انتقل الجدل والقلق بشكل شامل في الجزائر من مستوى الانشغال بصحة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إلى التفكير علنا وكليا في المرحلة مابعد الرئيس المريض، وفي صيغ الانتقال إلى تلك المرحلة وتدبيرها على نحو ديمقراطي. وبات الهاجس الاكبر بالنسبة للجزائريين هو معرفة أصل وفصل الرئيس المقبل خصوصا هل سيأتي به الجيش، كما درج على فعل ذلك النظام الجزائري منذ العام 1962، أم سيخرج من رحم حزب سياسي هذه المرة.
ويتطلع الحزائريون إلى أن يمسك الجيش يده عن حكم البلاد، ويسمح لرئيس مدني تفرزه بشكل نزيه صناديق الاقتراع لقيادة البلاد. ويتعاظم هذا الأمل مع التحولات السياسية الإقليمية على خلفية الربيع، ومع وجود جبهة اجتماعية ملتهبة تتطلع إلى التغيير.
صحة الرئيس لم تعد تشغل الجزائريين
ويبدو من الوجهات التي بدا يأخذها الجدل في الجزائر، أن صحة الرئيس الذي انتقل منذ 27 أبريل الماضي إلى باريس وبالضبط إلى المستشفى العسكري ” فال دوغراس” للتشافي من جلطة دماغية، توارت إلى الخلف تماما، ولم يعد احد يعبأ بما آلت إليه صحته او ظروفه. بل انصرف همهم كله إلى استشراف بقلق بائن ملامح المرحلة المقبلة.
ولم تعد حتى التصريحات الرسمية لمسؤولين فرنسيين آخرها تصريح الرئيس فرانسوا هولند منذ أيام لقناة فرانس 24 حينما تحدث فيها عن ان الرئيس بوتفليقة يتعافى بشكل جيد، قادرة على ان تقنع الرأي العام المحلي بالاعتقاد في أن ثمة عمرا سياسيا سيمتد ببوتفليقة إلى أجل أبعد. وخصوصا في ظل يأسهم من ان تطلعهم حكومة بلادهم عن الوضع الحقيقي للرئيس بدليل كاف و شاف.
وتداول الجزائريون وخاصة من النخبة السياسية المعارضة أن ثمة أمرا تيبته السلطة الرسمية للتحكم في الانتقال إلى المرحلة المقبلة على نحو يضمن هيمنتها، ويستبق أي مفاجاة قد تنبعث خصوصا في ظل ظروف سياسية واجتماعية محلية كما بسبب ظروف إقيلمية أيضا.
وعمقت تصريحات فرنسوا هولند قناعة الجزائريين بضروة الانتقال بالاهتمام إلى المرحلة المقبلة، وتشييع العمر السياسي للرئيس بوتفليقة إلى مثواه الأخير، وذلك أثناء حديثه في المناسبة ذاتها على قناة فرانس 24 ان ” بلاده “تتعامل مع المؤسسات وليس مع الأشخاص”. وهم وما يمكن ان يكون اعتبره الرأي العام الجزائري حسب ما أشارت إلى ذلك بعض وسائل الإعلام المحلية، تلميحا أيضا لمرحلة ما بعد بوتفليقة، وهذا ما أثار انتباههم في تصريحات هولند اكثر من حديثه عن التعافي الجيد للرئيس المريض.
سباق رئاسي مبكر للمرحلة المقبلة يشغل السياسيين والشعب الجزائري
من أبرز ملامح انتقال الجزائريين سواء أكانوا سياسين من خارج السلطة الرسمية أم فعاليات من الشعب الجزائري المدنية والثقافة والاجتماعية، بانشغالهم إلى ما بعد مرحلة بوتفليقة، ظهور مطالب بانتخابات سابقة، او بانتقال السلطة وايضا من خلال تداول قائمة من أسماء المرشحين لرئاسيات 2014.
