لماذا خسرت واشنطن الهند وروسيا لصالح الصين؟ د. حسين مجدوبي

الصورة الثلاثاء لرؤساء الصين وروسيا والهند

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منتصف الأسبوع الماضي، إن واشنطن خسرت روسيا والهند لصالح الصين، تصريح يعكس خسارة جيوسياسية حقيقية، طالما أرادت الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض، بل الدولة العميقة في هذا البلد تفاديها لاسيما في حالة الهند. وهكذا، كتب دونالد ترامب يوم 5 من الشهر الجاري في شبكته الاجتماعية Truth Social رفقة صورة للرئيس الروسي بوتين والهندي مودي والصيني شي جين بينغ  تعليقا عميقا «يبدو أننا فقدنا الهند وروسيا لصالح الصين، الأعمق والأكثر ظلمة. أتمنى لهم مستقبلاً طويلاً ومزدهراً معاً!». وقام لاحقا بتعديل في تصريحه هذا، حيث قال في ندوة صحافية «إن الولايات المتحدة لم تخسر الهند عمليا، بل كانت هناك خيبة أمل من نيودلهي بسبب شرائها كميات كبيرة من النفط الروسي»، وختم تعليقه بأنه يحافظ على علاقات متينة مع الرئيس الهندي.
صدر هذا التصريح عن ترامب في أعقاب قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي شارك فيها عدد من الدول، لاسيما الصاعدة، علاوة على الثلاثة الكبار الصين وروسيا والهند. وجرت القمة في مدينة تيانجين الصينية من 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر الجاري، وكانت الأكبر في تاريخ منظمة شنغهاي للتعاون، بحضور قادة عدد من الدول، وركزت على ضرورة رسم ملامح نظام عالمي جديد وتقوية التحالفات الشرقية في مواجهة الغرب.

من دون شك، التعليق الأول الصادر عن ترامب بخسارة الهند وروسيا، ربما هو نتيجة اطلاعه على التقارير الأولية حول قمة شنغهاي والتحالف الثلاثي الآخذ في التطور بين نيودلهي وبكين وموسكو، ورغبته في تغيير النظام العالمي الجديد بوضع حد لهيمنة الغرب على المؤسسات الدولية وصنع القرار. وهذا يجرنا إلى الحديث عن رؤية المؤسسات الحيوية في الولايات المتحدة مثل، المؤسسة العسكرية والخارجية، وتجمعات رجال الأعمال، والاستخبارات، وكل ما يدخل في إطار الدولة العميقة. وبينما يوجد انقسام حول روسيا، يوجد إجماع حول ضرورة استقطاب الهند إلى صف واشنطن. وعلاقة بروسيا، توجد رؤيتان وسط صناع القرار الأمريكي، الرؤية الأولى وهي امتداد للحرب الباردة التي ترى في روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، ودولة تعمل على تقويض الديمقراطيات الغربية وتهديد أمن  القارة الأوروبية. بينما الرؤية الثانية هي التي حملها الرئيس ترامب في انتخابات 2016 التي قادته إلى الولاية الرئاسية الأولى سنة 2017، وتتجلى في اعتبار روسيا دولة غربية نسبيا، ومن الأحسن استقطابها لصالح الغرب لتكون من جهة، في مواجهة الصين، ومن جهة أخرى ضمن الدول التي توفر لأوروبا الأمن والدفاع. وكان الجنرال مايكل فلين مدير المخابرات العسكرية الأمريكية الأسبق ومستشار الأمن القومي لترامب في السنة الأولى من ولايته الأولى أحد رواد هذه الأطروحة. وكان الجنرال فلين قد استقال من منصب مستشار الأمن القومي، بسبب علاقته المريبة مع السفير الروسي في واشنطن، بعد تحقيق أجرته شرطة (إف بي آي). وإذا كان الموقف الأول قد انتعش في اعتبار روسيا دولة معادية، لاسيما بعد غزوها لأوكرانيا خلال فبراير/شباط 2022، عاد الموقف الثاني مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا واستقطاب روسيا للغرب في مواجهة الصين مستقبلا.
في المقابل، يوجد توافق كبير حول الرؤية نحو الهند واعتبارها دولة محورية في الحد من النفوذ الصيني في القارة الآسيوية، ومساعدة الولايات المتحدة على احتواء الصعود الصيني في العالم. وآخر محاولات الرهان على الهند، هو قرار الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الديمقراطي جو بايدن، إنشاء طريق تجاري ينطلق من الهند مرورا بالشرق الأوسط وينتهي في أوروبا لمعاكسة «طريق الحرير» الصيني. وخططت واشنطن لتحقيق تبادل تجاري مع الهند يصل الى 500 مليار دولار مطلع سنة 2030، للتقليل من الاعتماد على الصين وخلق استقرار اجتماعي في الهند من خلال تشجيع الصادرات نحو الغرب. ولكل بلد حساباته، يوجد وعي وسط الطبقة الحاكمة في الهند، بأن مستقبلها وسط البريكس ومع جيرانها الإقليميين مثل الصين وروسيا  وإندونيسيا، ومن الأحسن الرهان على عالم متعدد الأقطاب، بدل الارتباط بتابع لسياسة البيت الأبيض. وعزز قرار الرئيس دونالد ترامب خلال الشهر الماضي بفرض غرامات تصل إلى 50% على الصادرات الهندية نحو السوق الأمريكية، قرار الهند نحو تعزيز استقلاليتها. وكتب إيفان فايجنبوم في مقال في مركز كارنيجي للتفكير الاستراتيجي يوم 4 أغسطس الماضي بعنوان «ترامب يغامر بتدمير 25 سنة من العلاقات بين الولايات المتحدة والهند»، حيث يستعرض كيف عرض ترامب جهود واشنطن طيلة العقود الأخيرة لتطوير العلاقات للخطر، بعدما فرض 50% على الصادرات الهندية. وعلقت «نيويورك تايمز» في عدد السبت الماضي كيف أن تدهور العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يدفع بالمسؤولين الهنود إلى الرهان مجددا على سياسة عدم الانحياز، وأخذ مسافة من السياسة الأمريكية. وتستمر المواقف التي تبرز كيف تخسر واشنطن الهند، إذ علق الدبلوماسي الهندي لصحيفة  «تايمز ناو» الأحد الماضي، «أن تصرفات ترامب أظهرت لنيودلهي أنها لا تستطيع الاعتماد على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأنه من المهم لدولة مثل الهند، أن تجد طريقها الخاص وشركائها».
وكانت الولايات المتحدة  تعتقد أن تدهور العلاقات بين نيودلهي وبكين بعد دعم الأخيرة دبلوماسيا وعسكريا لباكستان في مواجهة الهند خلال المواجهات العسكرية في أبريل/نيسان الماضي، ستكون في مصلحة واشنطن، وحدث العكس، فقد زار الرئيس الهندي الصين في قمة شنغهاي، وهي الأولى بعد سبع سنوات، وهي زيارة تؤكد رهان الهند على الانضمام الى التحالفات الشرقية، وإن لم تكن في مواجهة الغرب، فعلى الأقل ستتبنى الانحياز حفاظا على مصالحها خلال العقود المقبلة. أن تخسر الولايات المتحدة الهند، وهي الدولة التي راهنت عليها لاحتواء الصين إقليميا، يعد كارثة جيوسياسية لصناع القرار في واشنطن.

Sign In

Reset Your Password