بعد خطاب الملك: التغيير يتطلب نهاية ثقافة التملق وضرورة إرساء مشروع تنموي وطني ومحاربة الفساد

الملك محمد السادس

وجه الملك محمد السادس خطابا الى البرلمان وعبره الى الرأي العام المغربي يوم الجمعة 13 أكتوبر الجاري وتميز بنقد الأوضاع على شاكلة خطابات سابقة مثل أين الثروة أو الخطابين ما قبل الأخير.

وحاول الملك في خطابه استعراض المشاكل التي يتخبط فيها المغرب سياسيا واجتماعيا، وانتهى الى خلاصة رئيسية وهي استنفاذ النموذج التنموي المغربي غايته بل وألمح الى فشل هذا النموذج عبر قوله “النموذج التنموي المغربي لم يعد قادرا على الاستجابة لتطلعات المواطنين”. ولم يتردد الملك في الحديث عن مشاكل التعليم والصحة والشغل الى مستوى استعماله مصطلح “المعطلين” بدل العاطلين، في مبادرة منه الى التأكيد على أن الشباب الذي يعاني من البطالة هو نتاج سياسة الدولة.

والواضع أن خطاب الملك يدعو الى الكثير من التساؤل مقارنة مع بعض الأفكار الواردة في الخطابات السابقة إذ كيف يمكن القول منذ ثلاث سنوات بأن المغرب سيصبح دولة من الدول الصاعدة، ثم التأكيد على “اللهم كثر حسادنا”، وفجأة نجد فشل النموذج التنموي؟

لقد روجت الدولة المغربية طيلة سنين للنموذج التنموي الذي بدأ مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، واعتبرت كل الأصوات التي وجهت انتقادات بناءة للمشروع التنموي خارج الجماعة بل واستعملت التخوين في الكثير من الأحيان، وها هو الملك يتبنى أطروحات الذين كانوا ينتقدون حتى الأمس القريب.

ومنطقيا، يجري تطبيق أي مشروع تنموي على مدار عقد أو عقد ونصف، أي الجيل السياسي والاجتماعي الذي يقاس ب 15 سنة وتكون ثماره الواضحة بعد هذه الفترة الزمنية لإصلاحه وتطويره. وهذا ما طبقته عدد من الدول ومنها كوريا الجنوبية وسنغافورة التي تعتبر نموذجا حيا لتقدم الأمم وتطلعاتها نحو الرقي. ومنطقيا دائما، مبادرات الدولة في التنمية التي بدأتها منتصف العقد السابق يجب أن تعطي ثمارها ابتداء من سنة 2016، أي تحقيق التقدم والازدهار.

لكن ما يحدث هو العكس، يعاني المغرب في الوقت الراهن من تراجع مريع في مختلف القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولا نبالغ إذا قلنا أن البلاد تقترب من مفهوم “الدولة شبه الفاشلة، اعتمادا على مؤشرات سوسيواقتصادية من تعليم وصحة وشغل ومستوى الثقة في المؤسسات، وذلك بشهادة التقارير الوطنية والدولية. ومن ضمن الأمثلة، فقد كان المغرب قد احتل سنة 2006 المركز 123 عالميا في التنمية البشرية، وبعد مرور عقد 2016، يوجد في المركز  129 أي تراجعت التنمية.

وعلى ضوء كل هذا، يحتاج المغرب الى ثلاثة شروط لتحقيق أي نهضة للخروج من المأزق سوسيواقتصادي الحالي:

في المقام الأول، وضع حد لظاهرة التملق الخطيرة التي تنخر الطبقة السياسية والنخبة المزيفة في هذا البلد. إذ بعد كل خطاب ملكي تتنافس فئة من السياسيين وما يصطلح عليهم بالمحللين والخبراء في الإبداع في التملق بدل الإبداع في النقد البناء وتقديم تصورات. وهكذا، فمباشرة بعدما قال الملك بانتقال المغرب الى الدولة الصاعدة، تنافست هذه الأصوات في الإطناب الكلامي، وهي الأصوات نفسها التي تتحدث عن خطورة الوضع. إن وضع حد لثقافة التملق وضرورة التزام التحليل الواقعي بدون “ماكياج” يبقى من الشروط الأساسية لتقديم حلول واقعية لمشاكل البلاد. ومقابل وضع حد لثقافة التملق، يجب التصفيق للصحفيين الذين كانوا ينبهون الى الأوضاع الكارثية التي تشهدها البلاد ومنهم الصحفي حميد المهداوي مدير الجريدة الرقمية “بديل” المعتقل ظلما وعدوانا.

في المقام الثاني، الخطابات الملكية في معظمها ذات مضمون تقني تحتاج الى ترجمتها لمشروع تنموي وطني يشارك فيه خبراء حقيقيون في التنمية وليس أشباه خبراء وآحرني مستوريدن من الخارج. ولم يقدم المغرب أي تصور تنموي شامل ومقنع قائم على خصوصيات البلاد حتى الآن، هناك محاولات لكنها تصطدم بمسؤولين في الدولة يسهرون على تبني سياسة “كولوا العام زين”.

في المقام الثالث، كل مشروع تنموي وتغيير للعقليات والمحاسبة يحتاج الى إعادة الثقة للشعب، وذلك يمر عبر محاربة حقيقية للفساد واقتصاد الريع ومنها تصحيح الفضائح  المالية الكبرى ومنها  فضيحة أراضي خدام الدولة” التي لا تشرف الحاكمين وملفات أخرى مثل وثائق بنما.

Sign In

Reset Your Password