اعتاد الأمين العام للأمم المتحدة منذ مصادقة مجلس الأمن في جلسة 2984 على القرار 690 وتاريخ 29 ابريل 1991 وتنفيذا للمادة السادسة منه اطلاع المجلس بانتظام على الحالة في الصحراء، و اتخذ مجلس الأمن، وعلى ضوء تقارير أمين عامه 43 قرارا، من ذلك التاريخ إلى غاية آخر قرار 2152 بتاريخ 29 ابريل 2014.
ويختلف موضوع القرارات تبعا لاختلاف الخطط المطروحة ومحاولات إيجاد صيغة للتوفيق بين الأطراف بشأنها وبروز مواقف ومبادرات جديدة لدى الأطراف والمبعوث الشخصي، لكنها تتفق دائما مع توصية بتنفيذ مهام المينورسو.
ويمكن استنباط مدى اهتمام المجتمع الدولي بالنزاع وتأثير قضايا إقليمية أو دولية على زيادة أو نقصان تلك العناية اعتمادا على كم وعدد القرارات الصادرة عنه عن كل حقبة، وهكذا فان السنوات مابين 1991 و1998، تعتبر سنوات عقم وعجاف، وتصادف حرب النظام الجزائري مع الإسلاميين كما يصادف حرب الخليج الأولى. بينما الحقبة الثانية عن ما بين19992004، والتي يمكن وصفها بحقبة الخصوبة، فقد شهدت إصدار مجلس الأمن لـ 26 قرارا كان أغلبها 7 قرارات في سنة 1999 و5 قرارات عن سنة 2003 و4 قرارات عن كل سنة في 2000و 2001 و3 قرارات عن كل سنة 2002 و 2004، وهو التاريخ المصادف لعمل المبعوث الشخصي جيمس بيكر وخطة الإطار.
أما الحقبة الثالثة فهي الممتدة من سنة 2007 إلى الآن، بمعدل قرار عن كل سنة بعد سنة 2006 و2007، بقرارين عن كل سنة، وهي فترة المفاوضات والبحث عن الحل السياسي المتوافق عليه.
ثانيا: مميزات القرار الأخير 2152 لمجلس الأمن ومضمونه
تضمن قرار مجلس الأمن حول الصحراء في أبريل 2014 لغة غير معهودة وغير معتدلة ملؤها الوعيد والتهديد، فبعد ديباجة القرار التقليدية التي يتم عادة سرد إطار وضع الأمم المتحدة يدها على الملف والتذكير بأهم النقط أبرز المحطات وجهود الأطراف. فإن ما ميز القرار هو استعمال لغة خشنة استهلها بكون الصحراء موجودة منذ 1963 في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وأردف القرار أن جهود المنظمة الدولية ستظل تبذلها حتى تحديد وضعها النهائي. وبعده انتقل إلى حث الأطراف على ضرورة إحراز تقدم عاجل والعمل بجدية بشأن المسألتين الأساسيتين الواردتين في توجيهات مجلس الأمن: الفحوى التوصل إلى حل سياسي وأن الشكل هو تقرير المصير، تحت طائلة إشراك مجلس الأمن في عملية استعراض للإطار الذي قدمه لعملية التفاوض الذي انطلق منذ ابريل 2007 في حالة حدوث تقدم إلى غاية أبريل 2015.
وبعده انتقل القرار إلى الخوض في مسألة حقوق الإنسان والسجال الذي يدور حولها والاتهامات المتبادلة بين المغرب والبوليساريو ، مشيرا إلى أن الهدف النهائي هو “تحقيق رصد مستقل ومحايد لحقوق الإنسان يغطي كل من الإقليم والمخيمات”. وأن التعبئة المؤهلة في حالة الجمود السياسي لتوفير المعلومات المستقلة عن الحالة عن أرض الواقع إلى مجلس الأمن والأمانة العامة والمجتمع الدولي. و طلب إلى الأمين العام أن يقدم بانتظام إحاطات إلى مجلس الأمن عن حالة المفاوضات “مرتين في السنة” على الأقل، وعن التحديات التي تواجهها عملية التعبئة والخطوات المتبعة للتصدي لها.
ثالثا: تفاعل الأطراف مع قرار مجلس الأمن 2152
بالرغم من صخب المحادثات والنقاشات وتعدد اللقاءات والمشاورات التي تشهدها أروقة ودهاليز ومكاتب مقر الأمم المتحدة قبيل المصادقة على أي قرار، والتوفيق بين مختلف الآراء و الإرادات المتدخلة، وهي أعضاء مجلس الأمن لإيجاد صيغة توافقية قبل المناقشة والتصويت. فإنه عادة ما تنطلي وتختفي بين اللغة والأسلوب المستعمل أهداف وغايات سياسية، قد لا تسعف القراءة الفورية غير المتأنية ودون الاستعانة بالخبراء وأهل الاختصاص من الكشف عنها في وقتها وحينها. وهو المأزق الذي سقطت فيه الدبلوماسية المغربية في أكثر من مرة، إذ لا تدرك المصائد والفخاخ إلا بعد فوات الأوان، يكون فيه حبر التوقيع المذيل به القرار قد جف.
وهو نفس الموقف الذي وجد فيه المغرب بعد صدور القرار عدد 2152 في 29 من أبريل من السنة الماضية 2014. وسارع بعد الاحتفال به إلى رفض الإيحاءات الواضحة فيه “تغيير في إطار بحث النزاع” والمرموز فيه “الاستعمار” تحقيق رصد مستقل ومحايد لحقوق الإنسان وفي مقابل الحسرة المغربية، فإن آمال البوليساريو المعقودة على القرار تجاوزت ألفاظه ومعانيه وفسرته تفسيرا وتأويلا طوباويا، وسوقت للاجئي المخيمات نصرا قريبا، موعده يحل في أبريل 2015. وإن لم يكن الموعد حاسما، فهو فاصل وقطيعة بين السلام والحرب، فهو تاريخ تريده إقرار مجلس الأمن باستفتاء، أو استئنافها للحرب والقتال ضد المغرب.
