صدر العدد الجديد من المجلة الدورية “وجهة نظر” المتخصصة في العلوم السياسية والاجتماعية، وهذه المرة بعنوان “وصفات النظام لعلاج أزمة المغرب الاقتصادية: برس الاقتصاد المغرب وبؤس الاقتصاديين المغاربة”.
وجاء في افتتاحية العدد الموقعة من طرف مدير المجلة عبد اللطيف حسني “من وصفات النظام في مواجهة أزمات المغرب الاقتصادية المستعصية على العلاج، وصفة المخططات، وهي وصفة متعددة الألوان، منها ما هو أخضر ومنها ما لون له كالمخطط الاستعجالي في التعليم، والمخطط الاجتماعي للتنمية، ومنها من تعذرت تسميته باللغة العربية، فاستعيض عنها بتسمية مستوحاة من لغة فولتير، كمخطط أزور”.
وتؤكد الافتتاحية أن هذه المخططات تحمل نتائج إيجابية في دول ذات اقتصاد واضح قائم على سوق العرض والطلب وعلى أسس اقتصادية شفافية بينما يبقى دورها بمثابة مسكن للأوجاع في دول تفتقد الرؤية الاستراتيجية.
وتضيف الافتتاحية في تقييمها للمخططات “الواقع أن هذه المخططات المفعلة في هذه البلاد تفتقد لكل هذه المرتكزات، فالماضي مغيب فيها، والواقع مغلوط فيها والمستقبل الذي تحاول الإيحاء به يبدو شديد الغموض”.
ومن أبرز المقالات التي يتضمنها العدد “بؤس الاقتصاد المغربي وبؤس الاقتصاديين المغاربة” للدكتور أحمد زويدي الذي ينتقد فيه الاقتصاديين المغاربة من شت الألوان الليبراليين واليساريين بسبب اقتصارهم على إنتاج خطاب استهلاكي يدخل في إطار تقديم الاستشارة بدل التحلي بالنقد الشجاع للواقع الاقتصادي في البلاد. ويعتبر هذا الباحث أن الجامعة المغربية تبتعدج عن البحث العلمي الصحيح القائم على إنتاج المعرفة النظرية والفكرية لواقع اقتصاد البلاد وهروب الباحثين نحو الوصفات الجاهزة التي تدخل ضمن “البديهيات”، ويسميهم الباحث “خبراء سوبر ماركيت وماكدونالد”. ويعتبر المركز المغربي للظرفية ومؤسسة بوعبيد مجرد أدوات لإعاجة إنتاج خطاب البنك الدولي حول الاقتصاد المغربي.
ومن جانبه، وقع الباحث المعروف نجيب أقصبي مقالا بعنوان “الاستراتيجية الفلاحية المغربية الجديدة: مخطط المغرب الأخضر”. ومن ضمن الانتقادات التي يوجهها الباحث لهذا المخطط “مقاربته الكلاسيكية لمعالجة قطاع الزراعة ثم اكتفاءه بالجانب التقني المحض من خلال وصفات جاهزة. وفي الوقت ذاته، يرى الباحث انحياز المخطط الأخضر لصالح الضيعة الكبيرة عل حساب صغار الفلاحين. وفي الوقت ذاته، يحذر من رهان المخطط على المردودية المرتفعة للقطاع مما يهدد الموارد الطبيعية علاوة على غياب هاجس توفير الأمن الغذائي للمغرب.
