أصدرت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء ليلة الجمعة 25 أكتوبر الجاري حكما قاسيا على الصحفي مؤسس أخبار اليوم توفيق بوعشرين ب 15 سنة، وهم حكم انتقامي بامتياز يعد بمثابة إعدام حقيقي في ظل الخروقات الفظيعة التي شهدتها أطوار التحقيق والمحاكمة بشهادة المنتظم الدولي.
وبينما كانت غالبية الرأي العام تنتظر البراءة، رفع الحكم الإستئنافي بثلاث سنوات لتصبح العقوبة هي 15 سنة، وهي من أعلى العقوبات في حق صحفي في تاريخ المغرب. وهذا الحكم يعتبر بمثابة إعدام للصحفي توفيق بوعشرين، وفي الوقت ذاته، هو إعدام لتجربة أخبار اليوم التي تعد من أبرز المنابر في تاريخ المغرب بحكم مهنيتها وإيمانها بمبادئ الصحافة بعيدا عن التغليط والتشهير الذي تتسم به الكثير من الصحف الورقية والرقمية في وقتنا الراهن.
ويقابل الرأي العام مع استثناءات اعتقال بوعشرين والحكم عليه ب 12 سنة ثم 15 سنة بالرفض والتنديد، وهذا يعود أساسا الى الخروقات الفظيعة التي رافقت الاعتقال والتحقيق بما لم يضمن المحاكمة العادلة، ولعل أكبر هذه الخروقات هو عدم عرض القضاء أشرطة الفيديو الجنسية على خبراء مستقلين ثم عدم التحقيق بشأن كيف تنسى امرأة تاريخ اغتصابها علاوة على كيفية جمع أدلة الإدانة. وهو ما دفع بالأمم المتحدة الى إصدار تقرير تطالب فيه الدولة المغربية الإفراج عن هذا الصحفي، ولا أحد يعتقد بتضامن أكبر هيئة عالمية مع متهم بقضايا جنسية إن لم تكن على بينة من الخروقات. وكان يكفي الوعي بتوظيف الملف عندما جرى تحديد الجلسة الأولى يوم 8 مارس من السنة الماضية.
لكن الدولة المغربية الحديثة العهد بالمؤسسات، تحدت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والرأي العام المغربي ورفعت شعار أنها “أعلم بالجميع بالقانون”، لترسي قاعدة سيئة للغاية وهي “أنا الدولة أفعل ما أشاء مع الشعب بدون حسيب ولا رقيب”.
لقد أرسلت الدولة للمرة الألف إشارات قوية بأنها غير متسامحة مع الأصوات المعارضة التي تخرج عن الشكل الهندسي السياسي الذي وضعته، وكل من دخل هذا الشكل الهندسي يتمتع بنوع من الحصانة والخارج عنه مغضوب عليه ويتعرض للعقوبة. فقد وقف الرأي العام على اتهام صحفية لمدير وسيلة إعلام عمومية باغتصابها، التزمت صحافة التشهير الصمت ويستمر القضاء في عطلة مفتوحة في هذا الملف. ووقف الرأي العام على التقارير الوطنية والدولية بشأن الفاسدين مهربي الأموال ومختلسي أملاك الشعب والوطن، ويستمر الأمن والقضاء في عطلة مفتوحة.
ستمر الأيام، وسيغادر توفيق بوعشرين السجن، وستكون محاكمته الظالمة التي غاب عنها مبدأ العدالة حلقة ضمن الحلقات البشعة في ملف حقوق الإنسان في المغرب، وهي الحلقات التي لا تنتهي طالما لم تسطع شمس الحرية على هذا الوطن وعلى هذا الشعب.