أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون (في بداية شهر أبريل2014) أنه أمر بمراجعة نشاطات الإخوان المسلمين في البلاد. هذه المراجعة يقودها السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية. هذا الخبر أثار انقسامات كبيرة داخل بريطانيا وخارجها، بالإضافة إلى أسئلة حول الدوافع الحقيقية لهذه المراجعة وتوقيتها وهدفها.
لقد أثار تعيين السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية، السير جون جنكينز، استغراباً واسع النطاق. والأعضاء الآخرون في لجنة المراجعة هم رئيس جهاز المخابرات البريطاني (إم آي 6)، السير جون سويرز، ومستشار الأمن القومي السير كيم داروك.
في الثامن من أبريل 2014، طرح السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية ورئيس شعبة الخدمة الدبلوماسية سابقاً، اللورد رايت، لورد ريتشموند، تساؤلاً في مجلس اللوردات حول إن كان تعيين السير جون جنكينز رئيساً للجنة المراجعة سيضعه في “موقف لا يحسد عليه” لدى الدولة التي اعتمدته، ألا وهي السعودية، والتي “تسعى بكل جهدها لتدمير الإخوان المسلمين”، مضيفاً أنه إذا كان سفيراً لدى السعودية “فإنني سأجد الأمر صعباً للغاية إذا طُلب مني ترؤّس لجنة المراجعة هذه”.
أما اللورد تايلر، فقد أصرّ على أن سبب تعيين السير جون هو “لأنه أحد أبرز الدبلوماسيين لدينا ويمتلك خبرة واسعة حول العالم العربي”، وليس لأنه سفير لدى المملكة.
جماعة الإخوان المسلمين، ومن خلال مكتبها الإعلامي في لندن، قالت إنها تنوي التعاون بشكل علني مع لجنة المراجعة وإنها ستساعدها على مراجعة “فلسفة المنظمة وقيمها وسياساتها وإنجازاتها داخل وخارج الحكومة”. لكنها تابعت بالقول إن “من الصعب تصور قيام السير جون جنكينز بإجراء مراجعة داخلية مستقلة للإخوان المسلمين والاستمرار في منصبه كسفير لدى نظام غير ديمقراطي يجاهر بمعاداته السياسية للإخوان المسلمين”.
تحدي النهج المتطرف
وفي معرض حديثه عن المراجعة، أشار كاميرون خلال مؤتمر صحفي عُقد في الأول من أبريل/ نيسان 2014 إلى أن حكومته “تنوي تحدي النهج المتطرف الذي طرحته بعض المنظمات الإسلامية المتطرفة”، مضيفاً أنه من المهم أن تفهم الحكومة البريطانية “ماهية الإخوان المسلمين وما تمثله واعتقاداتها فيما يتعلق بالتطرف والعنف المبني على التطرف وارتباطاتها بالجماعات الأخرى، بالإضافة إلى طبيعة تواجدها في بريطانيا”.
إلا أن كاميرون اُتُّهم، من خلال إطلاقه لهذه المراجعة، بالرضوخ لضغط السعودية ومصر والإمارات، التي كانت جميعها قد حظرت جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها وأعلنتها منظمة إرهابية.
من جانبه، قال السفير المصري لدى بريطانيا، أشرف الخولي، لمراسل الشؤون الأمنية لدى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فرانك غاردنر، إن على بريطانيا “أن تنظر في وضع الإخوان المسلمين في بريطانيا ومصادر تمويل الجماعة وطرق اتصالها وإن كان هناك نوع من التجمع أو التكتل ضد دولة ثالثة. إن هذا مهم للغاية بالنسبة لنا وأعتقد أن رئيس الوزراء والحكومة البريطانية لا يريدان أن تُستخدَم بريطانيا كقاعدة ضد دولة أخرى في المنطقة، سواء كانت مصر أو أية دولة أخرى”.
ومن خلال مكتبها الصحفي في لندن، قالت جماعة الإخوان المسلمين أيضاً إنها “ستعترض، من خلال المحاكم البريطانية، على أية محاولة غير لائقة لتقييد نشاطاتها”. كما قامت الجماعة أيضاً بتعيين محام شهير في مجال حقوق الإنسان مستشاراً لها، وطالبت الحكومة البريطانية بالنظر في “الانتهاكات العديدة والجسيمة الموثقة لحقوق الإنسان التي يمارسها النظام العسكري في مصر”.
اعتبارات سياسية واقتصادية
هذا ويرى بعض المراقبين أن أهمية إعلان كاميرون عن المراجعة تأتي في أعقاب اتفاقية وقعتها شركة “بي إيه إي” البريطانية لبيع 72 طائرة مقاتلة من طراز “تايفون يوروفايتر” إلى السعودية في فبراير 2014، بقيمة غير معلنة تجاوزت المبلغ الأصلي البالغ 4.5 مليار جنيه إسترليني، والذي كان قد تم الاتفاق عليه عند إبرام الصفقة سنة 2007.