وتبارت القوى السياسية في الجزائر في الدفع بمن تعتقد من رجالها مرشحا امثل للظفر بموقع الرئيس ما بعد بوتفليقة و الثامن للجمهورية الجزائرية. ولعل قائمة المجلة الفرنسية المختصة في الشوؤن الإفريقية ” جون أفريك” التي بادرت إلى استقراء مواقف قرائها خصوصا الجزائريين من أسماء شخصيات جزائرية بارزة رشحتها لتكون خليفة لبوتفليقة، من شانه ان يعكس هذا الانغماس الكلي للجزائر في تجاوز مرحلة بوتفليقة.
ورشحت جون أفريك سبعة شخصيات أبرزهم بلخادم ورئيس الحكومة الحالي عبد المالك سلال ثم الامين زروال وآخرين، فيما رشحت قوى اخرى سياسية وشعبية مثل جمعية أبناء الشهداء الرئيس الجزائري الاسبق علي بن فليس ودعت الجزائريين إلى دعمه.
وفي هذا السياق ذاته دعى فاعلون جزائريون إلى مرحلة انتقالية في البلاد، ودعت قوى اخرى أيضا إلى انتخابات مبكرة سابقة، في ظل عجز الرئيس عن القيام بمهامه.
من أين سيخرج الرئيس الثامن للجزائر هل من ثكنة الجيش ام من رحاب حزب سياسي ؟
المستوى الثاني من الجدل والقلق الذي يشغل الجزائريين، يتمثل في الاسئلة التي تبحث في هوية الرئيس الثامن للجمهورية الجزائرية، أيكون من صنيع الجيش أم يخرج مدنيا “نقيا” من رحاب حزب سياسي وتفرزه صناديق انتخابية شفافة.
وتبلورت في الجزائر مطالب بضرروة تحييد الجيش عن المسار السياسي للبلاد، وتخليص العملية الديمقراطية من تفصيلاته. وفي هذا السياق برزت مطالب سياسية جزائرية بضرورة إخضاع الجيش والمؤسسة الأمنية للسلطة المدنية. ونقلت صحيفة الخبر مؤخرا في هذا السياق عن رئيس حزب العدالة والتنمية الجزائري جاب الله جاب الله الذي كان يعرض مقترحات حزبه بخصوص دستور جديد، قوله:” إن الجزائر بحاجة إلى إخضاع الجيش وكل أجهزة الأمن للسلطة المدنية ولسلطة الشعب المنتخبة ومنعها من التغول، وحتى لا يصير الجيش دولة داخل دولة”.
ومن جهته يحذر القيادي السابق في جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية عبد السلام راشدي من المؤسسة الامنية أكثر من الجيش، حيث يعتبر ان الجيش قد نشأ فيه جيل جديد قادر على التأقلم مع الحياة السياسية، في حين ان المشكلة على حد تعبيره هي في الأمن الذي يعيق أي انفتاح سياسي وإعلامي، ووصفه هذا القيادي الذي طرح مبادرة ” من أجل الجمهورية الثانية”، بكونه مشكلة حقيقية. لذلك بنظره يبقى إخضاع المسؤلية الامنية لسلطة مدنية مطلب حاسم لتجاوز هذا التحدي.
وفي سياق المخاوف أيضا من وجود امتدادات لقوى تعيق الانتقال السياسي في الجزائر إلى مرحلة ديمقراطية ومتحررة من سطوة الجيش، تبرز مواقف تحذر من اي دور استنزافي لمحيط الرئيس، لاجهاض المرحلة الانتقالية، عبر التدخل والتحكم في صناديق الاقتراع.
و يبقى التطلع الاكبر للجزائريين سواء الحالمين بالديمقراطية او الآملين في “جمهوية جزائرية ثانية “، هو ان يكون رئيسهم الثامن رئيس يخرج من صناديق اقتراع شفافة، تسابقت فيها احزاب سياسية ، ولم تعبث بها يد الجيش.
ويبدو ان الجزائريين يرون أن الظروف مواتية تماما ليحصل هذا الانتقال النوعي في هوية رئيس البلاد القادم. فالتحولات السياسية الذي شهدها محيط البلاد الإقلميي بفضل الربيع العربي، تنعش هذه المطالب والامال الديمقارطية ، والجبهة الشعبية الجزائرية الملتهبة قد تنفجر في كل لحظة إذا ما جرى خذلان تطلعها نحو مستقر ديمقراطي.