نشرت مجلة “مغامرة التاريخ” الإسبانية في عددها الأخير ملفا حول حرب الغازات السامة التي شنتها فرنسا واسبانيا على شمال المغرب، ويتميز الملف الجديد بتقديم معطيات حول المناطق التي جرى استهدافها والتي لا تقتصر فقط على منطقة الحسيمة والناضور بل كذلك إقليمي تطوان والشاون. في الوقت نفسه، تعترف بوجود أرشيف سري عسكري لم يتم الكشف عنه حتى الآن، حيث كانت القنابل والقذائف التي تحمل الغازات تسمى “القذائف الخاصة”.
وتحاول المجلة تقديم رؤية مختلفة عن المتعارف عليه حتى الآن، وهي الإيحاء بالفشل العسكري في قصف اسبانيا لشمال المغرب بالغازات الكيماوية، ويفيد عنوان الملف بذلك وهو “الحرب الكيماوية في المغرب: القصف الفاشل في حملات الريف. التحقيق الذي يفنذ مطالب التعويض”.
ويستعرض الملف الدراسات التي بدأت حول استعمال اسبانيا الغازات السامة ضد سكان شمال المغرب في العشرينات، ويعترف باتخاذ مدريد القرار في أعقاب هزيمتها في حرب أنوال. واعتمدت المجلة على الكولونيل خيسوس ألبيرت سالوينيا الذي نشر أبحاثا حول الجيش الإسباني في المغرب إبان الاستعمار لتقديم معطيات جديدة وتعزيز روايتها المذكورة.
وبعد استعراض الدراسات الأكاديمية التي ظهرت حول الموضوع في المانيا وبريطانيا التي أكدت استعمال اسبانيا للغازات بدعم من المانيا وفرنسا، تحاول المجلة التقليل من تأثير هذه الغازات في شمال المغرب، مشيرة عبر ما تعتبره “فشل عمليات القصف”، بحكم غياب أهداف واضحة للضرب رغم استمرار عمليات القصف سنوات وكذلك ضعف فعالية الغازات المستعملة التي كان تأثيرها محدود جغرافيا.
ولعل الجديد في الملف، بالرغم من خطاب التقليل من الخسائر والأضرار الناجمة عن الغازات، هو المعطيات الجديدة مثل الترخيص باستعمال لغازات السامة يوم 7 سبتمبر 1922 والانتقال الى التنفيذ يوم 19 ديسمبر 1922 حيث أشرف الضابط إلوي دي لسييرنا على أولى عمليات قصف الريفيين بواسطة المدافع وليس الطيران في منطقة تيزي عزا جنوب منطقة أنوال.
وما بين 1922 الى 1924، طور الإسبان، وفق المجلة، مختلف القنابل والقذائف وزنا وكذلك بأنواع الغازات لتكون قاتلة في مواجهة مسلحي شمال المغرب. وخلال شتاء 1924 كان الجيش الإسباني يتوفر على خطة متكاملة وعتاد كافي لضرب القبائل المتمردة من الحسيمة الى تطوان، حيث ارتفع إيقاع القصف حتى استسلام زعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وتعترف المجلة بأن ملف استعمال الغازات السامة كان معروفا وسط الجيش الإسباني في العشرينات، وكانت القنابل والقذائف تسمى “قذائف خاصة” في التقارير العسكرية، وأجرى ضباط دراسات على تأثيرها الميداني ولكن بدون ذكر اسم المغرب.
وتقدم المجلة خريطة تشمل المناطق التي استهدفها القصف وكانت في منطقة الريف وكذلك في إقليمي تطوان والشاون، علما أن المعلومات السائدة كانت تعرض منطقة الريف وحدها للقصف دون منطقة تطوان.
ورغم محاولة تقليل المجلة بأن الغازات السامة لم تحدث ضررا كبيرا وسط السكان، تبقى أهمية ما أوردته هو وجود ملفات تحمل اسم “القذائف الخاصة” في الأرشيف العسكري الإسباني تتضمن معلومات هامة عن هذا الملف الذي يحضر بين الحين والآخر تحت غطاء سياسي وإنساني وتاريخي في النقاش العام، وهي ملفات قد تفيد في إلقاء الضوء على جوانب تستمر غامضة في “الغازات السامة الإسبانية ضد شمال المغرب”.