المغرب: الحكم الذاتي أو لا شيء
بعد إن أدرك المغرب خطورة ما يشكله القرار 2152 على واقع حيازته وممارسة سيادته على الإقليم، بمحاولات القرار الترويج لتطبيع عدم شرعية تلك السيادة، وتبريرها تحت وصف وطابع المدير بحكم الاستعمار، وهو النقل الحرفي والمعنى المطابق لمرافعات البوليساريو والجزائر وثلة من الدول الإفريقية وفي أمريكا الجنوبية، و بعد أن استوعب المغرب ما يشكله ذلك من تبخيس وعدم اعتبار لآلياته الوطنية المشتغلة بتعزيز حقوق الإنسان والنهوض بها وعدم الاكتراث لما يتوفر عليه من قواعد قانونية، فإنه انتفض ورفض إجراء أي تغيير في الإطار القانوني الحالي لنظر مجلس الأمن، من الفصل السادس إلى السابع ورفض أي تغيير في ولاية بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان أو شيء آخر خارج نطاق مهمتها الحالية بمراقبة وقف إطلاق النار، طبقا للفقرة 68 من القرار 619، التي تنص على أن وجود البعثة مازال ضروريا للحفاظ على وقف إطلاق النار في الصحراء، وهي وظيفتها الحالية لا غير.
ورفض تبعا لذلك استقبال المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلا بشرط تلقيه كتابا توضيحيا من مجلس يحدد بدقة نطاق وحدود مهامه واختصاصه، التي يرى المغرب أنه تجاوزها واعتدى على اختصاصات ليست من صميم عمله وتندرج خارج دائرة مهامه وينزلق عن قصد وبسوء نية بالنزاع عبر مغالطات خطيرة لتكييفه أنه استعمار وأن المغرب دولة محتلة، وهو الرفض الصريح الذي لا يخفيه المغرب، فقد صدر عن وزير خارجية المغرب في العرض الذي قدمه في الاجتماع المشترك للجنتي الشؤون الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب ومجلس المستشارين في 10 من يوليوز من السنة الماضية 2014، وأكده الملك في خطاب السادس من نونبر 2014، حيث قال”…بصفتي الضامن لاستقلال البلاد، والضامن لوحدتها الترابية، فان من واجبي تحديد المفاهيم والمسؤوليات في التعامل مع الأمم المتحدة والتعبير عن رفض المغرب للمغالطات والانزلاقات التي تعرفها هذه القضية…”.
كما أن المغرب حدد سقفا نهائيا لتنازلاته، التي لن تتعدى في أكثر الأحوال مقترحه وعرضه بالحكم الذاتي أو لا شيء. فهو يعتبر الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، وبتعبير الملك، فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها. إلا أن قبول المغرب بعودة مسؤولي الأمم المتحدة دون أن يحدد موضوع وطبيعة ضمانات الحياد التي تلقاها من الأمين العام للأمم المتحدة عن ذلك، ودون معرفة دقيقة لمدى قبول الأمين العام بملاحظاته الكتابية من عدمها وكذا مناسبة زيارة روس المرتقبة ومكان استقباله، ونوع الشخصيات والمنظمات والجمعيات المطلوبة للقائها قبل تقريره في أبريل 2015 هي مؤشرات على مدى انصياعه للملاحظات المغربية أو فقط مناورة يؤسس بها الشرعية لتقريره على شكل صك اتهام للمغرب. فهل تكون الديبلوماسية المغربية أخطأت ثانية في قبول استئناف التعامل معه في وقت يعتبر الخطأ غير مسموح به؟
الجواب في قادم الأيام وبالضبط في موعد ابريل.
لبوليساريو وموعد أبريل المقبل
اعتقدت قيادة جبهة البوليساريو وإعلامها وبعضا من قادتها والموالون المؤيدون لها بجعل موعد أبريل القادم 2015 بالحاسم، ودليلها في ذلك ما تضمنه القرار ألأممي من مصطلحات يدعم بها مركزه ويعضد بها موقفه منها “إقليم لا يتمتع بالحكم الذاتي” ولكون القرار يساوي بينه كمنظمة انفصالية تعتمد على العمل العسكري والسياسي وبين المغرب كدولة مستقلة وذات سيادة على الإقليم وفي المخيمات واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي يكون الوقت قد حان لإشراك مجلس الأمن.
وزاد من تعاظم تفاؤل البوليساريو انتقاد المغرب الصريح والرسمي، ومن أعلى سلطة سياسية في الدولة لمضمون القرار والاعتراض عليه وتعليقه التعامل مع المسؤولين الأمميين وخاصة المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس والمبعوث الخاص رئيسة المينورسو الكندية كيم بولدوك قبل أن يتلقى ويتسلم جوابا واضحا للمذكرة التوضيحية الموجهة من قبله إلى الأمين العام منذ يونيو الماضي.
وهو ما جعل البوليساريو يصف المغرب بالمرتد على الشرعية الدولية. ويهدد بالعودة إلي السلاح والقتال في أكثر من تصريح ومقابلة تلفزية لرئيسه ولد عبد العزيز، كما قام بمناورتين عسكريتين خلال شهري نونبر ودجنبر 2014. خاصة بعد خطاب ملك المغرب، الذي أعلن أن سيادة المغرب على كامل أراضيه ثابتة غير قابل للتصرف والمساومة وان مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب في إطار المفاوضات كحل نهائي للنزاع.
