البحث عن عراب جديد» للخليج العربي، قد يكون العنوان المناسب لوصف التطورات السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي تشهدها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط برمته في أعقاب قرار الولايات المتحدة الانسحاب التدريجي من المنطقة بعد ما أصبح ثقل العالم في المحيط الهادي بسبب قوة الصين المتصاعدة التي تهدد عرش واشنطن على العالم.
ومنذ القرن التاسع عشر، كان الخليج العربي محمية غربية سواء من خلال الاستعمار البريطاني أو الحماية الأمريكية التي وفرتها للمنطقة بعد الحرب العالمية الثانية لاسيما وأنها كانت تشكل منطقة حيوية واستراتيجية للولايات المتحدة، على مستوى توفير النفط للسوق والشركات الأمريكية المستثمرة، وعلى مستوى ربط بيع النفط في السوق الدولية بعملة الدولار أي «البترودولار».
وخلال سنة 2011 قررت واشنطن بدء تغيير بوصلتها الجيوسياسية بالتركيز على المحيط الهادي الذي سيعوض ضفتي الأطلسي التي قام عليها الغرب تاريخيا وكذلك الخليج العربي والشرق الأوسط. وكانت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما دالة في حواره مع مجلة «أتلانتيك» خلال آذار/مارس 2017 عندما خاطب الحكام العرب وبالضبط الخليج العربي «لم تعودوا مهمين في الأجندة الأمريكية».
وبدأت واشنطن سحب قواتها العسكرية تدريجيا من المنطقة، وكانت قد سحبت هذه السنة بطاريات باتريوت ونقلتها إلى منطقة الهادي تحسبا للصين، ثم قررت عدم شن حرب على إيران بسبب برنامجها النووي، وهذا دليل آخر على عدم رغبة واشنطن التحكم في مستقبل المنطقة.
وأمام هذا التطور، توجد دول الخليج العربي ونسبيا الشرق الأوسط أمام اختيارين، دول تبحث عن عراب جديد يحمي المنطقة ويعوض الأمريكيين وتدخل في هذه الخانة كل دول الخليج العربي، ودول أخرى ترغب في لعب القوة الإقليمية التي ستتولى دورا هاما في حماية الأمن الإقليمي للمنطقة، وتدخل في هذه الخانة إيران بالدرجة الأولى ثم تركيا التي يقف البعد الجغرافي عائقا أمام طموحها علاوة على بعض الدول الغربية مثل فرنسا بدون استبعاد إسرائيل.
وعمليا، لا يمكن تعويض الدور الأمريكي، فالولايات المتحدة كانت توفر الحماية العسكرية الفعلية نظرا لعدد حاملات الطائرات التي تستطيع نقلها إلى الخليج في ظرف أسابيع، وكل حاملة طائرة تعتبر بمثابة جيش حقيقي. ولا توجد أي قوة أخرى قادرة على تعويض دور الولايات المتحدة في الخليج بما فيها روسيا وحتى الصين حاليا.
وتعمل دول على تقديم نفسها كعراب جديد للمنطقة، وأخرى تبحث عن حوار أو تحالف. في هذا الصدد تأتي الزيارات الملفتة بين أعداء الأمس أو مع حلفاء عير مرتقبين. وفي هذا الصدد، نجد ما يلي:
ترغب فرنسا نسبيا في ملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة، ولهذا تأتي زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الإمارات العربية وقطر والعربية السعودية منذ أيام للتوقيع من جهة على صفقات ومنها الأسلحة كما حدث مع الإمارات علانية ومع السعودية سرا، ثم الاتفاقيات السياسية غير المعلنة التي تمنح لفرنسا امتيازات مقابل توفير نوع من الحماية. وتعد الإمارات هي الدولة التي تنخرط في مثل هذه المخططات. ولا تمتلك فرنسا قوة الردع الكافية، فهي دولة عسكريا متوسطة لا تمتلك الدعم اللوجيستي الكافي لخوض حروب في الخليج العربي ومواجهة دولة مثل إيران.
ومن جهتها، ترى تركيا في نفسها قوة عسكرية جديرة بالمشاركة في حماية الخليج العربي وتقوم على التاريخ المشترك عندما كانت إمبراطورية. وبعد الاتفاقيات القديمة مع قطر وخاصة بعد تعرض هذا البلد الأخير للحصار منذ خمس سنوات، تراهن على المصالحة مع الإمارات العربية ومع السعودية لتكون المخاطب الرئيسي في مجال الأمن القومي للمنطقة. لكن تركيا تبقى محدودة التأثير عسكريا لأنها لا تمتلك أي سلاح نوعي قادر على الحسم في أي حرب تقع في الخليج العربي خاصة إذا كانت إيران وراءها.
وسعت الإمارات العربية إلى الرهان على إسرائيل، حيث بدأ الحديث منذ السنة الماضية عن المحور الخليجي-الإسرائيلي. وتبرز معطيات الواقع العسكري أن إسرائيل التي بالكاد تشكل قوة ردع ضد حزب الله لا يمكنها توفير الحماية لدول تبعد عنها بمسافة كبيرة نسبيا.
وأمام هذا الوضع العسكري-السياسي المعقد الناتج عن الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة، بدأت دول المنطقة تراهن على الحوار مع من تعتبره مصدر الخطر أي إيران. في هذا الصدد، تأتي المفاوضات العلنية والسرية منها الجارية بين الرياض وطهران منذ شهور وكانت عبر وساطات وأصبحت مباشرة الآن، وتشمل ترتيب أوراق المنطقة من لبنان إلى المشروع النووي الإيراني ومرورا بحرب اليمن، ولا يتسرب إلا القليل منها إلى الإعلام. في الوقت ذاته، تنفتح الإمارات العربية على إيران لمعالجة القضايا الإقليمية، وهنا تأتي زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران خلال الأسبوع الجاري لمناقشة ترتيبات المستقبل.
الخليج العربي أمام واقع عسكري واضح: لا توجد قوة قادرة على تعويض الولايات المتحدة في ظل عدم اهتمام روسيا كثيرا بالخليج، وفي ظل سياسة صينية لا تعنى بأمن الآخرين وغير مستعدة للعب دور دركي العالم الآن. وبالتالي، يبقى الحل الوحيد هو الآخذ في التبلور ويتجلى في الحوار المتعدد الأطراف في الخليج العربي مع إيران لإيجاد خريطة طريق تجعل أمن المنطقة بين دول أعضائها.
بعد انسحاب واشنطن دول الخليج تبحث عن عراب أمني والبديل يتبلور عبر ترتيبات مع إيران
الرئيس التركي طيب رجب أردوغان رفقة ولي عهد الإمارات أبو ظبي محمد بن زايد في لقاء سابق