تستمر الاستخبارات الفرنسية بالتحقيق في التجسس الذي تعرضت له بواسطة برنامج بيغاسوس الإسرائيلي لاسيما بعدما رصدت آثاره في هاتف بعض خبراء وزارة الدفاع، وستزيد من التحقيق لاسيما بعدما وضعت واشنطن شركة إن إس أو في اللاحئة السوداء للشركات التي “تهدد الأمن القومي الأمريكي وأسس النظام العالمي”.
وكانت وسائل إعلام دولية ومنها واشنطن بوست ولوموند، قد أجرت تحقيقا على برنامج التجسس الإسرائيلي، وكشفت خلال يوليوز الماضي عن تعرض 50 ألف هاتف للتجسس، وأشارت إلى دول مثل السعودية والإمارات والمغرب والمكسيك والفلبين، وتبين لاحقا استعماله من طرف دول أوروبية مثل المانيا.
ونشرت جريدة لوموند الفرنسية نهاية الأسبوع، أن سلطات باريس تبدي صمتا ظاهريا في هذا الملف، بينما في العمق تجري تحريات كبيرة وعميقة للوصول إلى الجهات التي تجسست على المسؤولين الحكوميين والصحافيين وسياسيين ورجال أعمال. وأفادت الصحيفة بوجود تقييم تجريه الاستخبارات الفرنسية لمعرفة مدى مستوى التجسس الذي تعرضت له الدولة الفرنسية. وترفض السلطات الفرنسية تأكيد أو نفي هل تعرض هاتف الرئيس إيمانويل ماكرون للتجسس.
وتفيد “لوموند” بإجراء الاستخبارات الفرنسية اجتماعات كل أسبوع على أعلى مستوى بين فروعها للتقييم الأمر، وتبحث إن تعرضت أرقام هاتف مسؤولين كبار في الإدارة الفرنسية للتجسس علاوة على الأرقام المعروفة التي تم التأكد من التجسس عليها. ويتطلب هذا العمل الفحص المادي للهاتف، حيث تم إخضاع مئات الهواتف للفحص.
وتفاجأت الاستخبارات بأنها عثرت على بقايا البرنامج في هواتف مسؤولين من الخبراء الذين يعملون على ملفات حساسة في مجال الدفاع، ويتعلق الأمر بمسؤولين لا ينتمون إلى الشخصيات العمومية، بل إلى ما يعرف بخبراء الدولة العميقة. في الوقت ذاته، اكتشفت تعرض الكثير من الأجانب في فرنسا للتجسس، وقد أخبرت الوكالة الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية الفرنسية الضحايا.
وكانت الاستخبارات الفرنسية تجهل الكثير عن هذا البرنامج وطريقة عمله، ولكنها نجحت في تفكيكه لاحقا لتدرك مدى خطورته. وواجهت فرنسا تعقيدات تقنية بعدما لم ترغب عدد من الدول الأوروبية في التعاون معها لأنها من زبائن الشركة الإسرائيلية، ولهذا لم تصدر تنديدات أوروبية موحدة ضد الشركة الإسرائيلية.
وتعترف الاستخبارات الفرنسية أنه بعد شهور من العمل لم تصل إلى معطيات كافية لتوجيه الاتهامات إلى الجهة التي تجسست على فرنسا، لاسيما في ظل نفي المغرب استعمال البرنامج للتجسس على المسؤولين الفرنسيين. وكانت فرنسا قد أجرت لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين حول هذا البرنامج لمعرفة الزبائن ومن تجسس على المصالح الفرنسية، ولكن يبدو أنها لم تتوصل حتى الآن الى معطيات واضحة.
وتعمل فرنسا على ثلاث مستويات، الاستمرار في التحقيق لمعرفة الجهة أو الجهات التي تجسست على المسؤولين الفرنسيين، ثم وضع خريطة لكل الشركات التي تصنع برامج التجسس في العالم لمعرفة كيفية تفادي تعرض فرنسا للتجسس مجددا، بينما المستوى الثالث هو التنسيق الدولي لمواجهة هذه البرنامج.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، مما يشجع فرنسا هو قرار واشنطن الشهر الماضي اعتبار شركة “إن إس أو” شركة خطيرة تهدد الأمن القومي الأمريكي كما تهدد النظام العالمي، ووضعتها في اللائحة السوداء.