تستمر أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول في فلسطين، وهي الأحداث التي تعتبر منعطفا في تاريخ الشرق الأوسط، خلال العقود الأخيرة بعد حرب العراق 2003 وحرب يوليو/ تموز 2006 في لبنان، والربيع العربي، ويحدث أن يغيب عنا الكثير من التطورات المرتبطة بهذه الأحداث، التي تمس دولا أخرى ومنها مصر التي أصبحت مهددة في قناة السويس، بقناة بن غوريون المبرمجة خلال العقدين المقبلين.
والواقع أن نقص وضعف الدراسات الجيوسياسية التي تستشرف المستقبل، خاصة البعيد نسبيا، أي على مدى عقود تغيب في العالم العربي بشكل لافت، نظرا لمنع السلطات الحاكمة الدراسات الجيوسياسية الحقيقية، تجعل مستقبل البلاد رهين كرسي الحاكم، بل الرؤية المستقبلية الواقعية.
ارتباطا بهذا، هل يمكن الحديث عن الجانب الخفي في الحرب الإسرائيلية بدعم غربي على قطاع غزة، لاسيما بعدما بدأ يتبين أن حركة حماس استبقت أحداثا كبرى ستشهدها منطقة الشرق الأوسط مرتبطة بالصراع العالمي، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية، على الأقل في قطاع غزة، لتهيئة الأجواء لتشييد قناة بن غوريون، التي ستكون بديلا لقناة السويس المصرية، ما سيعني ضربة قوية للأمن القومي المصري وفقدان آخر ورقة من الأوراق التي تعطيها حضورا في الساحة الدولية، ذلك أن قناة السويس منذ الخمسينيات من القرن الماضي وبالضبط سنة 1956 بدأ الحديث عن تشييد سد على نهر النيل، وتولت شركة أمريكية الدراسات الهندسية، واهتمت إسرائيل أشد الاهتمام بهذا السد، لأنه سيجعل الحياة صعبة في مصر. ولا ننسى أن إسرائيل بعقيدتها اليهودية المتطرفة ورغم اتفاقية السلام، ما زالت تعتبر مصر عدوا رئيسيا، وما زالت تتطلع إلى حلم التوسع نحو هذا البلد. كانت مصر في عهد الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك تدرك خطر سد النهضة، وكيف تراهن عليه إسرائيل ودول غربية للتحكم في شريان الحياة «النيل» بالنسبة لمصر التي تسمى «هبة النيل». وكان يتم التطرق الى سد النهضة على أساس أنه خطر، ولكن «خطرا خرافيا» لن يقع. ومرت سنوات طويلة من الخمسينيات الى سنة 2010 بدء وضع التصميم النهائي له وبدأت عملية البناء، لتبدأ عملية ملء السد يوم 15 يوليو 2020، وأصبح الخطر الخرافي خطرا واقعيا يعاني منه المصريون. وهكذا، ما كان من باب الخرافات أصبح واقعا مراً للأمن القومي المصري، لم يتحرك الجيش المصري الذي يتولى تسيير البلاد لفعل أي شيء، ولعل أسوأ تبرير لهذه الفاجعة هو تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي بتحميله المسؤولية الى الرئيس محمد مرسي، ثم التهديد بتحويل المنطقة الى برميل بارود. لم يكن موفقا، الفشل في مواجهة سد النهضة كان منذ عهد عبد الناصر، والجيش المصري لا يكتسب الآن القدرة العسكرية لضرب السد، ولم يوجه السيسي أي انتقاد لإسرائيل التي عملت منذ عقود على ترجمة السد الى واقع وتوفر له الحماية العسكرية ببيع مضادات طيران متطورة للجيش الإثيوبي. يتكرر سيناريو سد النهضة في عمل آخر/خطر آخر وهو قناة بن غوريون، البعض يعتبرها من الخرافات، كما وقع في الماضي، لكن كل المعطيات تشير الى ترجمة هذا المشروع مستقبلا، ونسرد بعض المعطيات الرئيسية:
*أولا، جرى طرح المشروع في الخمسينيات رفقة سد النهضة، وجرى تقديم أولى الدراسات في بداية الستينيات، حيث تفيد بعض الوثائق الأمريكية التي جرى رفع السرية عنها بنية الولايات المتحدة تفجير 530 قنبلة نووية تحت الأرض لشق القناة وقتها.
