الصحراء المغربية: ضرورة التحرك لتفادي السكتة القلبية

صورة من الصحراء

دخل نزاع الصحراء المغربية منعطفا حساسا للغاية إن لم يكن خطيرا حيث بدأ البوليساريو يحقق تقدما في الساحة الدولية، بينما تستمر السلطات المغربية المشرفة على إدارة هذا الملف في ترديد خطاب قديم لا يتماشى والتطورات الحالية ولا المقبلة والتي لا تبشر بالخير.

ومهما حاولت السلطات المغربية التقليل من اعتراف البرلمان السويدي “بجمهورية الصحراء”، فهذا الاعتراف يبقى ضربة خطيرة بكل المقاييس للمصالح المغربية. و يأتي  هذا الاعتراف بعد سلسلة من التحديات والهزائم التي تعرض لها المغرب في  الجبهة الأوروبية في أقل من سنة، فقد ألغى البرلمان الأوروبي اتفاقية الصيد البحري بسبب الصحراء، وتتعاظمت  المعارضة لاتفاقية الزراعة بسبب الصحراء كذلك، كما قام  رئيس إيرلندا باستقبال زعيم البوليساريو في أول سابقة من نوعها.

 وعلى جبهة أوسع تعاطف المنتظم الدولي حقوقيا مع ما يجري في الصحراء المغربية من خروقات، أبرزها الحملة التي يتولاها مركز روبرت كينيدي في الكونغرس الأمريكي والأمم المتحدة لصالح البوليساريو.

وعودة إلى تحديات اعتراف البرلمان السويدي “بجمهورية الصحراء”، فخطورته تكمن  في كونه قد يشكل مقدمة محتملة  لعدوى لاعترافات متوالية قد تصدر مستقبلا عن برلمانات أخرى في دول شمال أوروبا، ولا يمكن استبعاد الموقف عينه من أحزاب  متعاطفة مع البوليساريو تصل إلى السلطة  مثل حالة السويد.

وتجري كل هذه التطورات في وقت تستمر السلطات  المغربية المسؤولة في التقليل من تأثيرها والحديث بلغة الماضي، ويعكس ذلك  غياب روح المبادرة وعدم الوعي بخطورة الأمر. كما تجري في وقت يتساءل فيه الرأي العام كيف أن النظام يخصص أموالا كثيرة في تنظيم مهرجانات مثل موازين ومراكش ولقاءات مثل “أسبوع الملك محمد السادس في هاواي”، ويفشل في تسطير أجندة عمل للتحرك في الخارج إعلاميا وسياسيا، وهو ما يتناقض وشعار “الصحراء القضية الوطنية الأولى للمغاربة”.

ملف الصحراء يتطلب الوعي بأن الوضع أصبح حساسا للغاية والتيار يسير ضد مصالح المغرب ولا يمكن استبعاد أي سيناريو بما فيه فقدان الصحراء. وكل هذا يتطلب تحركا، وكل تحرك يتطلب الانطلاق من التصورات التالية:

-ملف الصحراء يهم جميع المغاربة، لهذا لا يمكن أن يبقى محصورا في فئة أو في أشخاص معينين، وكأن الوطنية ماركة مسجلة في اسم مؤسسات وأشخاص دون الباقي.

-ملف الصحراء يستوجب معالجة التطورات بكل شجاعة وقول الحقيقة والوقوف عند المعيقات مهما كان مصدرها بعيدا عن المزايدات الوطنية المجانية.

-الوعي أن التحالفات الدولية والمصالح جيوستراتيجية غير ثابتة وأن مواقف الدول تتغير وفق مصالحها. وارتباطا بهذا التصور، لا يمكن الاستمرار في الاعتقاد المطلق بأن الدول الغربية الكبرى تقف الى جانب المغرب، فواشنطن لم يسبق لها أن أيدت علانية الحكم الذاتي وكاد سفراؤها في مجلس الأمن أن يفرضوا الاستفتاء على المغرب كما حدث في يوليوز 2003. واسبانيا تشدد أنها مع تقرير المصير، وفرنسا تؤكد دعمها للحكم الذاتي لكن لا تفعل شيئا لجعله بديلا عن الاستفتاء في قرارات مجلس الأمن، كما لا تتبنى أي دولة غربية موقف المغرب.

– الوعي أنه يمكن خسارة الصحراء إذا ارتأى المنتظم الدولي فرض الاستفتاء بالقوة، فالتجارب تؤكد كم من الحقوق التاريخية والمشروعة جرى هضمها في لعبة الأمم. وكان الملك الراحل الحسن الثاني يستبعد الحديث عن الاستفتاء التأكيدي ويطالب بالعمل من أجل الصحراء ويحذّر أن المغرب قد يفرض عليه حل بالقوة. والتاريخ المغربي يؤكد أن هذا البلد فقد أجزاء من ترابه بسبب غياب وعي حقيقي أو ظروف تاريخية قاهرة، لا أحد قد يمنع من تكرارها اليوم.

– الوعي كذلك أن نزاع الصحراء لا يمكن حله إلا في إطار مشروع ديمقراطي حقيقي في المغرب بعيدا عن ديمقراطية الواجهة المزيفة واحترام حقيقي لحقوق الإنسان.

نزاع الصحراء بدأ ينفتح على مسارات غير مريحة، والمنطق يتطلب من السلطات  والقوى الحية والرأي العام التحرك لمعالجة هذا الملف لتفادي “السكتة القلبية”.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password