كيف تتنصت وكالة الاستخبارات الأمريكية على العالم بأسره؟ 90 في المئة من الإتصالات تتم عبر كابلات بحرية

المكان المثالي للتصنت على الإتصالات السلكية واللاسلكية عبر الحدود هو الكابلات البحرية التي تنقل ما يقدر بـ 90 في المئة من حركة الاتصالات الصوتية الدولية

كيف تتصنت وكالات الإستخبارات الأمريكية على العالم كله؟. في الواقع أن المكان المثالي للتصنت على الإتصالات السلكية واللاسلكية عبر الحدود هو الكابلات البحرية التي تنقل ما يقدر بـ 90 في المئة من حركة الاتصالات الصوتية الدولية.

ويعود تاريخ هذه الكابلات إلى عام 1858 عندما تم مدها لأول مرة لدعم النظام الدولي للتلغراف. وكان البريطانيون هم الذين بادروا بنشر الأسلاك في أقاصي إمبراطوريتهم.

واليوم، ما زالت صناعة الشحن البحري -البالغة مليارات الدولارات- تضع وتصون تقوم المئات من هذه الكابلات التي تتقاطع على كوكب الأرض -فأكثر من نصف مليون ميل من هذه الكابلات منتشرة على طول قاع المحيطات وحول السواحل– بحيث تمتد لمواقع خاصة حتى تكون متصلة بنظم الاتصالات السلكية واللاسلكية الوطنية.

وكانت الكابلات الأصلية مصنوعة من النحاس، ولكن منذ نحو 25 عاماً تم استبدالها بكابلات الألياف البصرية.

وكان أقدم كابل بحري هو Trans Atlantic-8 (وتم تركيبه عام 1988 من قبل AT&T لنقل البيانات من “تكرتون بنيو جيرسي” إلى “بود” في كورنوال) وكان يبث البيانات بسرعة 280 ميغابت في الثانية.

ثم مدت Level Three Communications أحدث الكابلات مثل Yellow/Atlantic Crossing 2 (وتم مدها في عام 2000 ورفع مستواها في عام 2007 بواسطة بروكهافن في نيويورك إلى بود في كورنوال) وهي قادرة على نقل البيانات بسرعة مذهلة تصل إلى 640 جيجابايت في الثانية الواحدة، وهو ما يعادل تقريبا 7.5 مليون مكالمة هاتفية في وقت واحد .

وعملاً على ضمان إنتقال البيانات والصوت بسرعة وبدقة في جميع أنحاء العالم حتى لو كسرت الكابلات أو فشلت المعدات، تقوم شركات الكابل بتقسيم البيانات إلى حزم صغيرة منفصلة كي ترسل عبر ما يسمونه “مسارات الألياف البصرية الزائدة عن الحاجة ” عبر المحيط قبل أن يتم استقبالها وإعادة تجميعها على الجانب الآخر، حين يصبح من السهل أيضا اعتراض البيانات بشكل مخفي.

وهنا يأتي دور شركة Glimmerglass، وهي شركة تبيع تكنولوجيا الألياف البصرية من كاليفورنيا الشمالية. ففي سبتمبر 2002، بدأت الشركة في شحن تقنية رائدة للمساعدة في نقل البيانات بدقة عبر المسارات البصرية المتعددة.

وتتكون براءة اختراعها 3D Micro-Electro-Mechanical-System (MEMS) mirror array ” من 210 من المرايا المغلفة بالذهب الموضوعة فوق المفصلات المجهرية، يبلغ قطر كل منها ملليمتر فقط، محفورا على رقاقة واحدة من السيليكون.

ويمكن إدارة كل مرآة بشكل فردي من أي مكان في العالم، بواسطة مشغلين عن بعد، حتى تلتقط أو ترد الإشارات الضوئية.

والأهم من ذلك، التواصل مع المرايا الأخرى للتأكد بقاء المجموعة في مكانها، مما يتيح نقل بيانات دقيقة للغاية.

وقد خفضت هذه التكنولوجيا تكلفة التحويل البصري بمعامل 100، و تدعي الشركة أن المفاتيح هي قوية جداً بنسبة فشل متوقعة هي مرة واحدة خلال 30 عاماً .

وبالنسبة لشركات الإتصالات، تقدم شركة Glimmerglass ثلاثة مستويات لأجهزة معالجة البيانات البصرية -نظام مستوى الدخول “100” الذي يمكنه التعامل مع 96×96 من منافذ الألياف لحركة مرور تصل إلى 100 جيجابايت في الثانية الواحدة بما يصل إلى نظام “600” الذي يمكنه التعامل مع منافذ الألياف 192×192. كما توفر نظام ” 3000 ” والذي يمكنه حمل ما يصل إلى 12 من المستويات.

والميزة الرئيسية في تكنولوجيا Glimmerglass، وفقا للشركة، هي أن المشغلين يستطيعون “مراقبة واختبار المرافق البعيدة ” الموجودة في كابل بحري، وذلك من مكتب مركزي. ثم يمكنهم اختيار أي من الإشارات الضوئية المتعددة لتوزيعها على عدة مستلمين، فضلا مثل القدرة على إعادة توجيه أي إشارة .

وتقول الشركة على موقعها الإلكتروني: “بأنظمة Glimmerglass البصرية الذكية، يمكن إعادة توجيه أي إشارة عبر الألياف في أجزاء من الثانية، دون أن يؤثر ذلك سلبا على حركة العملاء. وفي موقع الهبوط، يسمح هذا الربط بإتصالات الطبقة البصرية بين الجانب الرطب والجاف بحيث يعاد تزويدها في الجزء الألف من الثانية من مركز عمليات الشبكة ببضع نقرات من الفأرة”.

