تستمر الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبينما كانت تشير عدد من المعطيات الميدانية إلى احتمال قرب انتهائها بهدنة غير مباشرة أو مؤقتة بتراجع حدة المواجهات الحربية، يتغير الوضع نتيجة ما يجري الحديث عنه من استقدام روسيا لآلاف الجنود من كوريا الشمالية، الأمر الذي قد ينقل هذه الحرب إلى مستويات خطيرة، خاصة بعد تصريح وزير خارجية موسكو بأن الأمور تسير نحو مواجهة مباشرة بين روسيا وواشنطن.
وما بين اذار/مارس وآب/أغسطس من السنة الجارية، بدا أن الغرب اقتنع باستحالة تحقيق أوكرانيا انتصارا ولو نسبيا على القوات الروسية، والانتصار هنا يعني استعادة ولو جزء من أراضي أقاليم شرق أوكرانيا التي ضمتها موسكو إلى أراضيها سنة 2022. وقضمت روسيا ما يقارب 20 في المئة من أراضي أوكرانيا ما بين 2014 تاريخ ضم شبه جزيرة القرم و2020 تاريخ ضم شرق البلاد. وكانت عواصم مثل برلين وباريس لصالح تخلي كييف التدريجي عن هذه الأراضي التي تحتلها روسيا مقابل تعويضات أهمها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في المدى المتوسط والحلف الأطلسي في المدى البعيد. وكانت برلين أول عاصمة أوروبية تطرح هذا بشكل علني، ما أثار رفضا قويا من طرف أوكرانيا لمثل هذه المقترحات.
ولاحقا بدأت تقع تطورات عسكرية هامة وخطيرة توحي بأنها وضعت حدا لمثل هذه الحلول وأصبحت تشكل منعطفا جديدا لهذه الحرب التي تستغرق حتى الآن أكثر من سنتين ونصف، وتتجلى في: أولا، قرار الحلف الأطلسي في تسليح أوكرانيا بأسلحة نوعية ومنها مقاتلات إف 16 ثم فرضية تفويت فرنسا لبعض طائرات الميراج للقوات الجوية الأوكرانية. علاوة على أسلحة نوعية ومنها الصواريخ البعيدة المدى التي تتجاوز 300 كلم قادرة على ضرب مدن روسية في حالة إطلاقها من مناطق قريبة من حدود البلدين. ثانيا، حصول روسيا على ما يفترض أنه صواريخ إيرانية ومنها باليستية وفرط صوتية ومجنحة، قد تزيد من القوة النارية الروسية، علما أن مسيرات إيران لعبت دورا هاما في هجمات روسيا على القوات الأوكرانية. ثم تأكيد الناطق باسم البنتاغون الجنرال بات ريدر هذا الأسبوع أن المجموعة الأولى من قوات كوريا الشمالية قد وصلت إلى منطقة كورسك الروسية المتاخمة لأوكرانيا، وقرابة عشرة آلاف آخرين يتدربون في روسيا رفقة نظرائهم الروس للانضمام لاحقا إلى الحرب. وكانت كورسك قد تعرضت بداية آب/اغسطس الماضي إلى غزو أوكراني، ويبدو أن مهام القوات الأوكرانية هي الدفاع عن الأراضي الروسية في وجه تقدم مباغت للقوات الأوكرانية كما وقع في كورسك.
وعموما، لا تحتاج روسيا إلى الجنود من الخارج ولا إلى العتاد العسكري الخارجي كذلك، إلا أنها تتخوف من اندلاع حرب كبرى مع الغرب خاصة في ظل تصاعد التوتر بين الطرفين. وبالتالي فهي تحافظ على مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة بدون استعماله. وتعتبر موسكو أن أوكرانيا قد تكون مقدمة فقط لحرب كبرى مع الغرب، ولهذا، تكتفي بحرب متوسطة ضد هذا البلد. في الوقت ذاته، تريد روسيا أن تعطي الانطباع بأن هذه التحالفات هي دعم دولي ولا تعاني من العزلة السياسية والعسكرية.
غير أن المعطيات المشار إليها قد تغير من وضع البحث عن حل للنزاع نحو وضع متفجر سيجر إلى مواجهة شاملة. وهنا يجب استحضار تصريحات المسؤولين الروس وآخرهم وزير الخارجية سيرغي لافروف مع الجريدة التركية «حيريت» الجمعة من الأسبوع الجاري بقوله إن «الولايات المتحدة وروسيا على حافة صراع عسكري مباشر».
ويبقى السؤال هو لماذا ستدخل المواجهات منعطفا خطيرا؟ لم تأت تصريحات عميد الدبلوماسية الروسية من فراغ بل وفق تصورات مقلقة لمستقبل الحرب مع أوكرانيا. تعتقد روسيا في فرضية وقوع مواجهة مع الغرب آجلا أم عاجلا، وهي لا تعتقد أن الصين ستدخل طرفا مباشرا في الحرب وإن كانت ستوفر لها الدعم اللوجيستي الكافي اقتصاديا وعسكريا. ولهذا، وقّع الرئيس فلاديمير بوتين اتفاقية تعاون عسكري مع كوريا الشمالية خلال زيارته لهذا البلد منذ شهور. وتؤكد وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سون هوي في زيارتها إلى موسكو الجمعة من الأسبوع الجاري أن «كوريا الشمالية ستقف إلى جانب روسيا حتى تحقيق النصر».
ووسط التعاون العسكري الروسي-الإيراني، يؤكد وزير خارجية موسكو سيرغي لافروف، حسب وكالة «تاس» الروسية هذا الأسبوع أن روسيا وإيران تدرسان توقيع اتفاقية استراتيجية في مختلف المجالات، مركزا على التعاون الوثيق في مجال الدفاع بما يخدم أمن البلدين إقليميا ودوليا.
ويرى الغرب بقلق هائل دخول كوريا الشمالية وإيران هذه الحرب بشكل علني، لأنه يعني منح دول يعتبرها الغرب «مارقة» وضمن «محور الشر» وضعا عسكريا بارزا في مواجهة أوكرانيا والغرب. وكانت واشنطن ترفض استهداف صواريخ غربية بعيدة المدى الأراضي الروسية، علما أن لندن تدفع في هذا الاتجاه بعدما زودت الجيش الأوكراني بصواريخ ستورم شادو. وبدورها تهدد كوريا الجنوبية بالتدخل في الحرب لصالح أوكرانيا إذا شاركت جارتها الشمالية لصالح روسيا.
وأكد البيت الأبيض هذه الأيام أن مجيء قوات كوريا الشمالية لمحاربة أوكرانيا قد يحمل تبعات خطيرة، وذلك في تلميح إلى منح الضوء الأخضر للقوات الأوكرانية باستعمال السلاح الغربي ومنه الأمريكي أساسا ضد الأراضي الروسية. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوضح دائما بأن حلف الناتو متورط في الحرب ضد بلاده، بينما أن معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبيونغ يانغ تتضمن بندا حول الدفاع المشترك بين البلدين.
وهكذا، في الوقت الذي كانت تلوح فيه إشارات نحو هدنة ولو مؤقتة للحرب الروسية-الأوكرانية، تتطور الأوضاع نحو الأخطر بارتفاع المتورطين في الحرب، وبعد الحلف الأطلسي تأتي إيران وكوريا الشمالية وربما الجنوبية كذلك، لتتخذ الحرب طابعا دوليا أكثر.
الحرب الأوكرانية الروسية نحو تصعيد خطير بسبب السلاح الإيراني وجنود كوريا الشمالية وصواريخ الغرب
صورة مركبة لحرب أوكرانيا