“مخطط الماكينزي ومسيرة المسألة الزراعية” مقال يحمل توقيع الاقتصادي عبد السلام أديب الذي يقدم رؤية تاريخية عن الزراعة في المغرب ما قبل فترة الحماية حتى وقتنا الراهن من خلال الوقوف على أهمية الأراضي الزراعية في صلب غقامة السلطة في المغرب سواء منحها للإقطاعيين الموالين للدولة أو تهجير سكانها الأصليين. ويبرز الباحث رهان قوى تقدمية غذاة الاستقلال على مخطط تنموي للبادية المغربية إلا أنه جرى أجهاضه والعودة الى الأطروحات الليبرالية الاقطياعية التي تتسبب في الوضع المتأزم حاليا لقطاع استراتيجي للمغرب. ويبرز المحلل لجوء الدولة المغربية الى دراسات أجنبية ومنها مؤسسة ماكينزي التي قدمت تقريرا سنة 2008 يشكل قاعدة المنخطط الأخضر. ويتساءل عبد السلام أديب عن السر في اعتماد مخطط تبنى بعض المعطيات الخاطئة وراهن على منهجية غير مقبولة في حالة الوضع المغربي. ويتساءل عن النتائج المستقبلية لمخطط بدأ يظهر نقط ضعف مقلقة منها الاعتماد على تمويلات مالية بشروط مكطلفة، لينتهي الى خلاصة تساؤلية ألا يخدم هذا المخطط الضعية الكبيرة على حساب صغار الفلاحين؟
“المخطط الجماعي للتنمية: بين التباسات التخططي وإكراهات سوسيولوجيا الواقع”، يعالج الباحث الدكتور عمثان الزياني في المقال مفهوم التنمية وآليات في المخطط الجماعي لسنة 2009. وبعد استعراض هذا المخطط ينتهي الى خلاصة مفادها أنه لا يشكل نهائيا قفزة نوعية في التنمية الجماعية في المغرب، إذ لم يقدم حلولا للتناقضات التي تعيشها الجماعات في وقتنا الراهن.
مقالات أخرى
وعلاوة على المقالات الاقتصادية، يتضمن العدد مقالات تعالج قضايا راهنة وأخرى من التاريخ. ومن ضمن هذه القضايا مسالة الديمقراطية، إذ ينشر عدد وجهة نظر مقالا للباحث الأمريكي المعروف لاري دايموند بعنوان “هل الديمقراطية في انحدار عالميا؟ توقعات سنة 2014”.
ووقع مصطفى لهراوي مقالا حول عالمية تجربة عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال بعض الانطباعات، الشهادات والتأثيرات الدولية”، ويعالج المقال القيمة النضالية الدولية للخطابي ومواقفه في ملفات التحرر من أندونيسيا الى مالي الى المغرب، وكيف كان مرجعا وملجأ للعديد من كبار قادة التحرر في أواسط القرن العشرين.
وفي الممارسة السياسية، يعالج مقال “تفاعلات الأنماط اللغوية مع السلوكات السياسية” للدكتوره إلهام سته التي قدمت معطيات هامة حول اللغة المستعملة في قضايا السياسة ومنها الانتخابات ثم اللغة المستعملة في العلاقات الدولية ومنها حالة الحرب والهدنة.
الشهيد محمد بوكرين أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي، المسار الواضح، القدوة النضالية”، مقال كتبه محمد حنفي ويحكي مسيرة هذا المناضل الذي جرى اعتقاله في فترة الملوك الثلاثة، الجد، محمد الخامس ثم الأب الحسن الثاني وأخيرا الإبن محمد السادس. ويؤكد المسار النضالي الفد لبوكرين والنموذج الذي يشكله في حياة المناضلين في وقت تراجع فيه النضال.
ويكتب د. إدريس جنداري في العدد حول إشكالية الأمازيغية بعنوان “الأطروحة الأمازيغية في المغرب بين المشروع الكولونيالي والرهان الوطني”. وينطلق في معالجته من نقاش نقطتين، كلاسيكي حتى الآن هما المعالجة السوسيولوجية للقضية ثم السياق السياسي والإديولوجي غير البعيد عن الحر الكولونيالي. ويدعو المقال الى ضرورة تبني طرحا وطنيا للأمازيغية كموكن من مكونات الهوية المغربية في كل تجلياتها مع ضرورة الابتعاد عن الطرح الكولونيالي والتوظيف الإديولوجي.