عاصفة الحزم عنوان فقدان “السنة العرب” للبوصلة أمام السنة غير العرب والشيعة/د.حسين مجدوبي

ملك السعودية ورئيس إيران عنوانا الحرب الدينية التي تهدد العالم العربي-الإسلامي

تعتبر عاصفة الحزم من أغرب الحروب التي تخوضها الدول العربية في العقود الأخيرة وخاصة بعد استقلالها عن الاستعمار الأوروبي، فمن جهة لا تتعلق بحروب حول قضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، لا يمتلك الواقفون وراءها شجاعة الجهر بأنها حرب دينية محضة ضد إيران الشيعية عبر اليمن. وتأتي هذه الحرب لتؤكد غياب مشروع للسنة العرب الذين يشعرون بهزيمة تاريخية أمام إيران وأمام السنة غير العرب مثل تركيا وأندونيسيا وماليزيا.

ورفعت الدول المشكلة لعاصفة الحزم بقيادة العربية السعودية ودول الخليج باستثناء سلطنة عمان ومشاركة دول بعيدة مثل المغرب شعار “الدفاع عن الشرعية” في اليمن. وعمليا، الطرف الحوثي في اليمن لا يمتلك مشروعية سياسية في ظل إجهازه على مؤسسات الدولة.

ورغم افتقار الحركة الحوثية وقوات عبد الله صالح أي مشروعية سياسية ودستورية، فشعار عاصفة الحزم “الدفاع عن المشروعية” هو نكتة سياسية مأساوية. فالدولة التي تقود عاصفة الحزم هي العربية السعودية، هي قبلية وبعيدة عن الحداثة السياسية. ولم يسبق للرياض دفاعها عن رئيس منتخب وهي الدول التي لا تؤمن بانتخابات وتعتبر الديمقراطية “رجس من عمل الشيطان”.

في الوقت ذاته، تتزعم السعودية ودول ما يعرف “بالتحالف” الدفاع عن شرعية رئيس انتهت صلاحيته في وقت تورطت في دعم الانقلاب العسكري في مصر ضد رئيس منتخب ديمقراطيا وهو محمد مرسي. ولم يعرف عن السعودية ودول الخليج دفاعها عن قيم التسامح والديمقراطية في الماضي، فهي مفاهيم تغيب في القاموس السياسي السعودي ومعظم دول الخليج.

ورغم الدعم الذي قدمته دول غربية لعاصفة الحزم، فهو دعم سياسي وليس مؤسساتي، فالأمم المتحدة ترفض الاعتراف بمشروعية “عاصفة الحزم”، ولا يمكن انتظار موقف آخر من الأمم المتحدة وهي التي وقفت في وجه الولايات المتحدة في حربها ضد العراق سنة 2003.

والواقع، تعتبر عاصفة الحزم حربا بين سنة الخليج وشيعة الخليج ومسرحها دولة اليمن وضحاياها شعب اليمني وبنياته التحتية من مطارات وموانئ التي تدمرها طائرات التحالف. وتذهب كل التحاليل بما فيها وسائل الاعلام التي تشرف عليها العربية السعودية مثل القناة التلفزيونية الشرق الأوسط وقناة العربية الى أن الهدف الرئيسي هو وقف التمدد الشيعي.

ولكن هذه الحرب ورغم أنها تحمل طابعا دينيا فقد فشلت في إقناع جزء كبير من الرأي العام العربي السني وفشلت إعلان “النفير السني” ضد الشيعة. ومن ضمن الأدلة في هذا الشأن:

-الرأي العام العربي في معظمه لا يؤمن بفكرة تزعم دولة دينية معادية للديمقراطية مثل السعودية الدفاع عن المشروعية الديمقراطية في اليمن.

-الرأي العام العربي يسخر من نفير بعض الأنظمة العربية لمواجهة الحوثيين بأحدث الأسلحة في وقت لا يتم إيلاء القضية الأولى وهي فلسطين أي اهتمام سياسي وعسكري. ويعتبر هذا التعليق الأكثر انتشارا في شبكات التواصل الاجتماعي. ومما يزيد من التعاليق الساخرة هو اجتهاد وسائل إعلام مقربة من السعودية بجعل إيران الخطر الرئيسي مقابل مغازلة إسرائيل.

– جزء من الرأي العام العربي يرفض الانخراط في حرب دينية قد تؤدي به الى مزيد من التشتت والتخلف وهو الذي يعاني من إرهاب الجماعات المتطرفة، في وقت تتقدم فيه باقي الأمم.

-جزء متوسط من الرأي العام العربي يتبنى مواقف يسارية وليبرالية لا تعير الأفكار الدينية اهتماما وهو يؤمن بحرية المعتقد. ويكتسب الموقف قوة في ظل انتعاش الإثنيات مثل الأمازيغية والكردية التي ترى في عرب الخليج خطرا حقيقيا عل هويتها.

-يدافع عن موقف السعودية وحلفائها مجموعة من الرموز الدينية السلفية المعادين لكل فكر ديمقراطي وحرية الرأي وعملوا على نشر التطرف، وتزيد مواقفهم من رفض المجتمعات العربية للحرب السنية-الشيعية.