فهل سيوفي البوليساريو بوعيده باستئناف القتال بعد أبريل 2015، أن جاء كغيره من المواعيد، ولم يختلف عنها في شيء. آم أن ما يقوم به البوليساريو لا يختلف في شيء عن خطاباته لباقي السنوات المنصرمة في تهديده بالحرب، ويدرك أن لجوءه إلى العنف هي نهايته المعجلة قبل الأوان، وستلصق به تهمة صلته بالإرهاب، التي أثيرت حوله من ذي قبل من طرف المغرب ونفته عنه الخارجية الأمريكية. وقد يكون ذلك النفي شبيها بنفيه الفساد وتحويله للمساعدات الإنسانية الذي أكدها تقرير أوروبي منذ 2007 ولم تكشف عنه السرية إلا في يناير 2015.
الجزائر وإهمال لمسؤولياتها لصالح اللاجئين
لم يستقر الموقف الجزائري على رأي واحد، فبعد أن رددت بعدم ادعائها أية حقوق في الصحراء لصالح المغرب وموريتانيا في الرباط يونيو 1972 وأكتوبر 1974، انتقلت تهدد موريتانيا في قمة بشار 10 نونبر 1975، ثم انتقل يحذر من تجاهل الجزائر ووصفه بالعمى السياسي الذي يؤدي إلى مأزق. واستقرت الجزائر تنفيذا لتهديدها إلى المساهمة في خلق البوليساريو وإيوائها وتأييدها، وتتمسك بحق تقرير المصير لسكان إقليم الصحراء، وترفض الموافقة على أي حل لا تشارك في الإعداد له، بصفتها طرفا من الأطراف المعنية فضلا عن كونها ذات مصلحة مباشرة، بالرغم من ادعائها غير ذلك، وهو ما جعل المغرب يطالب المجتمع الدولي للإقرار بمسؤولية الجزائر كطرف معني رسميا. وتزعم الجزائر أن موقفها يحكمه عاملان، من جهة قرارات الأمم المتحدة، وخاصة تلك التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير، إضافة إلى موقفها التقليدي المساند لحركات التحرر في العالم الثالث، وتدرج حركة البوليساريو ضمن هذه الحركات. وتطور موقفها مؤخرا وتصف علنية وجهرا أن قضية الصحراء هي قضية استعمار.
إلا أن تشبث الجزائر بمبادئ القانون الدولي بخصوص مبدأ تقرير المصير لا يوازيه تعاملها وسلوها تجاه اللاجئين في مخيمات تندوف، إذ وافقت و فوضت للبوليساريو إدارة مخيمات اللجوء فوق إقليمها بتندوف ضدا على قواعد القانون الدولي الخاصة باتفاقية اللجوء، وتم عسكرت تلك المخيمات وتقمع فيها حريات التنقل والتعبير المكفولة للاجئين بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية جنيف 1951، وتملصت من ضمان حرياتهم وصيانة حقوقهم ، التي تلتزم بها، وهو ما يجعل موقفها متناقضا، فمن جهة تتمسك بالقانون الدولي، فيما يتعلق بمبدأ تقرير المصير وبالمقابل تنتهك حقوق اللاجئين وتساهم في ذلك من خلال سماحها لجبهة البوليساريو بإدارة مخيمات اللجوء وعسكرتها وعدم إحصاء اللاجئين وعدم إعمال الحلول الدائمة، للسماح لإرادة اللاجئين التعبير عن رأيهم بحرية.
الأمين العام تهديد بمراجعة إطار تدخل مجلس الأمن ومكالمة التزام الحياد دون ضمان
دعا مجلس الأمن في قراره الأخير 2152، الأطراف إلى التسليم بضرورة إحراز تقدم عاجل في المفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه ويقبله الطرفان، وذلك قبل ابريل 2015 موعد مراجعته السنوية والدورية للحالة في الصحراء. واعتبر أن عدم إحراز تقدم قبل الأجل المحدد يجعل الوقت قد حان لإشراك مجلس الأمن في عملية استعراض شاملة للإطار الذي حدده منذ أبريل 2007 بمقتضى القرار 1715 لعملية التفاوض. وهو ما جعل من الموعد المقبل يكتسي أهمية خاصة، جعله البعض حاسم، البوليساريو والجزائر. ويراه المغرب بالهام، بتعبير وزير خارجيته صلاح الدين مزوار.
ويبدو أن ما قطعه وحدد مجلسه الأمن على نفسه وهو ينشد استفزاز وتحريض وإرغام الأطراف للتقدم في المفاوضات قبل ابريل 2015، و كذا القرارات التي اتخذها الأمين العام عقب وغذاة ذلك منها، تعيين خوسيه راموس هورتا، رئيسا لفريق مستقل ورفيع المستوى لإعادة النظر في عمليات السلام، منها نزاع الصحراء، والتي تشرف عليها الأمم المتحدة واقتراح خطة ملائمة وكذا تعيين كيم بولدوك رئيسة للمينورسو وما لذلك من رمزية فالأول يعتبر رئيسا سابقا لتيمور الشرقية والثانية مدافعة عن حقوق الإنسان. كل ذلك جعل البوليساريو والجزائر يجدان ضالتهما في القرار ولا يبغيان عن حل بالاستفتاء بديلا وتبديلا، وعينهما في ذلك على وعد مجلس الأمن أجله أبريل 2015. وهما يعتقدان ويؤمنان أن الطرف المعني بمقتضى تقرير 2014 هو المغرب وحيدا أو فسر لهما أن طبيعة المراجعة هي فرض الاستفتاء.
