تعاني الجزائر من اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية، ولا تعتبر عابرة بقدر ما أصبحت الأزمة هيكلية وتمس الأسس التي تقوم عليها الدول الجزائرية وهي المؤسسة العسكرية التي تشكل العمود الفقري للبلاد والمؤسسة الحزبية المتداخلة في الدولة “جبهة التحرير الوطني” والتي أعطت للدولة جميع الرؤساء حتى الآن وعائدات البترول التي ساهمت في شراء السلم الاجتماعي خلال العقود الأخيرة وخاصة مع بداية القرن الواحد والعشرين كما أعطت للجزائر حضورا قويا في الخارج.
وتتصدر مختلف واجهات الجرائد الجزائرية وشبكات التواصل الاجتماعي انتقادات قوية للوضع القائم في البلاد ونوع من التخوف مما قد يحمله المستقبل جراء ارتفاع حدة التوتر الذي لم يعد مقتصرا على قطاع دون سواه بل امتد الى مختلف القطاعات بما فيها الحساسة مثل الجيش والأمن نتيجة ارتفاع أصوات تطالب بالإصلاح العميق للخروج من الأزمة بل واستغلال الأزمة للنهضة كما يؤكد رئيس الحكومة السابق حمروش هذا الأسبوع في حوار مع الشروق وأخرى ترغب في الحفاظ على الوضع الراهن لاستفادتها منه، ويتعلق الأمر بالحرس القديم.
وتاريخيا، اكتسبت الجزائر صلابة سياسية داخلية وحضورا مميزا خارجيا بفضل متانة وصلابة هذه الأركان الثلاثة التي لم تتأثر حتى عندما اندلعت ما يشبه الحرب الأهلية في البلاد خلال التسعينات. لكنه في الوقت الراهن بدأت هذه الأركان تهتز وتتآكل بشكل خطير ووصل الأمر الى مستوى مقلق خلال السنة الجارية ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة في أبريل المقبل.
ويشكل الجيش ركنا رئيسيا في الحياة العامة للبلاد بل وعمودا فقريا، لكنه بدأ يفقد هيبته وأصبح عرضة للانتقادات السياسية العنيفة ويسجل وانقسامات وصلت الى اتهام قادته بالاختلاس من طرف سياسيين مدنيين واتهامه بالتدخل في صنع الخريطة السياسية ، ويبقى المقلق هو مؤشرات الانقسام وسط أعضاء هذه المؤسسة. ومن الأمثلة المعبرة عن هذا الانقسام، الانتقادات التي وجهها زعيم جبهة التحرير الوطني عمار سعداني الى مدير الاستخبارات المركزية الجنرال توفيق. ويضاف إليها انتقاد عدد من الجنرالات المتقاعدين لرئيس الأركان العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح بأنه ليس في المستوى. وأقسى هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن الجنرال المتقاعد حسين بن حديد الذي كان مستشارا للرئيس لمين زروال واتهم قائد الجيش بغياب الكفاءة والانجرار الى السياسة. ويعترف السياسيون أن الجيش لم يسبق أن تعرض لانتقادات مماثلة منذ الاستقلال، وأصبح في الوقت الراهن محل شكوك لدوره غير الحيادي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وحاول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تجنيب الجيش الانتقادات إلا أنه فشل في هذا الهدف، فقد اصبح الجيش نقاشا عموميا.
ورغم التعددية السياسية في الجزائر من خلال وجود عشرات الأحزاب، تستمر جبهة التحرير الوطني في تشكيل ما يسمى الركيزة السياسية الأساسية للدولة بحكم انتماء أغلب أطر الدولة في مختلف القطاعات الى هذا الحزب. ومنذ الاستقلال، الحديث عن الدولة الجزائرية هو الحديث عن جبهة التحرير، ويستمر هذا الوضع وإن كان بشكل أقل نسبيا نتيجة تراجع قوة الجهبة وسط المجتمع الجزائري ولكنها تحافظ على الأغلبية وسط البرلمان ووسط قطاعات الدولة. وتعيش جبهة التحرير انقساما بسبب التشكيك في مصداقية وكفاءة أمينها العام عمار سعداني، كما تعيش طلاقا مع جزء من الجيش بعد الانتقادات التي وجهها سعداني لمدير المخابرات الجنرال توفيق. ومقابل تراجع جبهة التحرير وفقدانها للمصداقية والحضور، لا تطفو أية حركة سياسية جديدة قادرة على ملئ فراغ الجبهة بل يسير المشهد السياسي نحو البلقة الكاملة.
واجتماعيا، تعيش الجزائر غليانا حقيقيا نتيجة الإضرابات القطاعية وعلى رأسها قطاع التعليم واجتجاجات المعطلين. واعتادت السلطات الجزائرية شراء السلم الاجتماعي بتخصيص عشرات الملايير من الدولارات لدعم هذا القطاع أو ذلك. وفي المقابل، لا يلمس المواطن شيئا من هذه الأموال، وذلك نتيجة تفشي الرشوة والفساد الذي يشمل المسؤولين من الرئاسة حتى الإدارات الصغيرة. ويشكل تراجع عائدات البترول سنة 2013 وكذلك منذ بداية السنة الجارية بسبب الأزمة الأوروبية ضربة قوية “لسياسة السلم الاجتماعي”.
ووسط تآكل الأركان الرئيسية للدولة الجزائري، البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية اتخذت شكلا كاريكاتوريا بعدما تقدم إليها 106 مرشحا ويتشبث جزء من السياسيين بترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة لن تجلب سوى تسريع الربيع العربي في هذا البلد المغاربي.
وصرح أحد رواد النضال من أجل الاستقلال والرائد بالولاية الرابعة التاريخية، لخضر بورڤعة، ”البلاد تعيش ربيعا متسارعا…ما حدث منذ ما يقارب السنة وما يحدث هذه الأيام ينذر بجر البلاد إلى السقوط في مستنقع أزمة سياسية وأمنية حتى لا أقول أخلاقية”.