افتتاحية/ أقصى وأقسى مفارقات المغرب: تدوينة حول الريف تقود للسجن ووثائق بنما والحسابات السرية نحو الحصانة

لون اسود تعبيرا عن سوداوية السلطة

إذا كنت في المغرب فلا تستغرب، مقولة مغربية بامتياز عن غرابة الأوضاع في هذا البلد الذي يحمل اسم المغرب، لكن في بعض الأحيان تبقى هذه المقولة قاصرة للتعبير الحقيقي والعميق عن تناقضات ومفارقات صارخة ومنها: تدوينة عن الريف تقود الى السجن، ووثائق بنما والحسابات السرية تمنح لصاحبها الحصان من القضاء.

تابع الرأي العام المغربي والدولي الحراك الشعبي في الريف الذي جاء كانتفاضة على الغبن وعمليات النهب والتفريط في ثروات الشعب والانصياع لتوصيات صندوق النقد الدولي مثل المغادرة الطوعية التي تعترف هذه المؤسسة بخطئها. وتابع كيف جرى اعتقال وسجن مواطنين بسبب تدوينة في شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك ، تدوينة كانت متنفسا عن الغضب وأصبحت كافية للاعتقال والسجن وتشتيت العائلات.

وفي المقابل، وقف الرأي العام على الفضائح المتسلسلة لنهب ثروات البلاد، ولم يأتي هذا بفضل مؤسسات البلاد المكلفة بحماية هذه الثروات بل من جمعيات دولية كشفت الحسابات السرية في بنك سويسرا وكشفت الشركات والتهرب الضريبي لما يعرف بوثائق بنما.

وشاهد العالم، كيف تحركت الدول المسؤولة التي تحترم شعوبها وفتحت تحقيقات، واعتقلت من اعتقلت وغرّمت من غرّمت بعد ظهور هذه الوثائق. وقع هذا في اسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والمكسيك والأرجنتين وعشرات الدول الأخرى، حيث دفع الضمير الوطني المؤسسات الأمنية والقضائية الى الإسراع بفتح تحقيق حتى لا يكونوا بصمتهم شركاء في الجريمة ضد الشعب.

ونشهد نحن في المغرب، كيف تلتزم الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والقضائية والسياسية مثل البرلمان الصمت، لم تبادر أي مؤسسة بفتح تحقيق أمني أو قضائي أو إنشاء لجنة برلمانية للتقصي، علما أن الحسابات السرية في سويسرا ووثائق بنما تجيب جزئيا عن السؤال المعلق منذ ثلاث سنوات: أين الثروة؟

والسؤال الموجه الى ضمير المسؤولين المغاربة من يفترض أنهم مؤتمنون على ممتلكات الشعب من النهب والسرقة: لماذا لم تتحركوا لفتح تحقيقات في الحسابات السرية في سويسرا ووثائق بنما؟ لن يصدر الجواب لأن الضمير الوطني الحقيقي ميت عندما يكون الفساد ركن من أركان الدولة، وتكون أسماء مسؤولين في الدولة واردة في التقارير الدولية بأنهم يسرقون وينهبون أموال شعوبهم.

إن أقصى وأقسى مفارقات المغرب في القرن الواحد والعشرين أن تقود تدوينة حول مآسي الريف الى السجن أو تقود صحفيين نددوا وفضحوا بالفساد الى السجن، ويتم تشويه نشطاء يفضحون ناهبي المال، بينما ويتمتع صاحب وثائق بنما والحسابات السرية في سويسرا بأعلى درجات الحصانة.

ثم يحدثونك عن هيبة الدولة القانون والشرف والوطنية والضمير.

Sign In

Reset Your Password