رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي وتحدي تحسين العلاقات مع دول المغرب العربي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

سترأس فرنسا الاتحاد الأوروبي بداية كانون الثاني/يناير المقبل، وتتزامن هذه الرئاسة في ظل علاقات متوترة مع دول المغرب العربي، حيث تحاول ترميم العلاقات وقد بدأت بالجزائر في انتظار المصالحة مع المغرب.
وعندما ترأس دولة أوروبية الاتحاد الأوروبي ضمن الرئاسة الدورية بين الأعضاء كل ستة أشهر، عادة ما تحمل برامج تعطي فيها أولوية للمناطق التي تعتبرها ذات أولوية. في هذا الصدد، عندما تتولى فرنسا أو إسبانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي تسطر برامج هامة لتطوير العلاقات مع المغرب العربي، وعندما تعود الرئاسة إلى دولة مثل أوروبا تركز على دول ألمانيا الشرقية التي لم تدخل بعد النادي الأوروبي ثم بعض الدول الإفريقية.
وستتولى فرنسا رئاسة الاتحاد بداية الشهر المقبل، وتأتي في ظل تحديات كبرى حيث تسعى إلى تنفيذ برنامج يجعل من الاتحاد حاضراً في الساحة الدولية من خلال تعزيز التصنيع الحربي والبحث العلمي والقرارات في التجارة والأمن ضمن قضايا أخرى.
وعلاقة بالمغرب العربي، تعتبر فرنسا هذه المنطقة حيوية للغاية، لاسيما في ظل التوتر مع كل دولها تقريباً، وكذلك في ظل المنافسة الشديدة من طرف قوى جديدة مثل تركيا والصين أساساً.
وتسعى فرنسا إلى تحسين العلاقات مع الجزائر أساساً لسببين، الأول تعتبر أنها ارتكبت خطأ دبلوماسياً في حق هذا البلد المغاربي بسبب تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الذي نفى وجود أمة جزائرية قبل استعمار فرنسا للجزائر في بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر. ويتجلى السبب الثاني في قرار الجزائر التقليص من جودة العلاقات مع فرنسا وتعويضها اقتصادياً بدول مثل إيطاليا وتركيا والصين، واتخذت خطوات في هذا الشأن بعدم تجديد الاتفاقيات مع عدد من الشركات الفرنسية. ولا يمكن فهم الزيارة المفاجئة لوزير خارجية فرنسا إيف جان لودريان إلى الجزائر خلال الأسبوع الجاري إلا في إطار عدم التفريط في المصالح الفرنسية، ثم قبول الجزائر المشاركة في البرامج الأوروبية خلال رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي.
وستجد باريس صعوبة في القيام بمبادرات تجاه ليبيا بحكم أن غالبية الفاعلين السياسيين، باستثناء خليفة حفتر، تعارض مخططات فرنسا وتعتبرها جزءاً من المشكلة. وستتوقف مبادرات باريس على نوعية الرئيس الذي ستفرزه صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر الجاري.
وتعتبر تونس تحدياً حقيقياً، إذ تلتزم باريس الصمت تجاه التطورات السلبية التي لا تصب في مصلحة الديمقراطية في هذا البلد المغاربي. وتطالب واشنطن الاتحاد الأوروبي بممارسة ضغوطات حتى لا تنجح الثورة المضادة في تونس. وبينما تضغط الولايات المتحدة على تونس، تلتزم الدول الأوروبية، ومنها فرنسا أساساً، الصمت وتدلي بتصريحات محتشمة حول الديمقراطية في تونس.
ولا نطرح موريتانيا أي مشاكل لفرنسا في التنسيق السياسي والأمني وخاصة في منطقة الساحل. وفي المقابل، تواجه باريس تحدي إيجاد آليات لاستعادة الحواء الدافئ مع المغرب في ظل الأزمة الصامتة بين البلدين والتي من عناوينها تجميد الزيارات على مستوى الوزراء. وتناولت مجلة لوبوان الفرنسية هذه الأزمة في مقال لها بعنوان “العلاقات الفرنسية-المغربية لم تعد كما كانت”.
ويعاتب المغرب فرنسا بأنها لم تقم بأي دور وسط الاتحاد الأوروبي لدعم خطوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما اعترف بسيادة المغرب على الصحراء منذ سنة. وفي المقابل، تعاتب باريس المغرب حول فرضية تورطه في التجسس على مسؤولين فرنسيين ومنهم الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه، وفق جريدة لوموند، وهو ما تنفيه سلطات الرباط. وكانت تصريحات المغرب بضرورة تجاوز ابتزاز الاتحاد الأوروبي، موجهة أساساً إلى مدريد وباريس، ويحاول الآن تعزيز علاقاته مع الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي مثل مشاركته في قمة فيشغراد بداية الأسبوع الجاري في هنغاريا. تضم هذه المجموعة هنغاريا وبولونيا والتشيك واسلوفينيا. وقد تتأثر العلاقات أكثر في غياب مبادرة فرنسية تجاه المغرب على شاملة زيارة وزير الخارجية لودريان إلى الجزائر.
ودون شك، ستستغل فرنسا رئاستها للاتحاد الأوروبي لتحريك عجلة التعاون بينها وبين المغرب العربي في إطار أوسع، سواء ضمن فضاء البحر المتوسط أو التعاون الأوروبي-الإفريقي، خاصة وأن الرئيس الفرنسي ماكرون أعلن يوم الخميس من الأسبوع الجاري تعزيز محور التعاون ضمن المشروع الأوروبي العملاق “البوابة العالمية” الذي يشمل استثمار ومساعدات بقيمة 300 مليار يورو لتعزيز نفوذ الاتحاد الأوروبي في الخارج. ويبقى نجاح المبادرات الفرنسية رهيناً بكيفية استجابة دول المغرب العربي لها.

Sign In

Reset Your Password