حسب أحدث تقرير للوكالة الأوروبية “فرونتكس”، المكلفة بمراقبة حدود دول الاتحاد الأوروبي، احتلّ المغاربة الرتبة الثانية بعد السوريين على لائحة الجنسيات التي حاول مواطنوها العبور إلى الاتحاد الأوروبي بطرق غير شرعية، خلال العام 2013 والنصف الأول من العام الجاري. وطبقاً للتقرير، بلغ عدد المغاربة الذين حاولوا الهجرة نحو دول الاتحاد الأوروبي 26 ألفاً و250 شخصاً، فيما بلغ عدد السوريين 26 ألفاً و355 شخصاً، من بين 107 آلاف مهاجر سري من العالم، حاولوا دخول فضاء “شنجن”. وهو ما يعني أن مواطني دولتين عربيتين فقط يمثلون نصف مهاجري العالم غير الشرعيين، الذين جاؤوا يبحثون عن الفردوس الأوروبي. علماً أن هذه الأرقام لا تعكس سوى أصحاب المحاولات الفاشلة الذين جرى ضبطهم.
وإذا كانت الأسباب التي تدفع السوريين الذين تُمزّق بلادهم حرب طاحنة، منذ ثلاث سنوات، معروفة، وتبرر فرار هذا العدد الكبير منهم بحثاً عن ملاذ آمن، بينما يطرح ارتفاع عدد المغاربة الذين يفكرون في ركوب كل أنواع المغامرات للهجرة من بلادهم، أكثر من سؤال. فضمن الدول العشر الأوائل التي تصدّر مواطنوها اللائحة السوداء للمهاجرين غير الشرعيين، نجد بلداً عربياً آخر هو الجزائر، احتل المرتبة السادسة من بين جنسيات أخرى، أفغانية وألبانية وروسية وباكستانية وأوكرانية وإريترية. بينما غاب عن اللائحة مواطنو دولة عرفوا بمغامراتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط نحو شواطئ أوروبا الجنوبية، إنهم التونسيون.
ويسجل التقرير الأوروبي أن هذه أكبر موجة من المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون طرق أبواب أوروبا الغربية، منذ الموجات التي دفعت بها رياح الاهتزاز الذي أحدثه الربيع العربي عام 2011، حيث أدت حالة الحرية والفوضى التي عرفتها دول كثيرة جنوب وشرق المتوسط إلى تدفق مواطنيها الراغبين في الهجرة بطرق غير قانونية نحو دول الاتحاد الأوروبي.
وبقراءة أرقام هذا التقرير، يمكن أن نلاحظ تراجع، بل اختفاء، المهاجرين غير الشرعيين من الجنسية التونسية من لوائحه. وليست هذه مصادفة، فما زالت ماثلة أمامنا مشاهد تونسيين ركبوا قوارب الموت مباشرة بعد انهيار الديكتاتور زين العابدين بن علي، وكان متوقعاً أن يتضاعف عددهم، لا أن ينخفض أو يختفي، حسب التقرير الأوروبي، بالنظر إلى ظروف صعبة تمر بها تونس في مرحلة انتقالها الديمقراطي العسير. وكان يتوقع تراجع عدد المهاجرين غير الشرعيين الحاملين جنسية بلد يفترض أنه حقّق انتقالاً هادئاً في فترة الربيع العربي، كالمغرب الذي غالباً ما يُضرب به المثل نموذجاً لبلد “الثورة الهادئة” الذي أنجز “الانتقال” في ظل “الاستقرار”، لكن بأي ثمن؟
