تحول الصراع على ثروات الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو في المنتديات الدولية الى عامل يؤثر بشكل كبير على تطور هذ الملف. وما كان للبوليساريو التقدم في هذا المسار لولا ارتكاب المغرب بكل مؤسساته خطئا خطيرا سنة 2004 يجري استغلاله، وتلته أخطاء أخرى قاتلة.
لم يكن ملف ثروات الصحراء ضمن أجندة جبهة البوليساريو منذ اندلاع النزاع، وحتى بداية العقد الثاني، كانت هذه الحركة تصدر بين الحين والآخر بيانات تندد فيها باتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كما كانت تصدر بيانات تطالب بوقف المغرب استغلال الفوسفاط المستخرج في الصحراء وعدم تسويقه عالميا. وحاولت خلال السبعينات استعمال الإرهاب لمواجهة السفن الإسبانية في مياه الصحراء، وارتكبت جرائم ولكنها ما لبثت أن تراجعت عن هذه الاستراتيجية بسبب حضور سلاح البحرية المغربي والإسباني والانعكاسات السياسية.
وفي ظل الجمود الذي عرفه ملف الصحراء في بداية العقد الماضي، وأمام صعوبة العودة الى الحرب، سطرت جبهة البوليساريو أجندة لمحاصرة المغرب في المنتديات الدولية، وكانت نقطة التحول ما بين سنتي 2004 و2005، مستغلة الثروات الطبيعية في الصحراء وملف حقوق الإنسان.
وعلاقة بحقوق الإنسان، كانت البداية خلال 2005 عندما وقعت مواجهات عنيفة في الحي الجامعي السويسي في الرباط، وطالبت عدد من الدول ومنها اسبانيا بمراقبة المينورسو لحقوق الإنسان.
لكن ملف الثروات بدأ سنة قبل ذلك، 2004. خلال تلك السنة، صادقت الدولة المغربية بكل مؤسساتها بدون استثناء على اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة في إطار الصراع مع الاتحاد الأوروبي وأساسا فرنسا، وقعت عدد من الاتفاقيات مع دول معنية ومنها المغرب. وكان المغرب وقتها يدور في فلك المحافظين الجدد في واشنطن بشكل كبير، حيث احتضن مؤتمر الشرق الكبير الذي أثار جدلا وتخوفا أوروبيا، ووقع على اتفاقية التبادل التجاري الحر.
وفرضت واشنطن على المفاوضين المغاربة استثناء منطقة الصحراء من الاتفاقية، وهو ما قبله المغرب، حيث صادق البرلمان والحكومة وبتوقيع المؤسسة الملكية على الاتفاقية.
ولم تساعد اتفاقية التبادل التجاري الحر على تقدم العلاقات الاقتصادية المغربية-الأمريكية لأنها لم تكن مبينة على أسس اقتصادية متينة بل كان الغرض منها سياسيا بامتياز من طرف المحافظين الجدد. لكن الانعكاسات السياسية كانت وبالا على المغرب.
في هذا الصدد، انتبهت جبهة البوليساريو الى قبول المغرب استثناء الصحراء من الاتفاقية، وسطرت منذ ذلك التاريخ استراتيجية مكثفة لمحاصرة المغرب في ملف ثروات الصحراء علاوة على حقوق الإنسان.
وكان المغرب قد قرر سنة 2001 في ظل التوتر الذي هيمن وقتها على العلاقات مع مدريد عندما كان خوسي ماريا أثنار رئيسا للحكومة اليمينية عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري. ولم يعد ملف الصيد البحري مصدر قلق وتشويش على العلاقات المغربية-الأوروبية. وعاد المغرب ليتخذ قرارا خاطئا ويتجلى في عرض توقيع اتفاقية جديدة للصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي. كان المغرب قد أراد من ذلك تقديم خدمة الى رئيس الحكومة الاشتراكية خوسي لويس رودريغيث سبتيرو ضد في أثنار، لكنه ساهم في استراتيجية البوليساريو بدون وعي.
ولم يدرك المغرب المسار الذي سيتخذه ملف الثروات الطبيعية في الصحراء. وبدأت جبهة البوليساريو واللوبيات المتضامنة معها في بلورة خطاب قانوني أمام المنتديات الدولية وخاصة الأوروبية سواء البرلمان أو المحكمة الأوروبية، ولم يشكل المغرب أي خلية قانونية من خبراء مغاربة ودوليين لتتبع الملف وبلورة خطاب قانوني مضاد رغم التنبيه الخطير الذي توصل به عندما ألغة البرلمان الأوروبي خلال ديسمبر 2011 اتفاقية الصيد البحري، وظلت دبلوماسية الرباط تراهن على جهة واحدة وهي المفوضية الأوروبية ودعم بعض الدول مثل فرنسا واسبانيا والبرتغال.
في الوقت ذاته، اكتفت دبلوماسية الرباط بالقول بأنها غير معنية بالدعاوي التي رفعتها جبهة البوليساريو أو جمعيات متعاطفة معها. وهو موقف غريب جدا طالما أنه كان لدبلوماسبة الرباط هامش المناورة بتقديم دعاوي مضادة عبر أطراف ثالثة كما فعلت البوليساريو في حالة ملف الصيد البحري عندما تولت جمعية بريطانية تقديم الدعوى. والمفارقة أن المغرب ادعى أنه ليس معنيا، ولكن الآن سيتفاوض بشأن تجديد الاتفاقية.
وقضت المحكمة الأوروبية خلال ديسمبر 2016 بعدم قانونية شمول اتفاقية التبادل الزراعي بين المغرب والاتحاد الأوروبي منطقة الصحراء، وتكرر السيناريو نفسه مع اتفاقية الصيد البحري في حكم مشابه خلال فبراير 2018.
والآن يتكرر هذا السيناريو في مختلف مجالات الثروات الطبيعية من صيد وزارعة وتنقيب عن الطاقة وكذلك صادرات الفوسفاط بعدما قررت محكمة في جنوب إفريقيا مصادرة شحنة فوسفاط مغربية خلال فبراير 2018 وقبول محكمة في بنما بدراسة منع مرور الفوسفاط المغربي من قناة بنما.
ويبقى التساؤل: لماذا قبل المغرب الرسمي استثناء منطقة الصحراء من اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة؟ ولماذا لم يبلور المغرب الرسمي خطابا قانونيا مضادا لأطروحة البوليساريو؟