وقد حاولت البوليساريو ممارسة ضغط إضافي على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بقيامها بمناورتين عسكريتين واعتمادها خطابا تهدد بالعودة إلى الحرب، وهي رسائل موجهة إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي مفادها أن نفاذ صبرها قد أوشك. وأن نهايته وفاء مجلس الأمن بوعد الموعد في أبريل. بينما المغرب استبق الأمور رفضا لأي تطور في طريقة تدبير مجلس الأمن للملف ولا في أي تغيير وتوسيع لمهام المينورسو بل طالب بتحديد مهمة المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة منذ تقريره الأخير في أبريل 2014 ولم يتمكن من زيارة المغرب إعدادا للإحاطة التي تمت في 27 أكتوبر 2014، وعلق أي تعامل مع مسؤولي الأمم المتحدة، ما لم يتوصل برد توضيحي على مذكرته معلنا أن أقصى ما وأكثر تنازلاته لن تتجاوز الحكم الذاتي.
وبالرغم من قبول المغرب أخيرا باستئناف التعامل مع مسؤولي الأمم المتحدة بضمان الأمين العام للحياد في مكالمة هاتفية مع الملك، حسب الصحافة المغربية ووزير خارجيته. فإن ذلك لا يفك من لغز أبريل في شيء، بالنظر إلى كون سابقة مع نفس المبعوث سنة 2012، حيث سحب المغرب الثقة منه، وعاد للتعامل معه بنفس الطريق الحالية، مكالمة الأمين العام مع الملك، دون أن يلتزم بالحياد حسب المغرب. فهل سيتكرر نفس السيناريو يا ترى؟ وهل يلدغ المغرب من نفس الجحر مرتين؟ أم لقن المغرب لروس الدرس؟ شخصيا لا أظن. سيحل روس بالمغرب لإعداد التقرير وهو مرحب به، حسب وزير الخارجية المغربي. فكيف سيكون تقريره؟ هل سيكيل فيه تهما للمغرب؟ هل سيضمن فيه أن المغرب يتسبب في تعطيل المفاوضات؟ هل سيطلب من مجلس الأمن التدخل لفرض حل على الأطراف؟ هل سيكون الاستفتاء؟ هل سيوصي ويطلب بتوسيع مهمة المينورسو لتشمل حقوق الإنسان؟ هل سيقترح آلية أخرى لذلك؟ هل سيقر بمسؤولية الجزائر القانونية تجاه اللاجئين؟ هي أسئلة تجعل التقرير المنتظر استثنائي.
موريتانيا، ثقل الماضي القريب وتيه في تحديد تحالف المستقبل
لم تستطع موريتانيا التخلص من عقدة الماضي والإحساس بالقزمية والإهانة، وإن ظلت في أعين المغرب بلدا شامخا وكبيرا، فنواكشوط التي انتقتها نيران الجزائر بقناع وأداة البوليساريو عقابا لها على الدخول طرفا إلى جانب المغرب وإسبانيا في اتفاقية مدريد 1975، ومن ثم أجبرت على الانسحاب من الحرب والاعتراف بالبوليساريو، عقب توقيعها علي اتفاقية الجزائر، 5 غشت 1978، وهو الاتفاق الذي لم يرض الموريتانيين، كما لم يتفهم الأطراف طبيعة اختيار واختبار موريتانيا لسلوك الحياد السلبي، دون إن تفلح في إتيانه ولا انتهاج سياسة التوفيق بين الأطراف والمحافظة على التوازن في علاقاتها بين القطبين الرئيسيين في النزاع وهما المغرب والجزائر، لتبقى سهام الانتقاد تتوالى عليها، تبعا لكل خطوة سياسية تفرضها مواقفها المحسوبة على محاور الملف الثلاثة.
وهكذا وبالرغم من غموض موقف معاوية ولد الطايع، فإن الجزائر كانت تتهمه بدعم الطرح المغربي، وهو موقف يشبه شكوك المغرب الحالية حول انحياز نظام محمد عبد العزيز إلى التحالف العسكري والأمني إلى جانب الجزائر، لقد فاقمت الشكوك المغربية الجهود المتواصلة لعزل الرباط عن الجهود الإقليمية لمحاربة الإرهاب والوقاية منه، سيما وان المغرب معني بالعملية جغرافيا، فما هي الأسباب الموضوعية لإقصاء المغرب، وهل توجد نية مبيتة ضد المغرب؟
وقد ضاعف من قلق المغرب وركود وتوتر العلاقات بين نواكشوط والرباط ما صدر عن الاتحاد الإفريقي من قرارات عدائية ضد السيادة المغربية في ظل رئاسة موريتانيا له، ومن ضمن القرارات الصادرة خلال العهدة الموريتانية تعيين خواكيم سيشانصو مبعوثا للاتحاد الإفريقي حول الصحراء، والتحويل النوعي والكمي الملحوظ في علاقة الاتحاد الإفريقي بنزاع الصحراء، بعدما تحول الاتحاد القاري إلى مجرد ناطق باسم البوليساريو والجزائر. وتتبجح الجزائر في نجاحها في تسخير موريتانيا لهذا الغرض.
