على بعد أيام قليلة من اكتمال شهر على العملية العسكرية الجريئة 7 أكتوبر، وفشل الجيش الإسرائيلي في تنفيذ تقدم بري متكامل ورهانه على حرب الجبناء بقتل المدنيين، يبقى التساؤل هو كيف نجح الفلسطينيون في صناعة صواريخ وقاذفات ومسيرات متقدمة ودقيقة التصويب وامتلاك تدريب عسكري يضاهي القوات الخاصة لكبريات الجيوش.
يعتبر جيش الكيان الإسرائيلي ضمن الجيوش القوية في العالم وفي صدارة الشرق الأوسط. وخلال الثلاثة عقود الأخيرة، حصل بفضل اتفاقيات التطبيع على نوع من الراحة العسكرية لأنه ضمن عدم وقوع حرب ضده من طرف جيوش الدول المجاورة مثل مصر. وأصبحت أجندته هي مواجهة الفلسطينيين بالدرجة الأولى ثم حزب الله، بينما تهديداته بشن حرب ضد إيران هي مجرد تصريحات إعلامية.
ويسّخر كل طاقته العسكرية والاستخباراتية لضرب المقاومة الفلسطينية، غير أنه تفاجأ يوم 7 أكتوبر، فقد كشف الهجوم الذي نفذه الفلسطينيون عن نقاط ضعف خطيرة لقوات الكيان. وفي هذا الصدد، لم ينجح الجيش الإسرائيلي في التقدم البري والقضاء على حماس رغم مرور قرابة شهر على بدء النزاع، وذلك لسببين، أولا نوعية الأسلحة ثم نوعية التدريب.
والسؤال الذي يتردد في منتديات النقاش العسكري بل وحتى عند المواطن العربي في شبكات التواصل الاجتماعي هو: كيف نجح الفلسطينيون في قطاع غزة في صناعة أسلحة ذات قوة تدميرية مقبولة جدا مثل الصواريخ والقذائف؟ ويصبح السؤال مثيرا لأن الأمر لا يتعلق بتهريب أسلحة بل بصناعة جزء كبير منها محليا في ظل الحصار الذي يعانيه قطاع غزة من طرف إسرائيل ومصر، حيث يمنعان تهريب الأسلحة بل حتى بعض المواد العادية الذي يفترض أنها تدخل في صناعة المتفجرات. ويطرح المواطن العربي هذا السؤال بحرقة وهو يرى جيوش عربية تتوفر على ميزانية عسكرية ضخمة بعضها يقدر بعشرات الملايير من الدولارات وهي عاجزة عن صناعة صاروخ واحد. ويتساءل: كيف يمكن للفلسطيني المحاصر في غزة صنع صاروخ يتجاوز في بعض الأحيان القبة الحديدية، ويصنع قذائف تدمر أحدث المدرعات والدبابات.
وهناك إجماع وسط خبراء الأسلحة بأن صواريخ الفلسطينيين في قطاع غزة هي صنع محلي بقدرات محلية، وربما يكون التصميم الهندسي هو المستورد من دول تتعاطف مع المقاومة مثل إيران. ففي ظرف عشرين سنة، انتقل الفلسطينيون من صاروخ القسام 2 الذي مداه 12 كلم كحد أقصى إلى صاروخ عياش الذي مداه 220 كلم. وكانت المفاجأة في اعتماد طوربيد العاصف الخاص بالسلاح البحري. وكانت إسرائيل واعية يهذا التقدم الحربي، فقد جاء في تقرير لمعهد “جيروساليم للشؤون العامة والدولة” في أغسطس 2021 أن حماس تصنع غالبية سلاحها وانتقلت الى صواريخ ومسيرات تتميز بالتوجيه الدقيق.
من جهة أخرى، على شاكلة حزب الله، انتقل المقاومة من الفلسطينيون من حرب العصابات إلى مستوى أعلى وهو حرب كوماندوهات الجيوش الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا. حرب العصابات كانت هي توجيه ضربات والانسحاب من الميدان، بينما القوات الفلسطينية في قطاع غزة، توجه ضربات قوية لجيش الكيان، وتحول دون تقدمه رغم امتلاكه ترسانة ضخمة من المدرعات والدبابات، ويحدث أن تنفذ عمليات وراء خطوط العدو.
ويقول الخبير العسكري الروسي مكسيم شيبوفالينكو لجريدة “فزغلياد”: “ستقتصر المواجهة على عمل مجموعات مشاة خفيفة هجومية. من الأسهل على الفلسطينيين القتال في مثل هذه الظروف، لأنهم يعرفون أراضيهم جيداً وهم في موقف دفاعي. ويجب على الإسرائيليين أن يكونوا في حالة تأهب طوال الوقت، لأن من الممكن مهاجمتهم من أي جانب وفي أي وقت…أشك في أن يكون المشاة الإسرائيليون، المكونون بشكل أساسي من المجندين، حتى لو خضعوا لتدريب منتظم، قادرين على مقاومة كاملة للفلسطينيين المتحمسين الذين يكتسبون الخبرة القتالية باستمرار. نعم، قامت تل أبيب بتدريب قوات خاصة، لكنها قليلة”.
إن تخوف واشنطن على إسرائيل هو الذي جعل البنتاغون يرسل نائب قوات المارينز، التي تتميز بكونها قوات كوماندوز في الغالب، إلى إسرائيل بعد 7 أكتوبر لتوجيه جيش الكيان، ثم إرسال حاملتي طائرات فورد وإيزنهاور الى شرق المتوسط تحسبا للتدخل إذا انضم حزب الله. بينما عجز قوات الكيان على القضاء على الحركة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة هو الذي جعل إسرائيل تراهن على “حرب الجبناء” بقصف وقتل المدنيين.