وفي قسم آخر من موقعها الإلكتروني العام تعزز الشركة المنتج المسمى Glimmerglass Intelligent Optical System الذي يجمع بين مفاتيح 3D- MEMS مع المنتج Glimmerglass آخر يسمى CyberSweep إلى منتج متكامل لديه القدرة على “مراقبة واعتراض الاتصالات بشكل انتقائي”.

وتوضح كتيبات الشركة التي كشف عنها ويكيليكس: “يمكن لمزودي الخدمة استخدام السرعة والمرونة من هذا المنتج لتحديد وإعطاء إشارات لوكالات إنفاذ القانون، بحيث يتم النفاذ السريع، وليس فقط للإشارات، ولكن للموجات الفردية على تلك الإشارات وعمل نسخ ضوئية من الإشارات الضوئية لأغراض التحليل الشامل”.

والسؤال هو : هل يمكن أن تكون تكنولوجيا Glimmerglass الجديدة للتبديل البصري هي واحدة من الوسائل التي تستخدمها وكالة الأمن القومي الأميركي في التنصت على المكالمات الهاتفية الدولية، كما يوضح إدوارد سنودن لصحيفة غارديان”؟.

هذا وقد رفض فاني فاين -المتحدث باسم وكالة الأمن القومي- التعليق علىGlimmerglass أو التنصت على الكابلات البحرية . أما مسؤولو Glimmerglass فلم يقوموا بالرد على رسائل البريد الإلكتروني المتعددة أو المكالمات الهاتفية.

لكن شركة Glimmerglass صرحت لوسائل الإعلام بأنها تبيع هذه التكنولوجيا لبعض وكالات الإستخبارات الحكومية الرئيسية .

وقال روبرت لاندي، الرئيس التنفيذي لشركة Glimmerglass خلال التسع سنوات الماضية، في مقابلة حول تهديدات البرمجيات الخبيثة العالمية: “لقد أصبحنا معيار الذهب في “إنتل” ومجتمع هيئات الدفاع. فهم يقومون بإدارة هذه الإشارات الضوئية حتى يتمكنوا من الوصول، وتقسيم، والحصول على المعلومات الضرورية لحماية البلاد”.

ويضيف: “في مواقعهم تحت سطح البحر، النقاط الرئيسية لتواجدهم، على أساس انتقائي يحتاجون لإكتساب ورصد تلك الإشارات الضوئية بدلا من الانتظار للحصول عليه من شخص ما، عندما يضرب الفيروس جهاز الكمبيوتر أو الهاتف المحمول”.

أما كيث ماي، هو نائبه المسؤول عن تطوير الأعمال التجارية، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك . وقال، “نحن نعتقد بأن التكنولوجيا الخاصة بنا 3D MEMS -كما تستخدمها الحكومات والوكالات المختلفة- تستخدم في جمع معلومات استخباراتية من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية وأنظمة الألياف البحرية”.

وأضاف، “نحن منتشرون في العديد من البلدان التي تستخدم هذه التكنولوجيا في الإعتراض القانوني”.

أما تحليل بيانات الاتصالات السلكية واللاسلكية الكثيرة لتتبع أهداف غير معروفة فقد كان لفترة طويلة على قائمة أمنيات وكالة الأمن القومي الأمريكي. فعلى مدى عقود، واصلت الوكالة تتبع أفراد معينين لأنه لم يكن هناك أي وسيلة لإلتقاط وتحليل كل شيء.

وفي عام 2000، تم تكليف مشروعين منافسين لمحاولة جمع ” كل الاشارات في كل وقت”. وقد أعطيت مؤسسة Science Applications الدولية، ومقرها في تايسون بولاية فيرجينيا، عقداً لتصميم نظام جمع يسمى TrailBlazer، في حين عمل مركز البحوث بوكالة الأمن القومي على مشروع يسمى ThinThread.

أما مشروع TrailBlazer، فقد أصبح شيئاً من الماضي نظراً لأنه غير قابل للتطبيق، وذلك بعد إنفاق 1.2 مليار دولاراً.

أماThinThread فقد كان أكثر نجاحاً، وفقا لأنصاره، لأنه كان قادرا على المعالجة الانتقائية للمعلومات الهامة. كذلك قام المصممون أيضاً بوضع ضوابط لجعل جمع البيانات مجهول الهوية عملا على تجنب انتهاك قوانين الخصوصية .

ويستطيع برنامج ThinThread أن “يربط البيانات من المعاملات المالية، وسجلات السفر، وعمليات التفتيش على الإنترنت، ومعداتGPS ، وأي ‘سمات’ أخرى قد يجدها المحلل مفيدة في إبراز ‘الأشخاص الأشرار”، بحسب تصريحات جين ماي لمجلة نيويوركر.

ولسوء الحظ، تم الإعتراض على برنامج ThinThread من قبل الإدارة العليا في وكالة الأمن القومي في أغسطس 2001 . ولكن بعد هجمات 11 سبتمبر، 2001 ، عتقد أن وكالة الأمن القومي قد غيرت المسار، ويتردد أنه قد تم إعادة تشغيل المشروع وتجريده من أي ضوابط للخصوصية .

وقد صرح بعض العلماء الذين عملوا على المشروع مؤخراً بأنهم قد ارتكبوا خطأ .

فقد قال وليام بيني -أحد موظفي وكالة الأمن القومي السابقين والذي كان مسؤولا عن تصميم ThinThread – “أود أن أعتذر للشعب الأمريكي.. فقد إنتهك المشروع حقوق الجميع. فهو يمكن أن يستخدم للتنصت على العالم بأكمله”.

 

*براتاب تشاتيرجي هو المدير التنفيذي ل CorpWatch

Sign In

Reset Your Password