابل من النيران من بعض مقبلي “نعال” البلاط..
كذاك، التجربة المصرية قبل و بعد الانقلاب العسكري ، تؤكد على أهمية ومحورية وسائل الإعلام من جهة و على مدى الخلل و النقص الذي يعتري أداء الإعلام العربي من جهة أخرى، فقبل الانقلاب لعبت وسائل الإعلام المؤيدة لجبهة الإنقاذ و لحركة تمرد دور أساسي و محوري في شيطنة الإخوان المسلمين و الرئيس د . محمد مرسي عبر دخ كميات هائلة من المعلومات المسمومة تستهدف بالأساس تشويه صمعة الرئيس المصري و حزبه وجماعته. كما تم تضخيم مجموعة من الأزمات المعيشية ذات الطابع الشعبي كانقطاع التيار الكهرباء و ضعف التزويد بالسولار و رغيف العيش الخ…لكن هذا الإعلام نفسه بعد الانقلاب لم يعالج مطلقا هذه القضايا و استمر فقط في الدفاع عن الانقلاب و تحسين الوجه القبيح لهذه العملية السياسية التي لازالت لم تحظى بعد بقبول من المنتظم الدولي، كما أن أول قرار اتخذ في مصر بعد الانقلاب على الرئيس مرسي هو إغلاق عدد من القنوات و الصحف و المواقع الالكترونية الموالية لحكم الإخوان المسلمين…
هذه الصورة المصرية لا تختلف كثيرا عن واقع الإعلام بالمغرب فقد لاحظنا كيف تعامل الإعلام العمومي مع قضية العفو عل “دانييل” فقبل توالي بيانات الديوان الملكي لم يتعرض هذا الإعلام للملف و تجاهل تماما الأمر لاسيما و أن العفو فجر غضب الرأي العام المغربي و الدولي. بل حتى بعض الصحف المكتوبة والتي تدعي بأنها مستقلة عالجت الموضوع بطريقة توافق مزاج السلطة في الوقت الذي لعبت فيه الصحافة الالكترونية دورا جد محوري في تزويد الرأي العام بمختلف حيثيات الملف وذلك بتحالف مع الفايسبوك و توتير.. لكن بمجرد صدور بيان من الديوان الملكي تناسلت تغطيات الإعلام العمومي لملف “دانييل” بل حتى بعض مدراء الصحف اليومية –تحديدا- ابتعدوا عن الموضوع الرئيسي الذي هو الاستبداد و تمركز القرار في يد واحدة، بل أخدوا يطبعون الملف بصبغة الصراع الاقتصادي بين فرنسا و اسبانيا و أمريكا على الكعكة المغربية معتمدين في موقفهم هذا على المعالجة الإعلامية لهذا الملف في الإعلام الأجنبي و خاصة الفرنسي..
متناسيين أنا العفو على مجرم من عينة “دانييل” هو أشد خطورة من الانقلاب الذي حصل في مصر و من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا…فالانقلاب في مصر ممكن أن يصل إلى حل توافقي بين أطراف النزاع و كذلك الأمر في سوريا ، لكن هل من الممكن أن نجبر ضرر هؤلاء الأطفال الذين جرحت كرامتهم و أنزلوا بدل الدمع دما، إنها قضية أخلاقية لاتقبل أي نوع من التوافقات، فهؤلاء الأطفال هم من سيحكمون البلاد غدا ؟ و لكي أوضح الفكرة أكثر سأعطي هذا المثال :
فإسرائيل خاضت حربين من أجل تحرير “شاليط” ليس لأن هذا الشخص ليس له مثيل و لكن لتقول لكل جنودها و مواطنيها إننا لن نتخلى عن أحد منكم مهما كلفنا الأمر مادمتم تنتمون إلى إسرائيل، بل إنها قامت بمقايضة رفات بعض جنودها بحوالي ألف فلسطيني بينما بعض وسائل إعلامنا تريد تبرير و تنميق قرارا للعفو تنازل عن شرف أزيد من ثلاثين مليون مغربي، إنه بؤس بعض وسائل الإعلام .. !!!
الواقع أننا لا زلنا نعاني من غياب إعلام حر موضوعي و نزيه ينحاز لإرادة الشعب مع حرصه الشديد على ضمان قدر نسبي من التنوع و التعددية في طرح الرأي و الرأي الأخر، تعدد يشمل المعارضة و الأغلبية، يحترم صوت الأقليات العرقية والدينية و يضمن حقها في التعبير عن مواقفها و تطلعاتها…
للأسف ليس لدينا إعلاما بهذه المواصفات، و السبب يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل، فمجتمعاتنا العربية لازالت تعاني من أمراض التخلف، كالفقر و الأمية و غياب مفهوم الرأي و الرأي الأخر، فقاعدة المقروئية و التأييد لازالت جد ضعيفة و بالتالي فالصحافة لازالت مرتبطة بأجندات خاصة و لم تنخرط بعد في أداء دورها الأساسي في توجبه وصناعة الرأي العام، فهي لازالت في الغالب مجرد أداة في يد الأنظمة الحاكمة ومن يدور في فلكها..
كما أن حرية الإعلام وحرية الصحافة لازالت شبه غائبة، فحرية الإعلام لا يمكن فصلها عن الحريات العامة للشعوب و الشعوب لازالت مكبلة بقيود الاستبداد و الطغيان المحلي و الأجنبي ، فالسلطة مازالت تتعامل مع مجال الصحافة والإعلام، كأداة أساسية في تمرير مخططاتها السياسية، وإستراتجيتها في المجتمع، تارة عن طريق التحكم في عدد من الصحف وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتارة أخرى في التضييق على حرية التعبير وفي العديد من الأحيان، تلجأ إلى افتعال مشاكل ونزاعات، بل وتخلق توترات في المجال السياسي، عبر قمعها لحرية الصحافة وتعريض بعض المؤسسات الصحفية إلى المحاكمة أو الرقابة أو الحجز والمنع.
وتحاول السلطة أن تستعمل عدة مبررات سياسية ودينية وأخلاقية لتمرير هذه الإجراءات. فهناك، من جهة، التركيز على كل ما يمس المؤسسة الملكية أو المؤسسة الحاكمة ، وشخص الملك أو الرئيس في “الجملوكيات العربية” في بعض الحالات، وهناك أيضا ما يسمي بالمس بالأخلاق وبالدين الإسلامي…مع العلم أن المؤسسات السياسية والدستورية القائمة بهذه البلدان هي الاكتر إساءة للأخلاق و القيم الدينية، نتيجة لتبنيها أساليب الكذب والخداع و التضليل في إدارة شؤون البلاد والعباد …
اعتقد أنه لا مجال للحديث عن الديمقراطية و باقي مرادفاتها طالما أن سلطة الإعلام لازالت مغتصبة من قبل حكام مستبدين من جهة و أباطرة الفساد من جهة أخرى..و هؤلاء جميعا انتماءهم و أجنداتهم الخاصة في الغالب تكون في ضد مصالح شعوبهم …