فالمغرب الذي عرف حراكاً شعبياً بتأثير من الربيع العربي، تمخّض عن وعود بإصلاحات سياسية، كان من نتائجها سنُّ دستور جديد، ووصول أول حزب إسلامي إلى رئاسة الحكومة، عرف كيف يحافظ على “استقراره”، لكنه “استقرار” لم ينعكس إيجابياً على حياة الأسر المغربية الفقيرة التي ما زال أبناؤها يحلمون بالهجرة من بلدهم. وهذا ما دفع بالعاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب في 30 من يوليو/ تموز الماضي، إلى إثارة، ولأول مرة، مسألة غياب العدالة الاجتماعية في بلده، والتساؤل بطريقة مستغرِبة: “أين هي ثروة المغرب؟ ولماذا لم يستفد منها الفقراء؟”. فالاستقرار الذي بُني عليه “النموذج المغربي”، استفاد منه الأغنياء الذين ازدادوا غنى، بينما دفع فاتورته الفقراء الذين ازدادوا فقراً، وهذا باعتراف رسمي من العاهل المغربي نفسه في خطابٍ ثان له، يوم 20 أغسطس/ آب الجاري. وفي هذا الاعتراف ما قد يساعد على إيجاد تفسيرٍ لظاهرة ارتفاع عدد المغاربة الذين يحاولون أن يفروا من “جنة الاستقرار” المغربية نحو المجهول، سواء كان هذا المجهول ركوب المخاطر للعبور إلى الضفة الشمالية من الأبيض المتوسط، أو حمل السلاح للالتحاق بصفوف تنظيم إرهابي مثل داعش. وحسب مصادر متطابقة، يأتي المغاربة في المرتبة الثانية بعد السعوديين من حيث العدد، من بين الجنسيات الأجنبية التي يتكوّن منها مقاتلو هذا التنظيم. ونسبة إلى تقارير إعلامية مغربية، فإن الحافز الثاني، بعد القناعة الإيديولوجية، للمهاجرين المغاربة للقتال في صفوف التنظيمات المقاتلة في سورية هو “الرواتب السخية وغنائم المعارك التي يخوضونها”! والواضح أن الفقراء هم مَن يؤدون، بالدرجة الأولى، فاتورة الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت لها انعكاسات على المجتمع، منها تضاعف عدد المهاجرين المغاربة أكثر من ثلاث مرات خلال الـ15 عاماً الأخيرة. وحسب تصريحات لرئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، أمام البرلمان عام 2013، فإن عدد المهاجرين المغاربة في العالم ارتفع في السنوات الأخيرة من 1.7 مليون مهاجر عام 1998، ليتجاوز 4.5 ملايين مهاجر حالياً، معظمهم دفعتهم ظروف الأزمة الاقتصادية الطاحنة إلى مغادرة بلادهم للهروب من حياتهم القاسية في المغرب. وطبقاً لاستقصاء للرأي حول الهجرة، أنجزته مجموعة زيوريخ للتأمينات العالمية، صدر حديثاً، فإن أكثر من 40% من المغاربة يرغبون بالهجرة خارج بلادهم، لدواعٍ اقتصادية بالدرجة الأولى. وعلى سبيل المقارنة الفارقة، فإن بلداً مثل تونس، يُنظر إليه نموذجاً يسير على طريق النجاح، لتحقيق مطالب ثورته الشعبية، عرف كيف يعيد الثقة لمواطنيه، للبقاء في وطنهم. بينما بلد مثل المغرب، يقدم نموذجاً للنجاح في احتواء حراكه الشعبي، بمقاربة “الإصلاح في ظل الاستقرار”، فشل، حتى الآن، وعلى ما يبدو، في ثني مواطنيه عن ركوب مغامرات غير محسوبة المخاطر، بحثاً عن أفق أرحب لحياتهم خارج بلادهم. إننا أمام نموذجين للدولة، الدولة الاجتماعية في تونس، كما وضع أسسها الحبيب بورقيبة، وتسعى إلى بناء نموذجها الديمقراطي بعد الثورة، ونموذج الدولة السلطوية في المغرب التي تقدم نفسها بأنها ديمقراطية، لكنها تفتقد إلى العدالة الاجتماعية التي تحمي مصالح فئات شعبها الفقيرة. لذلك، يبقى كل حديث عن الاستقرار في ظل الفقر بلا معنى، أما عندما يكون على حساب الفقراء أنفسهم فإنه ينذر بالكارثة!
أي معنى للاستقرار في المغرب في ظلّ الفقر؟ علي أنوزلا
علي أنوزلا