*ثانيا، يأتي المشروع ضمن الصراع القائم حاليا بين عدد من القوى الكبرى، إذ يوجد رهان روسي – صيني على الخط البحري الذي يمر عبر القطب الشمالي نحو أوروبا والقارة الأمريكية ويختصر الكثير من المسافة، ويأتي مشروع القناة لجعل الهند دولة رئيسية في تزويد الغرب بالمنتجات بديلا للصين وبديلا لمشروع «طريق الحرير». وسيكون ميناء حيفا رئيسيا مثله مثل خليج العقبة.
*ثالثا، تكلفة المشروع تتراوح ما بين 16 مليار دولار إلى خمسين مليار دولار وذلك ارتباطا بالتقنية التي سيتم استعمالها، إذ أن استعمال القنابل النووية سيجعل التكلفة محدودة، ولن يتطلب تشييد القناة أكثر من خمس سنوات.
*رابعا، بدء التسويق لفكرة أن قناة سويس لم تعد كافية لوحدها للتجارة الدولية ويجب بالضرورة إنشاء قناة مساعدة وهي بن غوريون، ستكون أوسع وأعمق من قناة سويس وتسمح بمرور السفن الكبرى وفي الاتجاهين، بدل التناوب على اتجاه واحد مثل السويس حاليا، وحتى إذا وقع حادث مثل حادث سفينة إيفر غفين في قناة السويس سنة 2021 لن تتوقف الملاحة، وبدأت الدراسات تتناسل القول بأن العالم يحتاج إلى قناة بن غوريون، لأن قناة السويس لن تتحمل مرور السفن العملاقة المبرمجة للتصنيع، ثم إن من شأن قناة جديدة أن ترفع النمو الاقتصادي العالمي بـ1% سنويا.
تدرك المجموعة التي تحكم مصر في الوقت الراهن مدى ارتباط تهجير الفلسطينيين بمشروع قناة بن غوريون، والمثير أنها لا تتحرك رغم خطورة الموقف، خلال العقود المقبلة. قال السيسي منذ شهور إنه يمكن هدم مصر «بأقراص ترامادول»، عفوا مصر تتعرض للهدم بمخططات جيوسياسية عميقة مثل سد النهضة وقناة بن غوريون، فهل هناك من سيتحرك؟ أم أن الجميع تناول أقراص ترامادول ويغيب عنه الواقع. من دون شك، أن المواطن المصري المغلوب على أمره يتساءل الآن عن تباطؤ الرؤساء من عبد الناصر إلى مبارك في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تأثير سد النهضة على أمن مصر، ومن دون شك، أن المواطن المصري ابتداء من منتصف الأربعينيات يتساءل عن الأسباب التي جعلت مجموعة السيسي لا تتحرك في الوقت الراهن، وهو الحاكم الذي ملأ الدنيا بشعارات الدفاع عن الأمن القومي.
ختاما، عندما وقعت أحداث 7 أكتوبر هرع محللون للتضليل بالقول، إن الهدف هو ضرب التطبيع الإسرائيلي – السعودي، رواية صدّقها الكثيرون، لكن لا أحد اهتم بالرواية الأخرى ومفادها، أن العملية تستبق قناة بن غوريون التي تتطلب تهجير الفلسطينيين، أتدرون لماذا؟ لأن عملية التضليل المكثف تجعلنا في العالم العربي نرى المخاطر المستقبلية بأنها خرافات لن تقع، ولكنها تصبح مع مرور الوقت واقعا.