يتفاجأ جزء كبير من الرأي العام المغربي بوقوع تطورات تكون بالنسبة إليه غير مرتقبة في ملف الصحراء على المستوى الدولي، وهي تطورات معاكسة للصورة التي تكون قد تشكلت لديه من انتصار المغرب في المحافل الدولية. ويكتشف أن دولا كبرى بما فيها حليفة تتنبى مواقف غير دوية ضد المغرب بل وتميل لصالح جبهة البوليساريو. وتقف أسباب كثيرة وراء سيادة هذه الصورة المغلوطة في نزاع الصحراء، ونجملها فيما يلي:
-غياب المعطيات الكافية في الصحافة المغربية حول تطورات موضوع الصحراء على المستوى الدولي وخاصة الصحافة الرسمية التي تتعامل مع القارئ أو الرأي العام المغربي وكأنه قاصر يجب إطلاعه على معطيات إيجابية وعدم الكشف عن معطيات أخرى تكون سلبية. ومن ضمن هذه التصرفات الإعلامية تفادي تقديم القرارات الكاملة التي تصدر عن هيئات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنص على الحل السياسي المتفق عليه وتربطه بتقرير المصير. وعادة ما يم حذف عبارة “تقرير المصير”.
-ظاهرة المحللين والخبراء المغاربة والأجانب الذين يقدمون روايات تدخل ضمن ما يعرف ب “العام زين”، يتحدثون عن انتصارات للدبلوماسية المغربية وتقدم كبير للمغرب في العالم وتراجع مريع للبوليساريو والجزائر. وما يلبث الرأي العام أن يتفاجئ بأحداث يندهش لها مثل مشروع واشنطن في الأمم المتحدة بمراقبة حقوق الإنسان، ونية السويد الاعتراف بالبوليساريو وظاهرة اعتراف بعض البرلمانات بما يسمى الجمهورية الصحراوية، أو كيف تحول الاتحاد الإفريقي الى ناطق باسم البوليساريو في وقت يجري فيه الحديث عن التقدم الكبير للمغرب في القارة الإفريقية. بل يكون الأمر صادما للمغاربة عندما يعترف الملك محمد السادس نفسه بأن وضع الصحراء صعب، كما جاء في خطابه في افتتاح البرلمان خلال أكتوبر 2013.
-في ظاهرة جديدة تشهدها الصحافة المغربية، تلجأ جهات في الدولة العميقة باختلاق مدونات في جرائد معروفة ونشر أعمدة فيها والادعاء بأنها من تحرير الجريدة نفسها، والعمل لاحقا على نشرها في بعض المنابر المغربية للتمويه والتغليط. وهذه العملية هي تعبير عن عجز واضح في التواصل مع الاعلام الدولي من جهة، وعمل تغليطي للقارئ المغربي من جهة أخرى.
-تضخيم تصريحات بعض المسؤولين الأجانب وخاصة الغربيين حول الصحراء، فرغم أن معظم التصريحات تكون بروتوكولية ومجاملة، إلا أن الاعلام الرسمي يضخم منها كثيرا. ومن ضمن الأمثلة، كلما حل مسؤول غربي بالمغرب يدلي بتصريحات مفادها أهمية الحكم الذاتي حلا للصحراء، يتم تقديم التصريح وكأنه الموقف الحقيقي لبلاده. وعندما يذهب الى الجزائر يؤكد على تقرير المصير، كما يؤكد على تقرير المصير عندما يساءل من طرف برلمان بلاده.
-غياب مراكز التفكير الاستراتيجي تقدم دراسات برغماتية وواقعية لملف الصحراء سواء التطورات الحالية أو التي قد تقع مستقبلا وتكون منارا للقرارات السياسية. وفي المقابل توجد مراكز لا ترقى الى صفة التفكير الاستراتيجي تقدم أطروحات يتبين زيفها ليس فقط مع مرور الوقت بل لحظة إصدارها. ويمكن مراجعة الدراسات التي تصدر عن أغلبية المراكز ليتضح مدى بعدها عن الواقع.
كل هذه العوامل أو الأخطاء، تجعل جزء كبير من الرأي العام يعتقد في انتصارات متتالية للمغرب في المنتديات الدولية وانحصار البوليساريو. ولكنه فجأة يكتشف صعوبات تواجه المغرب بل تضعه في موقف حرج للغاية. ويمكن سرد مجموعة من هذه الصعوبات التي تعرض لها المغرب خلال الأربع سنوات الأخيرة وفاجأت الرأي العام المغربي بشكل كبير:
-قرار البرلمان الأوروبي سنة 2011 إلغاء اتفاقية الصيد البحري معتبرا أنه ما كان أن تشمل مياه الصحراء. ورغم توقيع الاتفاقية مجددا سنتين بعد ذلك، فقد قبل المغرب بشروك تسم سيادته، ولم يتم الحديث عنها. ورغم هذه التطورات وصدور قرارات عن البرلمان لا تصب في مصلحة المغرب يتم الإيحاء بأ، البرلمان الأوروبي لصالح المغرب.
-المواجهة التي وقعت بين المغرب والأمم المتحدة بعدما أرادت الأخيرة تقديم مقترحات جديدة اعتبرها المغرب لا تصب في صالحه، وجرى رفض قبول المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس. وكان يجري الحديث عن تفهم الأمم المتحدة لمطالب المغرب وقبولها بالحكم الذاتي.
-الموقف الخطير الذي صدر عن الخارجية الأمريكية خلال أبريل 2014 عندما تقدمت بمسودة تنص على مراقبة حقوق الإنسان في نزاع الصحراء، الأمر الذي اعتبره المغرب خيانة من “حليف تاريخي” مثل الولايات المتحدة. وجرى هذا في وقت زخرت به بعض المنابر بالحديث سابقا عن تأييد واشنطن للمغرب.
-تحول الاتحاد الإفريقي الى الجهة الأكثر قلقا للمغرب في نزاع الصحراء، حيث يعتبر الآن الناطق باسم جبهة البوليساريو، وشن حملة حقيقية على المغرب في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأسبوعين الأخيرين.
-وأخيرا، موقف السويد الذي ينوي الاعتراف بما يسمى جمهورية البوليساريو، وهو الملف الذي حرك الرأي العام والدولة المغربية.
وتبقى المفارقة الكبيرة، في الوقت الذي يقع فيه تطور لا يصب في مصلحة المغرب، ينتصب ما يسمى بالخبراء وبعض المحللين الى توجيه انتقادات وجلد حقيقي للدبلوماسية المغربية متهمين إياها بالفشل وعدم مسايرة التطورات الدولية والفشل في الدفاع عن قضية الصحراء.