-اعتقاد جزء من الرأي العام في دور السعودية وبعض دول الخليج ومنها الإمارات في تسليح الجماعات المتطرفة مثل داعش ضمن مشروع مواجهة الشيعة، ونتج عن هذا إساءة هذه الجماعات لصورة الإسلام في العالم بعمليات الذبح المرعبة التي جعلت الرأي العام في العرب ومناطق أخرى يرى في الإسلام ديانة إرهابية.

-الصورة السلبية للرأي العام العربي عن المعاملة السيئة التي يعاني مها المهاجرين العرب، وأغلبهم من السنة، في دول مثل السعودية تصل الى مستوى العبودية بينما يتمتع الغربيون بكل الامتيازات والاحترام.

في غضون ذلك، تأتي هذه الحرب لتبرز غياب مشروع للسنة العرب في مواجهة إيران الشيعية. ويتساءل أكثر من عربي بتحسر وألم خلال هذه الأيام كيف نجحت إيران في جعل قوى العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا تتفاوض معها حول الملف النووي الإيراني الذي جرى إنجازه بتقنية محلية، بينما ما يفترض زعيمة العرب السنة وهي السعودية تخوض حربا ضد حركة صغيرة وهي الحوثية. هذه المفارقة تبرز توفر إيران على مشروع حضاري واضح مقتنعة بع وتعمل على تطبيقه مقابل غياب مشروع لدى العربية السعودية وحلفاءها.

ومن خلال جرد للأخبار حول البلدين خلال العقد الأخير، يتبين كيف تحضر إيران في أخبار مواجهة الغرب وأخبار التصنيع من الملف النووي الى إرسال أقمار اصطناعية والتسلح،  ومخطط التمدد في الشرق الأوسط الذي خططت له منذ عقود. وفي المقابل، تحضر السعودية في أخبار التنافس حول بناء ناطحات السحاب والأخبار السلبية للأمراء ومخططات معارضة الربيع العربي ولا تمتلك أي مشروع لمواجهة إيران. بالفعل، يشترك البلدان فقط في خروقات حقوق الإنسان ومعادة حرية الرأي، وعليه لا يمكن انتظار أي خير من تمدد هذا الطرف أو ذاك.

وأبرز خبير الدراسات الاستراتيجية روبر كابلان في كتابه “انتقام الجغرافيا”  (2012) مقارنة بين إيران والسعودية، وأبرز الدور المحوري للأولى دوليا بينما الثانية ستجد صعوبات حتى مع جارتها اليمن، ويبدو أن هذا بدأ يتبلور بالفعل بسبب عاصفة الحزم.

وسيحفظ التاريخ أنه لم يسبق لدولة جمعت بين الزعامة الدينية والموارد المالية أن فشلت في تحقيق زعامة لتكتل بشري يتقاسم التاريخ والدين واللغة كما هو شأن العربية السعودية. وطيلة هذه العقود التي تمتعت فيها السعودية بنوع من الزعامة، لم تستطع تزعم بناء قطب عربي سني قوي قادر على فرض نفسه في الخريطة الدينية والسياسية الدولية. فتأويلاتها السياسية والدينية للإسلام حالت دون تطور ممارسة سياسية في البلاد نحو ديمقراطية تعتمد ركائز إسلامية، بل فرخّت من أتباع الوهابية في العالم العربي مما جعلهم عائقا تاريخيا أمام تطور الفكر السياسي والنهضوي العربي. وساهمت السعودية بأموالها في إفشال الربيع العربي الذي يفترض أنه كان سيكون نهضة عربية على شاكلة النهضة الأوروبية.

وفي الوقت نفسه، لم توظف الموارد المالية الناتجة عن النفط في بناء قطب سني قوي من خلال استثمار الأموال في مشاريع علمية وصناعية حقيقية في الدول العربية  التي تمتلك الرأسمال البشري المؤهل وخاصة السنية منها مثل المغرب والأردن وتونس ومصر  بل تذهب الموارد المالية في استثمارات في الغرب وتكديس الأسلحة واستهلاك متوحش لمنتوجات الغرب.  وعندما تقدم مساعدات مالية للدول السنية، فالغاية دعم أنظمة لمواجهة المدي الديمقراطي كما حصل عندما اقترحت عضوية المغرب والأردن في مجلس التعاون الخليجي منذ ثلاث سنوات.

ومقابل تأخر العرب السنة، قامت الدول السنية غير العربية مثل باكستان وماليزيا وأندونيسيا بنهضتها من خلال تأويل منفتح للإسلام ساهم في إرساء مفاهيم سياسية ترسي ديمقراطية حقيقية والرهان على الصناعة مما أخرجها من التخلف وخاصة أندونيسيا وماليزيا وجعلها من الدول الصاعدة خاصة في ظل انتقال ميزان قوى العالم من الأطلسي الى المحيط الهادي. وبدورها أصبحت تركيا مثار اهتمام العربي السني لنجاحها في التوفيق بين الحداثة والإسلام.

وبينما تتقدم إيران الشيعية، وتتطور الدول السنية غير العربية مثل أندونيسيا وماليزيا، تفتقد الدول السنية العربية بزعامة السعودية لمشروع حضاري يمنحها مكانة في الساحة الدولية.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password