“الحالة الغربية للدكتور جايكل ومستر هايد”، إنها الرواية البريطانية الشهيرة للأديب لويس ستيفنسون التي ألفها سنة 1886 وأصبحت من كلاسيكيات الأدب العالمي وتتحدث عن الشر والخير في جسد الإنسان الواحد أو كيف يصبح الإنسان بشخصيتين. ويبدو أن هذه الظاهرة تمتد الى الكثير من الدول ومنها دول الإمارات العربية التي تقدم نموذجا حيا في هذا الشأن بين إمارة دبي الدكتور جايكل وإمارة أبو ظبي مستر هايد.
وبقدر ما يثير جايكل الإعجاب برزانته وبحثه العلمي بقدر ما يثير مستر هايد الاشمئزاز بإجرامه اللامحدود، وهذا السيناريو هو ما يميز سياسة الإمارات العربية المتحدة خلال العقد الأخير، فهي تعيش صراع هوية حقيقي بين توجهين متناقضين الى مستوى رواية ستيفنسون.
الرزانة تتجلى في إمارة دبي، فحاكمها الأمير محمد بن راشد آل المكثوم ليس بالحاكم المثالي، فهو ليس ديمقراطيا ولا شفافا ويشترك في الكثير مع القادة العرب الآخرين في سلبيات شتى، ولكن يتغلب عليه نوع من الرزانة. واقعيا، جعل من دبي خلال العقد الأخير مرجعا تجاريا ومركزا اقتصاديا ومصدر للأخبار حول مشاريع علمية وثقافية ترغب في تطوير العالم العربي. تنجح دبي في مشاريع وتفشل في أخرى، وهذا عادي، لكن هناك إرادة تبرز الرغبة في التطور.
وفي المقابل، يرتبط اسم أبو ظبي بجزء من مخططات الشر التي تدمر الشعوب العربية وتسبب في الحروب الأهلية، فحاكمها محمد بن زايد وكأنه شرب ذلك الإكسير الذي أنتجه جايكل وأصبح مستر هايد ويرغب بكل السب في المشاركة في صنع القرار العالمي موظفا عائدات النفط وكأن مقر حكومته في أبو ظبي هو البيت الأبيض الثاني أو الكرملين الجديد أو على الأقل الإيلزيه. اسم الحاكم يوجد في ليبيا كمصدر من مصادر الدمار والقتل، ويتردد في سوريا ويحضر في مصر وأصبح كابوسا للتونسيين ويحاول الاقتراب من المغرب عبر قنوات سياسية وإعلامية وتوجه له اتهامات بالتجسس على السياسيين والمثقفين والإعلاميين.
إمارة أبو ظبي لن تصنع التاريخ بممارساتها هذه، فهي إمارة صغيرة حباها الله بموارد طبيعية هائلة لكن توظفها في الطريق غير السوي، ولا يمكن لحاكمها التحول الى بيسمارك الألماني ولا الى نابليون الفرنسي، لكن التاريخ قد يحتفظ له بصفة مستر هايد العربي.