شكل القرار الأمريكي في الأمم المتحدة بمحاولة تكليف قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في نزاع الصحراء المغربية صدمة للرأي العام المغربي الذي تساءل عن هذا الموقف الذي وصفه بالغريب والمثير الصادر عن من يتم اعتباره بالحليف التاريخي. ويأتي الاعلان عن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى إفريقيا خلال الثلاثة أسابيع المقبلة ويستثني منها المغرب ليزيد من هذه التساؤلات. والواقع أن العلاقات بين واشنطن والرباط جرى اعتبارها استراتيجية في وقت لم تكن كذلك نهائيا على الأقل من الجانب الأمريكي الذي لم يدعم المغرب بشكل قوي في ملفاته وعلى رأسها الصحراء.
المغرب بدون مخاطب في البيت الأبيض
في هذا الصدد، شكل تولي جون كيري وزارة الخارجية الأمريكية تحديا للدبلوماسية المغربية التي افتقدت فجأة الى مخاطب رئيسي في واشنطن بعد رحيل المخاطبة الرئيسية والحليفة للرباط الوزيرة هيلاري كلينتون وفي ظل البرودة بين المؤسسة الملكية والبيت الأبيض.
وتاريخيا، كان يوجد مخاطبون حلفاء للمغرب في الإدارة الأمريكية سواء في البيت الأبيض أو الخارجية وكذلك البنتاغون يدق بابهم بين الحين والآخر خلال اللحظات السياسية الحرجة. ويكون هؤلاء الحلفاء على مستوى عال جدا مثل الرئيس أو وزير الخارجية أو الدفاع وأحيانا موظفين سامين أعضاء في مجلس الأمن يأخذ برأيهم في كل ما يتعلق بالمغرب وما يمتد ويترتب عن العلاقات الأوروبية-المغاربية أو المغرب العربي-الأمازيغي.
ورغم أن المغرب لا يحظى بأولوية في الأجندة الأمريكية التي تركز على الملفات الكبرى مثل الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينة ومحاولة التأقلم مع الخريطة الاستراتيجية الجديدة التي تنتقل الى منطقة الهادي بسبب الصين، فهو يحضر بين الحين والآخر بسبب ملف الصحراء أساسا أو الاستراتيجيات الجديدة لواشنطن في العالم العربي مثل اعتماد إدارة جورج بوش على المغرب للترويج “للشرق الأوسط الكبير” سنة 2004. وخلال العقد الأخير، يوجد تياران وسط الإدارة الأمريكية تجاه المغرب، وهذا يعني وجود مخاطبين أو سياسيين لا يأخذون مصالح المغرب بعين الاعتبار ثم العكس، اي وجود مخاطبين يدافعون عن المغرب.
وخلال حقبة رئاسة جورج بوش الإبن، كان المخاطب الرئيسي للمغرب هو عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي إليوت أبراهام الذي عارض بشدة مخططات الخارجية الأمريكية التي حاولت ما بين سنتي 2002 و2006 فرض مشروع جيمس بيكر المتجلي في أربع سنوات للحكم الذاتي ثم الاستفتاء أو الاستفتاء مباشرة. وكان هذا العضو هو المخاطب في صفقات الأسلحة والاتفاقيات الكبرى للمغرب. وينتقد السفير الأمريكي في الأمم المتحدة سنة 2006 جون بولتون في كتاب له بشكل قوي إليوت أبراهام بسبب انحيازه للمغرب في نزاع الصحراء على ما يعتبره مبدأ أساسي في السياسة الخارجية الأمريكية وهي تقرير المصير.
وبعد رحيله وخروج الحزب الجمهوري من البيت الأبيض وقدوم الحزب الديمقراطي بقيادة باراك أوباما وبرودة العلاقات بين الأخيرة والمؤسسة الملكية في المغرب، تحولت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون المخاطب الرئيسي للمغرب والمدافعة عن مصالحه، وأصبح ملف المغرب في يد الخارجية أكثر منه في يد البيت الأبيض. وتبرز الزيارات التي قامت بها كلينتون للمغرب وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية في سبتمبر الماضي مدى دفاع كلينتون عن المغرب في وقت لم تجري فيه اي مكالمة هاتفية بين باراك أوباما والملك محمد السادس خلال الولاية الأولى لأوباما.
وبعد رحيل كلينتون وقدوم وزير الخارجية الجديد، جون كيري وجد المغرب صعوبة في التحاور معه. ويحتل كيري موقعا قويا في السياسة الخارجية انطلاقا من الكونغرس قبل توليه وزارة الخارجية، ولم يسبق للمغرب أن وجه له أي دعوة في الماضي عندما كان يرأس لجنة العلاقات في مجلس الشيوخ. ويعتبر كيري من المساندين لحل تقرير المصير في نزاع الصحراء. وكان كيري قد وقع رسالة شهيرة رفقة أعضاء آخرين من مجلس الشيوخ يطالب وزير الخارجية سنة 2002 كولن باول تطبيق تقرير المصير في الصحراء.