وتبقى تصريحات رئيس البوليساريو، محمد عبد العزيز الأخيرة في بلدة غوينيت، والتي غطاها صحفي موريتاني اعبيد ايمجين بجعل إقليمها ملجأ لهم في حالة استئناف القتال ضد المغرب، دون تعقيب موريتاني ونفس الغموض يستمر حيال حقيقة تحركها المشترك مع قوات البوليساريو في لكويرة، وكل هذه الوقائع تجعل المراء والشك هو السائد ولا يترك فرصة للثقة والتطبيع بالرغم من الإيجاب و الجهود واليد المغربية الممدودة، التي لا يقابلها قبول، وهو ما يؤكد تبعية موريتانيا وعدم حيادها وعدم أهليتها للعب دور الوسيط في الحل، فهل اختارت موريتانيا حليفها المستقبلي؟ أم أن التذبذب والتردد سيبقى من مميزات سياستها الخارجية من نظام إلى آخر؟
إسبانيا: مقعد مجلس الأمن المشؤوم في أبريل الوعد والوعيد
اعتقدت اسبانيا أنها أنهت استعمارها لإقليم الصحراء بتوقيعها على اتفاق مدريد 14 نونبر 1974 وبإصدارها لقانون إنهاء استعمارها له ونشره في جريدتها الرسمية، ولم تعد تربطها به غير علاقات التاريخ والثقافة. والحال أن تداعيات الفعل لازالت تلاحقها وتطاردها، فموقفها حيال مآلات النزاع موزع ومتباين بين ما هو رسمي وحزبي ومجتمع مدني. فالموقف الرسمي وبغض النظر عن الجهة الحاكمة؛ حزب شعبي أو حزب اشتراكي، بتأييد الحل السياسي المتوافق عليه مع ثناء لمقترح المغرب بالحكم الذاتي لا يتغير، تحكمه وتحدده عوامل اتفاقية واقتصادية وأمنية، وتجعله من الثوابت الوطنية الإسبانية، التي لا يجب الخروج والحياد عنه.
وخارج بنية الحزبين المتداولين حول السلطة.نجد أحزاب يسارية وقومية تؤيد البوليساريو وتقرير المصير، ومن قادتها من ساهم موقفه في أزمة في حكومة الأندلس، وقدم مستقبله السياسي قربانا لذلك وتيار بوديموس الصاعد، الذي لم يحن الوقت بعد لتحديد موقفه النهائي. ومن المرجح أن يعيش انفصاما بين المعلن عنه حاليا بتعاطف جزء من قاعدته داخل المجتمع الاسباني من شباب الجامعات مع البوليساريو، التي قد تكون تشبعت بموقف أحادي لجبهة البوليساريو في ظل غياب الصوت المغربي، وبين احتمال فوزه في انتخابات 2015 و 2016 وتوليه الحكم. وكيف سيتصرف حفاظا على المصالح العليا لإسبانيا، المرتبطة بالمغرب بملفات عويصة، منها سبتة ومليلية والصيد البحري والهجرة ومحاربة الإرهاب، ناهيكم عن كونها تتبوأ مرتبة الشريك التجاري الأول متفوقة على الشريك التقليدي فرنسا، من جهة وانسجاما مع جزء من قناعات قاعدته؟ وإلى أن يفوز حزب بوديموس، بإمكاننا بمقدورنا، وهو في حكم المحتمل.
فإن إسبانيا تنافست مع تركيا على مقعد غير دائم بمجلس الأمن وفازت عليها، وتشغل منذ يناير من هذه السنة عضويته، تجد نفسها في مأزق حقيقي، وداخل مجلس يضم ولأول أصواتا تدعم البوليساريو مثل فنيزويلا نيوزيلاندا والكونغو ونيجيريا. ليس من الصعب تحديد أين تميل، فهو محدد مسبقا لصالح الحل السياسي المتفق عليه، سيما وأن لها حساسية مفرطة مع حل الاستفتاء، وهي التي تمنعه بدستورها لسنة 1978 وعن طريق القضاء الدستوري في الحكومتين المستقلتين بكاتالونيا ومن ذي قبل في إقليم الباسك، كما أنها ترى الاستفتاء محل فسيستفتى لتحديد مستقبل أي جهة فسيطال كافة الإسبان. لكن الأصعب يكمن في كيف ستتحرك إسبانيا وكيف ستتصرف، لو أن أحد أطراف مجلس الأمن قدم توصية لمراجعة إطار تدخله أو توصية من أجل توسيع ولاية المينورسو لتطال مراقبة حقوق الإنسان أو من فرض حل على الأطراف لا يقبلانه.
فرنسا: تاريخ حلف وصداقة متينة تهزه شكاية أمام القضاء
دأبت فرنسا على تأييد الموقف المغربي والثناء على مبادرته بالحكم الذاتي، ولا تبالي في ذلك بما تشنه الجزائر والبوليساريو عليها من انتقاد، ويتطابق الموقف الرسمي الفرنسي مع رأي جل أطياف المجتمع الفرنسي مع توالي الحكومات، إلا أن هواجس الخوف سيطرت على دائرة القرار في المغرب بفوز الرئيس الحالي فرانسوا هولاند على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ففي ولاية الأخير نال مقترح المغرب بالحكم الذاتي تأييدا فرنسيا مطلقا ودون تحفظ، و كان المغرب يحس بتقصير منه طال شخص هولاند أثناء زيارته للمغرب، في وقت أعلن فيه عن ترشيحه للانتخابات الرئاسية لفرنسا، دون أن يحضى باستقبال يليق بمقام يعكس تلك الصفة. ويدرك هولاند أن مرجع ومرد ذلك صداقة ودعم المغرب لساركوزي، و كان المغرب يعتقد أن ذلك الموقف قد يؤثر على ثبات الموقف الفرنسي في تأييدها للمغرب في نزاع الصحراء. أما التخوفات الأخرى، فهي ناتجة من علاقات الاشتراكي لوران فابيوس، الذي تولى حقيبة الخارجية بالبوليساريو، إذ تنسب له رسالة خطية يؤيد فيها البوليساريو.
ويزيد من قلق المغرب تأثير تراجع علاقاته الاقتصادية مع فرنسا، بعد عقود وسنوات، كانت وبدون منافس ولا منازع الشريك التجاري الأول للمغرب منذ استقلاله منها، إذ انتزعت واختطفت اسبانيا منها فجأة تلك المرتبة وذلك الامتياز، وكأن المغرب نهج سياسة ممنهجة لفك وإنهاء عقال الوصاية والتبعية منها، وهو الرغبة، التي أكدها وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار في استجواب مع مجلة جون افريك، في عددها2818لو”le temps de la tutelle est revvolu” ولو أن هذه العبارة وردت في معرض جوابه عن سؤال حول دور فرنسا إلى جانب الجزائر في نكوص وتراجع دور المغرب في مساعي العملية التصالحية بمالي، لكن العبارة تنسحب على كل الأمور.
وقد كادت توضع فرنسا في موضع المحك والمجهر سنة 2012، أثناء تقديم أمريكا إلى مجلس الأمن بتوصية لتوسيع صلاحيات المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف لو لم تسحب أمريكا توصيتها قبل بدء مناقشات المجلس، فهل كانت فرنسا لتستعمل حق النقض والفيتو لو لم تسحب تلك التوصية وتمت المصادقة عليها دعما للمغرب؟ أم أن تراجع أمريكا نابع عن تأكد أمريكا واطلاعها، وهي التي تتنصت لقادة العالم، عن نية وعزم فرنسا على ذلك الاستعمال؟ أو أن التوصية اتخذت لمآرب ومصالح أمريكية أخرى قضتها لدى المغرب؟. ليست غاية هذه المقالة الجواب على كل شيء، بل نطرح أسئلة قد نجيب عليها لا حقا آو يتولى غيرنا من الخبراء والمحللين ذلك.
وقد زاد من وجع المغرب وغبطة وفرح الجزائر والبوليساريو وضاعف من عطش المتشوقين لموعد أبريل المقبل توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا على خلفية الغضب المغربي من استدعاء القضاء الفرنسي لمدير المخابرات المغربي عبد اللطيف الحموشي للتحقيق في شكاية من أجل التعذيب وضعها ضده زكريا المومني. وهي شكاية تسمح قواعد قانون الإجراءات الجنائي الفرنسي الحالي بقبولها وفقا للفقرتين الأولى والثانية من المادة 689 منه. حيث تسند هذه المادة الاختصاص للقضاء الفرنسي للتحقيق في جرائم التعذيب، ولو ارتكبت خارج الإقليم الفرنسي ضدا على مبدأ إقليمية القانون الجنائي.
وهو ما نتج عنه تداعيات تعطيل وتوقف قي التعاون الأمني والقضائي بين المغرب وفرنسا لمدة سنة ونيف، لم يتم استئنافه إلا بتاريخ 30 يناير 2015 على اثر اتفاق وزير العدل المغربي والفرنسي. فهل بدد الاتفاق المخاوف وشمل كل الملفات بما فيه ملف نزاع الصحراء يضمن به المغرب استمرار فرنسا في دعمها للمغرب واطرادها على نفس موقفها واتقاء حدوث تغيير مفاجىء فيه؟ أم أن الاتفاق انصب فقط على نقطة الخلاف وسبب التوتر وإيجاد مخارج تعاقدية واتفاقية لتجاوزها؟ وهل يكفي ذلك الاتفاق لتجاوز نصوص وقواعد قانونية قائمة لم تتدخل السلطة التشريعية الفرنسية لإلغائها آو تعديلها ونسخها؟ وهل سيعطي القضاء الفرنسي أولوية لهذا الاتفاق لم يصادق البرلمان الفرنسي بعد عليه؟ وهل سيطبق الاتفاق بأثر رجعي ويقضي بحفظ الشكاية؟
الاتحاد الأوروبي: وحدة السياسة الخارجية وسط خليط غير متجانس من السياسات
يؤيد الاتحاد الأوروبي الحل لنزاع الصحراء على أساس قرارات مجلس الأمن، وفق آخر تعبير صرحت به السيدة فديريكا موكريني، المفوضة السامية للشؤون الخارجية وسياسة الأمن في الاتحاد، بتاريخ 27 يناير الحالي، وهو في ذلك يؤيد الحل السياسي المتفق و-المتوافق عليه، الذي انتهى إليه مجلس الأمن منذ 2007، والقرار ألأممي الأخير اهتدى مجلس الأمن في طرحه ونقاشه والمصادقة عليه بمشاركة دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي؛ وهما بريطانيا وفرنسا، باعتبارهما دولتين دائمتا العضوية في مجلس الأمن.
وبالرغم من ارتباط المغرب بالاتحاد الأوروبي باتفاقيات جماعية، منها اتفاقية الشراكة والوضع المتقدم اتفاقية الصيد البحري والاتفاق الزراعي، وأخرى ثنائية بينه وبين أعضائه تهم مختلف المجالات. فإن الطرفين بدآ يجدان صعوبات كبيرة في تجديد تلك الاتفاقيات، وفي المصادقة عليها من طرف البرلمان الأوروبي بسبب ظهور أصوات من دول أوروبية نفسها، منها الدانمارك والسويد وبريطانيا تطالب ببطلانها لأنها تشمل إقليم الصحراء المتنازع عليه، وفي أحسن الأحوال تطالب بمراجعتها بذريعة الكلفة المالية آو توجيه الدعاوي بخصوصها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وكم من اتفاق بقي معلقا لسنوات قبل أن يتم تجديده آو توقيع بروتوكول تمديده بعسر.