ويقول الدكتور كريستوفر ديفيدسون، المحاضر في سياسات الشرق الأوسط بكلية الشؤون الحكومية والدولية في جامعة دورهام، لموقع قنطرة، إن الحكومة البريطانية “ربطت رصيدها السياسي بـشكل كبير بـ ٰ المبادرة الخليجية ٰ الهادفة إلى تعزيز التجارة، بما فيها تجارة الأسلحة، مع الممالك الخليجية. ويبدو أن كاميرون قد رضخ للضغط في هذا الموضوع وهو الآن يرسل إشارات خاطئة لبقية دول العالم العربي والإسلامي”.
ويرى ديفيدسون أن توقيت المراجعة التي أعلن عنها كاميرون “مشبوه”، خاصة وأنه يستبق “الانتخاب” المحتمل للمشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، وهو حدث مدعوم وممول بشكل كبير من حكومتي السعودية والإمارات، لاسيما وأن هاتين المملكتين قد استثمرتا رأس مال سياسي كبير لضمان تدمير الإخوان المسلمين كمنظمة، ليس فقط في مصر، بل في كافة أرجاء شبه الجزيرة العربية”.
كما يوضح كريستوفر ديفيدسون: “الإخوان، الذين يُنظر لهم كبديل قوي يربط بين الإسلام والحكم، يُعتبرون تهديداً وجودياً لهؤلاء الحكام، الذين يصورون أنفسهم على أنهم أفضل أشكال الحكم وأكثرها استقراراً و’ صداقة ‘ للغرب في الدول ذات الأغلبية المسلمة. لكن الواقع، بالطبع، مختلف تماماً، فقد قام هؤلاء الملوك باعتقال مئات أنصار الإسلام السياسي المسالمين في دولهم، وفي نفس الوقت قاموا بدعم الحكومة المصرية التي ارتكبت مجازر ضد أنصار الإخوان المسلمين في صيف عام 2013، وأصدرت أحكاماً بالإعدام في حق 500 من أنصار الإخوان”.
من جهة أخرى، يقول مراسل (بي بي سي)، فرانك غاردنر، إن الحكومة البريطانية “تلقت انتقادات لاذعة من الإمارات”، التي تنظر إلى الإخوان المسلمين “كحركة مخربة تنشر أذرعها في أرجاء الشرق الأوسط وتعتبرها تهديداً وجودياً لحكمها”. ويضيف غاردنر أن الإمارات كانت قد قالت للبريطانيين: “إذا أردتم الاستمرار في التجارة معنا والحصول على كل هذه العقود المربحة، عليكم إزاحة هؤلاء الأشخاص. ينبغي عليكم إيجاد حل. لن نقبل بأن تستمروا في تزويد أعدائنا بملجأ آمن”.
وتفيد تقارير بأن قرار كاميرون مراجعة الإخوان المسلمين قد تسبب في انقسام داخل وايتهول (مقر وزارة الخارجية البريطانية)، إذ بات البعض في الوزارة يشعر بالمخاطر الكامنة في تقويض اتصالات دامت سنوات طويلة مع الإخوان المسلمين، والتي كانت جزءاً من الجهود الرامية لترويج الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان في الدول العربية.
وقبل أسبوع من إعلان كاميرون عن المراجعة، عقدت مجموعة استشارية جديدة لحرية الأديان والمعتقدات، ترأسها وزيرة الدولة البارونة وورسي، أول اجتماع لها في مقر وزارة الخارجية. وتضم هذه المجموعة، التي تتألف من 14 عضواً، البروفسور طارق رمضان، الذي أسس جدُّه، حسن البنا، جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928. حول ذلك كتبت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في عنوان مقالها: “مستشار ديفيد كاميرون للأديان ينحدر من مؤسسي الإخوان المسلمين ‘الإرهابيين’ “.
وبمجرد انتهاء المراجعة، هل سيحذو ديفيد كاميرون حذو مصر والسعودية والإمارات ويعلن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية ويحظرها؟ لا يبدو كذلك، ذلك أن أي حظر سيشكل عملية معقدة. فمنذ إنشائها قبل 86 عاماً، ألهمت جماعة الإخوان المسلمينتأسيس منظمات أخرى كثيرة حول العالم. فكيف، إذاً، سيُعامَل أعضاء هذه المنظمات في ظل أي حظر للإخوان؟
من جانبه، حذر إبراهيم منير، الذي يعتبر أحد أبرز قادة الإخوان المسلمين في بريطانيا، خلال مقابلة مع صحيفة “تايمز” في الخامس من أبريل، من أن أي حظر بريطاني للجماعة سيزيد من احتمال وقوع هجمات إرهابية في بريطانيا. تصريحات منير هذه تسببت في احتجاجات واسعة النطاق، إذ اتهمه البعض بتهديد بريطانيا بالإرهاب. لكنه كان يقول بكل بساطة ما يراه كثير من المراقبين من خطر لأي حظر محتمل. فعلى سبيل المثال، قامت حكومة حزب العمال السابقة بالتفكير مراراً في حظر منظمة حزب التحرير الإسلامية. إلا أنها تخلت عن هذه الخطط بعد أن نصحتها الشرطة بأن ذلك قد يشجع المجموعة على التحول إلى العمل السري، ما قد يزيد من خطورتها.
ويبقى الترقب سيد الموقف حيال نتيجة هذه المراجعة وكيفية تعامل الحكومة البريطانية معها.