بوتفليقة والمرض احتمالات ولا أمل/ توفيق رباحي

الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

بغضِّ النظر عن خطورة أو عدم خطورة الإصابة التي أدخلت الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة المستشفى في فرنسا منتصف الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من مغادرته تلك المستشفى بسرعة، ما حدث يعيد الجزائر إلى المربع الأول.. مربع النقاش حول صحة الرئيس وأهليته للحكم، ومن يحكم باسمه.. إلخ.
المحزن في حالة بوتفليقة أنها تقضي حتى على الجوانب الأخلاقية فتُفقـِد قطاعا واسعا من الجزائريين، على غير عادتهم، تعاطفهم الفطري مع رجل يعاني من متاعب صحية جمّة.
لكن هناك أسوأ من المشاعر والعواطف، لأن الأمر يتعلق ببلد قوامه أربعون مليون نسمة يتجه نحو المجهول بسبب حالة الرئيس الصحية وتمسكه بالكرسي.
وعيله، سيكون من الظلم للجزائر وشعبها، ثم لبوتفليقة، أن يواصل الأخير ولايته الرئاسية بهذه الطريقة، دخولا وخروجا إلى ومن المستشفيات الفرنسية. الولاية الرئاسية الجديدة، التي عمرها خمس سنوات، مضت منها سبعة أشهر فقط، ولا يمكن ولا يجب أن تنتظر الجزائر أربع سنوات وخمسة أشهر بهذه الطريقة المؤلمة والغريبة. ربما الخوف والانزعاج من هذا التكرار هو الذي دفع حاشية الرئيس إلى التكتم عن إدخاله المستشفى الأسبوع الماضي. لكن إلى متى التكتم، وهل هناك سرية مطلقة مضمونة في هذا الزمن؟
الرجل مريض، ومرضه يمنعه من أداء واجباته العامة (وربما الخاصة)، ويحول دون استمرار سير مؤسسات الدولة بشكل طبيعي. وفي هذه الحالة لا يوجد سبعون حلاً، بل حل واحد سهل لكنه يحتاج لجرأة وشجاعة: التنحي بكرامة.
المحيطون بالرئيس بوتفليقة حوّلوه إلى عالة على الجزائر. هو بدأ المهمة وهم يتمُّونها بلا وازع أو ضمير. بدأها هو، مدفوعاً بغروره المفرط في نفسه، عندما سخّر وقته وجهده في سنوات حكمه الأولى ليصنع من حوله الفراغ المطلق المخيف. وقد نجح ببراعة منقطعة النظير، مسح الآخرين فلم يبق في المشهد أحد غيره.
كان الرجل يعيش في دنيا أخرى غير مدرك أن زمن الرجل المعجزة قد ولّى، فتولى الحكم بعقلية ستالينية عقيمة. 
وكانت النتيجة أن أصاب التصحر الحقل السياسي والاجتماعي في الجزائر. التصحر اصاب مؤسسات ورجال الحكم المدنيين والعسكريين، وأصاب بقايا المعارضة وبقايا المجتمع المدني.
بوتفليقة يتحمل، أولاً وأخيراً، وزر هذا التصحر الذي أدى الى ترشيحه لولاية رئاسية رابعة وهو فاقد للأهلية.
ثم يتحمل المسؤولية المنتفعون المحيطون ببوتفليقة عن قرب وعن بُعد. وهؤلاء فئتان: فئة الأشقاء والأقارب وابناء البلدة والعشيرة. وهؤلاء لم يتورع الرئيس وعائلته في توظيفهم وفرضهم في مواقع القرار والنفوذ. 
ثم هناك فئة السياسيين الانتهازيين الذين لا همّ له سوى التصفيق والتطبيل للرئيس الموجود بغض النظر عن اسمه وشكله. هؤلاء وقفوا طوابير وزايدوا على الرئيس الشاذلي بن جديد وبعده محمد بوضياف وبعدهما اليمين زروال والآن بوتفليقة، وهم جاهزون للتطبيل والرقص للذي سيأتي بعد بوتفليقة. هؤلاء مزيج من الشخصيات والكيانات الحزبية والنقابية يريدون استمرار الرئيس لكي يجنوا ثمار تطبيلهم له، ثم لتذهب الجزائر إلى جهنم.
ما طريق الخلاص من هذه الحفرة السحيقة التي أوصلنا إليها بوتفليقة وأدواته؟
هناك أمل، ولو ضعيف، في أن يستيقظ ضمير الرجل في لحظة من لحظات خلوته وألم مرضه، فيقرر التنحي ويدعو لانتخابات رئاسية مبكرة، لن يترشح لها، في غضون ستة أو ثمانية أشهر.
هذا الأمل ضعيف لأنه لا يتطابق مع المواصفات النفسية لرجل يؤمن بأنه خُلق ليكون منقذاً، وبأنه كان يجب أن يتولى الرئاسة قبل 35 سنة، وبأنه يستحق أن يبقى رئيسا مدى الحياة فيُنقل من قصر الرئاسة إلى مقبرة «العالية» حيث يُدفن القادة والرؤساء.
هناك أمل آخر، أضعف، في أن يستيقظ ضمير الذين من حول الرئيس ويديرون البلد بالوكالة وتأخذهم الرأفة بهذا البلد والشعب فيقنعوه بالتنحي وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة لن يترشح لها.
هذا الأمل ضعيف هو الآخر لأن المنافع والمناصب قتلت الضمير، وتنحي الرئيس، عند هذه الفئة من المحيطين به، تعني نهاية عهد ذهبي من المكتسبات المالية والمادية، وربما تعني محاسبة سياسية وحتى قضائية.
هناك أمل، لا يقلُّ ضعفا، في أن يجتمع من بقي من رفاق الرئيس في الماضي والثقاة والعقلاء لزيارته في بيته وإقناعه بأن بقاءه في الحكم بهذا الشكل الغريب مسيء له أولاً وللجزائر ثانيا، أو يقنعونه بأن الجزائر أهم واكبر وأبقى منه ومن عائلته ومصالحهم مجتمعة.
مرة أخرى هذا الأمل ضعيف لا فرصة له لأن «رفاق» الرئيس غيّبهم الموت أو المرض مثله، أو التحقوا بفئة المنتفعين والطمّاعين المذكورة أعلاه.
هناك احتمال يتطلع إليه قطاع من الجزائريين هو أن يظهر «زين العابدين» الجزائري فيفعل مع بوتفليقة ما فعله «زين» تونس مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
وهذا الاحتمال بدوره ضعيف ومستبعد بسبب التصحر الذي خلّفه الرئيس من حوله والذي جعل احتمال خلافته من أحد رجال نظام الحكم صعبا ومعقدا.
هناك احتمال أن يثور المجتمع فيحدث التغيير بالشارع وفي الشارع. وهذا الاحتمال لا يقل ضعفاً لأن المجتمع مهموم بقوت أبنائه ووظائفهم وطبابتهم بغض النظر عن اسم من يحكم وكيف يحكم. والمجتمع مذعور من الذي حدث في الجوار بسبب ثورة الشارع.
بقي الاحتمال والأمل الأخير، هو ذلك يُدخِل الإنسان في مرحلة فقدان التعاطف مع إنسان مريض.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password