وقد تمكن المغرب إن يقي اتفاقيتي الوضع المتقدم والاتفاق الزراعي من إدراج شروط من قبيل تلك المضمنة في اتفاقية الصيد البحرى، والمرتبطة بالتزام المغرب بإنفاق عائد ما يؤول من نسبة في ناتج على تنمية إقليم الصحراء. وهو شرط تفرضه أوروبا لينسجم الاتفاق الرأي الاستشاري الأممي لهانس كورل لسنة 2002 ولقرار الاتحاد الأوروبي 2006 حول الموارد الطبيعية، التي مصدرها أقاليم متنازع عليها.
إلا أن مساعي المغرب بدأت تعرف اعتراضات مصدرها تارة انجلترا، التي تعتبر صراحة إقليم الصحراء بغير المستقل، وتدعو إلى تقرير المصير، ولا تجد حرجا في ذلك، وقد غامرت نفسها بإقليم اسكتلندا، عن طريق قبولها بإجراء الاستفتاء، آلت نتيجته في النهاية بتأكيد البقاء في المملكة المتحدة. آو مشاكل يختلقها نوابها في البرلمان الأوروبي، منهم النائب شارل طانوك عن حزب المحافظين، الذي أعد تقريرا حول حقوق الإنسان في الساحل والصحراء، وصادق البرلمان الأوروبي على تقريره في قمة ستراسبورغ 22 أكتوبر 2013. وهو تقرير وصفه المغرب بغير الحيادي وغير المتوازن. أكثر من ذلك فان بعض برلمانات الدول الأوروبية، مثل السويد والدانمارك وايطاليا، تصادق على مقترحات في إطار اللجان البرلمانية وتعرضها على البرلمان للمصادقة عليها في شكل توصيات موجهة لحكوماتها للاعتراف بالبوليساريو كدولة. ولئن أفلح ونجح المغرب في وأد هذه المبادرات في مهدها في بعض تلك البرلمانات نفسها بعدم المصادقة عليها آو لا تلتزم بها السلطة التنفيذية في تلك البلدان. فإن هذه المبادرات تعتبر إشارة خطيرة بمثابة إنذار مبكر ينبئ بأزمات مستقبلية للدبلوماسية المغربية.
الاتحاد الافريقي وحسرة التفريط في عضوية المغرب
غادر المغرب منظمة الوحدة الإفريقية، وانسحب منها سنة 1984 احتجاجا منه على قبول “الجمهورية الصحراوية الديمقراطية ” المعلنة بالخارج من طرف البوليساريو عضوا فيها. إلا أن ذلك الخروج وذلك القبول لم يشكل عقدة و حاجزا أمام الدول الإفريقية لبذل مساعي حميدة لدى الطرفين منذ 1988، لإنهاء الحرب والاقتتال، و خلصوا إلى صياغة مبادئ للتسوية، وافق عليها الطرفان ومن بعده صادق عليها مجلس الأمن بمقتضى القرار بتاريخ 29 ابريل 1991. وكان ذلك مناسبة للأمم المتحدة لوضع يدها على الملف ومسكه، حيث تم إنشاء وخلق بعثة المينورسو بمقتضى التقرير المتخذ في 19 ابريل من نفس سنة 1991 ، في مقابل تخلي المنظمة الإفريقية قبل إعادة تسميتها بالاتحاد الإفريقي للعب أي دور.
وبقيت الجزائر ومعها جنوب إفريقيا ونيجيريا وناميبيا والكونغو ترافع في كل قمة أو اجتماع إفريقي أو أممي من أجل الاستفتاء وتقرير المصير لسكان الصحراء، دون أن ترقى تلك المرافعات إلى فعل يزحزح المغرب في تأكيد أن وحدته الترابية ثابت مقدس.
إلا أن الاتحاد الإفريقي دشن حملة تصعيدية ضد المغرب في ظل رئاسة موريتانيا له، حيث انتدب مجلس الأمن والسلم خلال اجتماعه بملابو بغينيا الاستوائية في يوليوز من سنة 2014 خواكيم تشيسانسو، الرئيس السابق للموزمبيق مبعوثا خاصا للصحراء، وهو ما رفضه المغرب بداعي انعدام الأساس القانوني والسياسي له ولا شرعية أخلاقية للتدخل في النزاع، واعتبره غير معني به، كما طالب من مجلس الأمن تجاهل ذلك القرار. دون أن يحبط ذلك المبعوث الإفريقي في سعيه، إذ يحاول إقناع الأمين العام والدول أعضاء مجلس الأمن والدول أصدقاء الصحراء بأحقية الاتحاد الإفريقي في لعب دور في نزاع يقع في القارة الإفريقية ومعني به.
