منذ أُصيب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بوعكته الصحية الأولى سنة 2010، ثم تراجع أدائه السياسي والقيادي إلى أن توقف، يبدو الاسبوع الجاري هو الأصعب سياسيا، عليه وعلى محيطه.
السبب أن شخصيات عامة معروفة من سياسيين ومثقفين وقادة حرب الاستقلال، طلبت لقاءه للـتأكد من أنه في كامل صحته ووعيه وقادر على إدارة شؤون البلاد.
مهما اختلفت القراءات والتفسيرات، ستصب كلها في نتيجة واحدة: سقوط حجر أساسي في بناية الثقة المحيطة بالرئيس وصحته وقدراته. فمجرد إثارة الموضوع بهذا الشكل يطرح إشكالا سياسيا وإنسانيا وأخلاقيا عميقا.
مرض الرئيس بوتفليقة أصبح، مع الوقت، حالة سياسية.. جرى إخفاؤه في البداية، ثم أُخرج للناس لكسب تعاطفهم واستُغل حفاظا على هذا التعاطف لأن الرئيس لم يبق لديه ما يقدم لشعبه غير صورته المثيرة للشفقة والتعاطف، فكان لمن اختاروا هذا التوجه ما أرادوا لأن جزائريين كثيرين تعاطفوا مع الرجل في خريف عمره.
لكن هذا الوضع ما كان يجب أن يستمر إلى الأبد، وهذا طبيعي، فحدث التطور الآخر المتمثل في أن ما يجري للجزائر من الرئيس أو باسمه أو نيابة عنه، أفقد بوتفليقة تعاطف جزائريين كثيرين وهو في تلك الحالة الصحية المتردية، بينما من عادة الجزائريين أنهم ضحايا عواطفهم المتدفقة فيتألمون بسرعة ويتعاطفون بأكبر منها مع الحالات التي تثير الشفقة الجماعية.
مكمن الصعوبة في الحالة التي أمامنا هو أن طلب لقاء الرئيس ينبع من قرينة الشك، أو الاشتباه، في أنه (الى أن يثبت العكس) لا يحكم ومعزول عن محيطه بقيادة شقيقه، غير ملم بخطورة ما تمر به البلاد.
ومكمن الصعوبة أيضا أنه مهما كان رد الرئاسة على طلب اللقاء، سيكون له ما بعده: موافقة الرئيس، بالأحرى الذين ينوبون عنه، على استقبال هذه الشخصيات سيكشف حقيقة وضعه الصحي ومدى صلاته بالأحداث وبالقرارات التي يجري اتخاذها منذ شهور، وقد يفتح الباب بقوة أمام فرضية إعلان شغور المنصب الرئاسي بحكم العجز.
ورفض استقبال أصحاب الدعوة، وهو المرجح بالنظر إلى مضمونها وشكل تقديمها، لا يفعل غير تكريس الاعتقاد السائد من أن الرئيس منقطع فعلا عن الأحداث ومعزول، وآخرون يتخذون باسمه القرارات وبعضها خطير ومصيري، وعليه من الأفضل الإبقاء على هذا الاحتمال في مستوى الاحتمال لا أن يراه الـ19 فيتحول إلى يقين.
ومكمن الصعوبة أيضاً أن طلب مقابلة الرئيس لم يصدر عن «مغامرين» ومتهورين» و»حقودين» على إنجازاته ومشاريعه التاريخية ومن «العدميين» المحرضين على التمرد على الشرعية الدستوري، كما يصفهم خطاب الموالاة للسلطة. في هذه الحالة سيسهل الرد عليهم ونعتهم بما يليق بهم من أوصاف، وتمضي قافلة الرئاسة في مسيرتها التي خططتها.
أصحاب الدعوة أناس من محيط الرئيس، ومن المقربين منه والذين عملوا معه واستفادوا من ريعه وسخائه. وآخرون من القياديين الثوريين أثناء الثورة التحريرية، مستقبلهم وراءهم ولا طموح او حسابات تحركهم غير خوفهم الصادق على ما آلت إليه البلاد.
ومكمن الصعوبة (مرة رابعة) أن أصحاب الدعوة اختاروا لها ذكرى انطلاق ثورة الاستقلال، ربما تيَمنا بمجموعة الـ22 التي تمردت على السياسيين والنخبويين وقررت إطلاق حرب الاستقلال في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، غصبا عن الجميع، ومهما كانت نتائج تلك المغامرة لأن الهدف كان تجاوز حالة الانسداد ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأمام أمر واقع اسمه ثورة لا رجوع عنها.
اختار أصحاب طلب مقابلة الرئيس أن يجعلوا مبادرتهم علنية معلومة للرأي العام يقينا منهم أن التكتم عليها وإحاطتها بالسرية كان سيقضي عليها ويلغي جدواها. والكشف عنها هو من باب وضع مستقبليها أمام الأمر الواقع. هنا أيضا مؤشر على «شبهة» أو قرينة الشك في أن محيط الرئيس لن يسعد بطلب مقابلته وبتركيبة اصحاب الطلب.
شيء واحد في المبادرة ومن حولها يستحق التوقف معه وربما يثير الارتياب، وهو أن وجهين بالذات من الوجوه التسعة عشر لا يشبهان المبادرة: وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، ورئيسة حزب العمال التروتسكي، لويزة حنون. الأولى عملت وزيرة تحت سلطة بوتفليقة 13 عاما، ولها نصيب من المسؤولية في ما نحن فيه لأن بررت القرارات الخاطئة وتعديل الدستور وتكريس نمطه في الحكم الشمولي، ودافعت عنها. والثانية دافعت بعناد واستماتة عن بوتفليقة و»حقه» في الترشح لولاية رئاسية رابعة، وهاجمت من شككوا في قدرته البدنية وأهليته للحكم. حدث هذا العام الماضي فقط، وبوتفليقة في حالة صحية لا تختلف عنها اليوم، ومن دون أن تتمكن حنون من مقابلته والجلوس إليه. فما الذي تغيّر بين ربيع 2014 وخريف 2015؟
يبدو الرئيس بوتفليقة مثل رجل تحت الحجر، لا أحد من الجزائريين يحق له رؤيته غير مدير مكتبه والوزير الأول ونائب وزير الدفاع (الرئيس ذاته هو وزير الدفاع). حتى الوزراء لا يجرؤون على طلب مقابلته او مصافحته، وهناك وزراء دخلوا الحكومة وغادروها ولم يصافحوه أو يقفوا معه وجها لوجه. هو متوفر أيضا لضيوف أجانب يتم انتقاؤهم لرؤيته في ظروف غير معلومة ثم يخرجون للقول، بنفاق منقطع النظير، أمام كاميرات الإعلام الحكومي أن الرئيس بخير وفي كامل قواه وملم بكل ما يجري في العالم. ودعوة الشخصيات الـ19 حجر في بركة الجزائر الراكدة، لكنه الحجر الأهم منذ أن وضعها بوتفليقة في عنق الزجاجة بثنائية المرض والتمسك بالكرسي إلى آخر رمق.
الأسبوع الحالي الأصعب سياسيا في حكم بوتفليقة منذ 2010
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة