اعترف المغرب الرسمي بوجود صعوبات حقيقية في ملف الصحراء تواجهه في المنتديات الدولية، وهو ما يعني تقدم جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر على حساب مصالح المغرب، كما اتهم الجزائر بشراء أصوات دول. وفي الوقت ذاته بدى لافتا ، غياب تفاهم لدى شركاء المغرب تجاه ملف الصحراء. وجزء كبير من فشل المغرب يعود الى غياب رؤية استراتيجية بعيدة المدى وسيادة نوع من التفكير غير البرغماتي وسط مؤسسة الحكم والطبقة السياسية وكذلك جزء كبير من الباحثين الجامعيين حول هذا الملف.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، أصبحت الدراسات الاستراتيجية التي تتكهن بالمستقبل وتحاول معرفة التطورات الجارية وكيفية انعكاساتها على مصالح البلاد الدليل الرئيسي الذي تعتمده الدول في صياغة وصنع قراراتها.
ويعلن المغرب بين الحين والآخر على لسان الكثير من مسؤوليه ابتداء من الملك محمد السادس الى اللجن البرلمانية ومرورا بوزراء الخارجية الى زعماء الأحزاب بدء شن حرب دبلوماسية ضد الجزائر وجبهة البوليساريو بشأن ملف الصحراء في المنتديات الدولية.
ورغم وجود نية العمل ورغم وجود الموارد المالية الكافية مقارنة مع إمكانيات المغرب، شهد ملف الصحراء تراجعا حقيقيا، وهذا التراجع حصل على نحو لافت في السنوات الأربع الاخيرة، وإن كان المغرب الرسمي قد وعى به خلال الشهور الأخيرة فقط، وانطلاقات من مقترح واشنطن تكليف قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
وتأخرت المؤسسة الملكية كثيرا وكل هذه المدة قبل ان تعمد إلى دق ناقوس الخطر في خطابي افتتاح البرلمان يوم 11 أكتوبر الماضي و المسيرة الخضراء.
وعمليا، لا يمتلك المغرب أي “خارطة طريق” للعمل الاستراتيجي في ملف الصحراء رغم التطورات السياسية الكبرى التي تحدث في العالم خلال العشر سنوات الأخيرة. وفي غياب “خارطة الطريق” تتضمن رؤية استراتيجية حقيقية للسنوات المقبلة سيكون من الصعب على المغرب تحقيق أي تقدم لاسيما وأنه ترك المجال فارغا للبوليساريو لمدة سنوات طويلة ليتحرك بشكل قوي في القارة الإفريقية والاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية.
وعلاوة على غياب دبلوماسية فعالة مازالت تنهج أدوات كلاسيكية ومحدودية الرؤية لدى المخابرات العسكرية التي لا تقل تقليدانية عن الدبلوماسية، فإنه من الأسباب الرئيسية لوعي المغرب المتأخر بالوضع الصعب في الصحراء هو غياب دراسات استراتيجية جريئة تطرح مختلف السيناريوهات وترصد الواقع الحقيقي لهذا الملف،
،وتضع أمام صانعي القرار المعطيات الحقيقية للملف من أجل اتخاذا القرارات الحاسمة في الوقت المناسب والتعاطي مع المتغيرات المفاجئة أحيانا وغير المفاجئة.
ويعود هذا الى غياب استقلالية في إنجاز الدراسات الاستراتيجية بل أغلب الدراسات وتصريحات الكثير من الباحثين تذهب وفق بوصلة التصريحات السياسية الملكية، وإن وجدت دراسات تحمل أطروحات مختلفة، تعتبرها المؤسسة الرسمية في البلاد وكأنها أطروحات مضادة للملك نفسه.
. ومن خلال الاطلاع على تصريحات الكثير من الباحثين حول الخطاب الملكي الأخير، لم يرتفع اي صوت يحمل رؤية ولو مخالفة نسبيا وكأن التحليل في ملف الصحراء يتطلب الإجماع، بينما الإجماع يجب أن يكون في الموقف المبدئي وليس في التحاليل، بل تعدد التحاليل والرؤى يساهم في إغناء استراتيجية العمل.
وفي هذا الصدد، يفتقر المغرب لمجموعة بحث تهتم بالصحراء بشكل مستقل عن تعاليم الدولة المغربية وإرضاء المشرفين على تسيير ملف الصحراء، كما تتميز الجامعة المغربية بغياب دراسات جدية حول الصحراء تقوم على استقراء الواقع والمستقبل، بل أن نسبة كبيرة من الأساتذة الجامعيين يتهربون من الإشراف على أي دراسة حول الصحراء قد تحمل خطابا نقديا يتحدث عن أخطاء الدولة المغربية.