وهو في سعيه يحقق غايتين اثنتين؛ الأولى إظهار الاتحاد الإفريقي في الواجهة لعله يسترجع دورا فقده منذ خروج المغرب منه سنة 1984 أو على الأقل ممارسة ضغط على المغرب. وقد ظهر ذلك جليا خلال القمة الإفريقية المنعقدة بأديس، حيث إن مرافعات حلف الجزائر نيجيريا وجنوب إفريقيا وناميبيا والموزمبيق وأنغولا طالبوا بالضغط من أجل إجراء الاستفتاء وتقرير المصير. دون أن يجد المغرب مدافعا عنه من الدول المؤيدة له، وهو ما يثير تساؤلات حول دور الدبلوماسية المغربية؟ وجدوى الاستثمارات المالية المغربية في إفريقيا لا تحقق عائدا سياسيا ودعما للمواقف المغربية؟ كما أن فوز أنغولا ونيجيريا بمقاعد غير دائمة بمجلس الأمن الحالي، وهما دولتان معاديتان للموقف المغربي من نزاع الصحراء يعطي للموعد الأممي في ابريل المقبل لدراسة الحالة في الصحراء أهمية خاصة بالنظر لوجود الدولتان بجانب دول أخرى؛ فنيزويلا ونيوزيلاندا وتشيلي تحمل نفس الهم والأفكار. فهل تركيبة المعادلة هي التي تعطي لأبريل المقبل أهمية استثنائية؟
روسيا والصين: كوابح قوية تحول دون اكتمال المغرب لخطة تنوع علاقاته
في ظل أزمة تقديم أمريكا بتوصية إلى مجلس الأمن سنة 2012، بادر المغرب إلى إيفاد مبعوثيه إلى جميع الدول ذات تأثير على مستوى اتخاذ القرار من داخل مجلس الأمن، وخاصة تلك التي تملك حق النقض لاستصدار وعد أو موافقة منها لمنع صدور القرار، ما دام القرار غير الإجرائي يتخذ بتسعة أعضاء وبموافقة الخمس دائمة العضوية، أو من أجل نقضه حال تقديمه وحصوله على نسبة أصوات تجيزه. وقد حجت الدبلوماسية المغربية إلى كل من موسكو وبيكين لأكثر من مرة. ومنذ ذلك العهد عرفت العلاقات بين المغرب وروسيا والصين تقدما ملحوظا كلل بنسج علاقات اقتصادية وإبرام اتفاقات استراتيجية معها.
إلا أن تأجيل ملك المغرب لزيارات مقررة ومعلن عنها إلى كل من روسيا والصين، جعل المتتبعين للشأن المغربي يضعون علامة استفهام كبرى عن الدواعي الحقيقية والخفية لهذه التأجيلات الفجائية وفي آخر لحظة، وعن الجهة التي تقف دون القيام بها، إن صحت الفرضية والتكهن، والضمانات التي قد يكون المغرب حصل عليها كتعويض عن ما قد يكون لحق مركزه من ضرر وما فاته من كسب سياسي؟ وهذه التساؤلات تشفع وتؤيد ما ذهب إليه فريق من الخبراء والمحللين، الذين يتكهنون بموعد أبريل مشتعلا واستثنائيا ما دام للدولتين روسيا والصين حضورا دائما بمجلس الأمن.
الجمعيات الحقوقية: تعزيز حماية حقوق الإنسان أو خدمة أجندة سياسية
لطالما اتهم المغرب الجمعيات الحقوقية الدولية منها؛ هيومن رايس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومنظمة روبرت كينيدي للديمقراطية وحقوق الإنسان بعدم حيادها في تقييم واقع حقوق الإنسان بالمغرب وتبخيسها لجهود آلياته الوطنية المقررة والمنشأة في سبيل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، بالرغم من انفتاحه على تلك الجمعيات وعدم ممارسة قيود على عملها ومجالات تدخلها، خلافا لما عليه الحال في دولة الجوار، الجزائر التي أوصدت وأغلقت أبوابها أمامها. كما وصف تقاريرها بعدم توازنها بتركيزها على حالات معزولة ومحاولاتها إعطاء انطباع مطلق بأنه ينسحب على ننهج واتباع المغرب لسياسة ممنهجة في خرق وانتهاك حقوق الإنسان.
وغالبا ما يدور موضوع تقاريرها حول ادعاء ممارسة التعذيب والاختطاف واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان في إقليم الصحراء والاعتقال التحكمي والاختفاء القسري والتلكؤ عن مقاضاة الجناة المتورطين في عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، وقمع المظاهرات السلمية و منع التجمعات ورفض التصريح بتأسيس الجمعيات في إقليم الصحراء. وتطالب تلك الجمعيات الأمم المتحدة بإنشاء آلية مستقلة لرصد وحماية حقوق الإنسان في الصحراء.
ويظهر من المنهجية الشكلية لكتابة تقارير تلك الجمعيات في تقسيمها اعتباطيا إلى قسمين، إنها تحاول إجراء تمييز قصدى بين إقليم المغرب، كما تضع البوليساريو كمنظمة انفصالية مسلحة في نفس مرتبة المغرب كدولة كاملة السيادة وعضو في مجلس الأمن الدولي، كما هو الشأن في التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايس ووتش حول حقوق الإنسان في مخيمات تندوف. والحال أن المعني بواقع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف هي الجزائر لكونها بلد إقليم اللجوء، وهو ما يحتج عليه المغرب ولا يقبله، دون أن تكترث تلك الجمعيات إليه بالرغم من كونه مطابقا لمبادىء وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
أكيد أن موعد أبريل المقبل لن يكون حاسما كما آمنت البوليساريو والجزائر، وأكيد أن موعد أبريل المقبل يتجاوز الوصف المغربي بالمهم. فأبريل يتعدى المهم ولا يصل درجة الحاسم، فهو استثنائي. لأن الأمم المتحدة ستنظر كيف تبقى البوليساريو في حالة انتظار للحل وبشكل لا يحس المغرب أن الصحراء تنتزع منه، وهذه المعادلة تحتاج لمزيد من الوقت للحصول على توافق الأطراف سياسيا درءا لعدم قبولهم ورفضهم لحل مفروض واتقاء لحدوث كارثة إقليمية.