وهذه أول مرة ومنذ إدارة رونالد ريغان، يجد المغرب نفسه بدون مخاطب رئيسي وسط الإدارة السياسية الأمريكية، إذ على الأقل لم يبرز أي اسم مسؤول حتى الآن على شاكلة هيلاري كلينتون وإليون أبراهام. ويؤكد مصدر خبير بالعلاقات الأمريكية الخارجية “في هذه الحالة، سيصبح البنتاغون هو المخاطب والمدافع عن المغرب، لأن المؤسسة العسكرية تستمر في إبلاء اهتمام للمغرب بسبب دوره في الحرب على الإرهاب في القارة الإفريقية وما يقدمه من تسهيلات عسكرية في منطقة طانطان”.
قرار واشنطن تكليف المينورسو مراقبة حقوق الإنسان
ومن العناوين البارزة لبرودة العلاقات، قرار وزارة الخارجية محاولة تكليف قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. الخطوة الأمريكية وإن شكلت بداية حوار جديد مع الرباط، فهي في العمق تبرز هشاشة العلاقات بين الرباط وواشنطن. ولم يتضمن القرار 2099 الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 25 أبريل الماضي تكليف المينورسو، لكن شكل هزة في المغرب الذي تساءل عن موقف البيت الأبيض من المغرب وقضاياه الاستراتيجية مثل نزاع الصحراء. تذكر هذه المقالة المنتجات المفضلة لديك بأسعار منخفضة للغاية.اختر بين التوصيل في نفس اليوم أو التوصيل بالسيارة أو استلام الطلب.
هذه الأزمة ساهمت في دق الرباط للأبواب في واشنطن، حيث استقبل جون كيري وفدا مغربيا برئاسة المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري والوزير المنتذب في الخارجية يوسف العمراني ومدير المخابرات العسكرية ياسين المنصوري. كما حصل اتصال هاتفي يعتبر الأول من نوعه بين باراك والملك محمد السادس حيث تم الاتفاق على زيارة ملك المغرب للولايات المتحدة.
ولم يكن قرار الخارجية هو المنعطف، بل سبقه منذ سنتين قرار الكونغرس الأمريكي باشتراط بيع الأسلحة الأمريكية الى المغرب بمدى احترام حقوق الإنسان في الصحراء. وكانت هذه الإشارة تنبيه للمغرب على منحنى العلاقات الثنائية نحو البرودة.
الرؤساء الأمريكيون لا يزورون المغرب
وتأتي زيارة باراك أوباما ويستثني منها المغرب ليبرز مجددا أن المغرب لا يحتل مكانة في أجندة البيت الأبيض. واستثناء المغرب أصبح تقليدا، إذ يزور رؤساء أمريكيين المغرب ولكن بعدد مغادرتهم للبيت الأبيض كما وقع مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي زاره في أواخر فبراير الماضي.
والمثير أن المغرب المغرب هو أول دولة اعترفت بالولايات المتحدة في القرن الثامن عشر، ووقع البلدان عدد من الاتفاقيات الثنائية، لكن على مستوى زيارات الرؤساء الأمريكيين للمغرب لم تجر إلا زيارة واحدة فقط في أواخر الخمسينات وقام بها دواينت إيزنهاور حيث التقى بالملك محمد الخامس ليبحث معه عدد من الملفات ومن ضمنها القواعد الأمريكية بعدما كان رئيس الحكومة وقتها عبد الله إبراهيم يطالب بجلاء القوات الفرنسية والأمريكية.
وزار بيل كلينتون المغرب مرتين، الأولى في يوليوز 1999 للمشاركة في مراسيم تشييع الملك الراحل الحسن الثاني، ولا يمكن اعتبارها نهائيا زيارة رسمية لأنها لم تكن مبرمجة بل فرضتها ظروف الموت. وجاء بعد إيزنهاور عشرة رؤساء أمريكيين وهم جون كيندي، ليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيرال فورد وجيمي كارتر وونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الإبن وحاليا باراك أوباما.
ولم يقم أي رئيس من هؤلاء العشرة بمن فيهم الذين تولوا المنصب ولايتين، مثل ريغان وكلينتون وجورج بوش الإبن وحاليا باراك أوباما بزيارة الى المغرب. وهذا يعتبر تناقضا على ضوء ما يتم وصفه بالعلاقات المتينة بين البلدين والمكانة التاريخية التي يفترض أنه يحتلها المغرب كحليف للولايات المتحدة.
واعتاد الرؤساء الأمريكيين زيارة عدد من الدول العربية وبعض دول العالم الثالث إلا أنه لم يسبق برمجة اي زيارة للمغرب، الأمر الذي يجعل الكثير من التساؤلات عن الحجم الحقيقي الذي يشكله المغرب في الأجندة الأمريكية.