استفاق الغرب وخاصة الحلف الأطلسي على كابوس يسبب له القلق الكبير بعدما تبين كيف نجحت الصين ومنذ سنوات في استقطاب ربابنة السلاح الغربي لمعرفة كيفية عمل المقاتلات الغربية والخطط المعتمدة في هذا الشأن. ولا يتم استبعاد امتداد عملية الاستقطاب إلى أنواع أخرى من السلاح مثل المدفعية والتخطيط العسكري.
وأصبحت الصين تتوفر على أكبر جهاز استخبارات في العالم يتجاوز نظيرته الأمريكية سي أي إي لأنه يتوفر على موارد مالية ضخمة وبشرية كبيرة جدا، والأساسي أنه يعمل في صمت وفي الظل ولا يجلب الأنظار كثيرا عكس الأساطير التي تصاحب الأجهزة الاستخباراتية الغربية.
وينسب الباحثون نسبة من نجاح الصين الاقتصادي وفي البحث العلمي ومنها في تكنولوجيا السلاح إلى الدور الكبير لهذه الاستخبارات في استقطاب الباحثين غربيين من أصول صينية، ثم الانتقال الى استقطاب علماء غربيين من كبريات الجامعات الغربية ومنها الأمريكية مثل هارفارد بالخصوص. وتناسلت أخبار حول إيقاف باحثين غربيين يعملون لصالح الصين تحت غطاء البحث العلمي والتعاون مع الجامعات.
غير أن المفاجأة الكبيرة لم تكن فقط سرقة التصاميم الغربية للسلاح بل نجحت الصين في إقناع ربابنة سابقين عملوا في كبريات الجيوش الغربية العمل في الصين. وكانت البداية مع استقطاب الصين لربابنة من دول إفريقية وأسيوية ومن أمريكا اللاتينية، ثم الانتقال الى استقطاب ربابنة سلاح غربيين.
ومنذ شهور، تنشر الصحافة الغربية مثل الباييس ولوموند وذي شبيغل الألمانية وكذلك الأمريكية، كيف نجحت الصين في استقطاب ربابنة عملوا سابقا في سلاح الجو الأمريكي وسلاح الجو البريطاني والأسترالي ومؤخرا في سلاح الجو الألماني. ولم يتردد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الشهر الماضي في مطالبة نظيره الصيني لي شانغفو بضرورة وقف عملية استقطاب الربابنة الألمانيين. ويأتي قرار ألمانيا بعدما صادقت الشهر الماضي كذلك على وثيقة الأمن القومي للبلاد، والتي يتم فيها التنصيص على أن أكبر عدو تواجهه ألمانيا هو روسيا بالدرجة الأولى ثم الصين بالدرجة الثانية.
وتدرك الصين أنها هدف عسكري للغرب، ولهذا نهجت سياسة التعرف على كيفية استعمال السلاح الغربي. في هذا الصدد، ركزت في البدء كمرحلة أولى على استقطاب ربابنة عملوا سلاح الجو في بعض الجيوش الإفريقية والأسيوية ومن أمريكا اللاتينية، وكانوا يستعملون طائرات غربية مثل الميراج وإف 16 وتورنادو. وطورت الصين استراتيجيتها نحو مرحلة ثانية باستقطاب ربابنة عملوا في سلاح الجو الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني، واستعملوا النسخ المتقدمة من مقاتلات مثل إف 15 ورافال ويوروفايتر بل حتى إف 35. وقام الربابنة الذين عملوا في الجيوش الغربية على تدريب نظرائهم الصينيين على خطط الغرب في سلاح الجو. ومن ضمن ما اهتمت به الصين هو عمليات الإقلاع والنزول في حاملات الطائرات ثم مراوغة الرادارات.
وكان القضاء الأمريكي قد أدان بالسجن ربانا أمريكيا وهو دانييل إدموند دوغان تعامل مع الصين، وتحقق بريطانيا في مشاركة 30 ربانا سابقا في تداريب الصين، البعض منهم قاد نسخ من مقاتلات متطورة مثل إف 35، وحذّرتهم من مغبة محاكمتهم بتهمة خرق الأمن القومي للبلاد إذا لم ينهوا اتصالاتهم بالصين. كما تحقق ألمانيا في ربابنة ألمان مكّنوا نظرائهم الصينيين من معرفة أسرار مقاتلة يوروفايتر.
وتتعامل الدول الغربية بحساسية مفرطة مع هذا الملف، وتحاول معالجته بعيدا عن الأضواء تجنبا لاعتقال عشرات الربابنة الذين عملوا بسوء نية أم حسن نية في تدريب الصينيين. وقررت الولايات المتحدة، ومنذ الشهر الماضي، تشديد العقوبات على الشركات الخاصة التي أسسها ربابنة سابقون عملوا في الجيوش الغربية في دول مثل جنوب إفريقيا وأستراليا لتقديم المشورة والتداريب، وكانت هذه الشركات الجسر نحو عملية الاستقطاب التي نفذتها الاستخبارات الصينية.
ويوجد تساؤل وسط الاستخبارات العسكرية الغربية: هل نجحت الصين في استقطاب ضباط عملوا في الجيوش الغربية في شعب مثل المدفعية والبحرية الحربية والتخطيط العسكري. ولا يمكن لهذه الاستخبارات مواجهة الاختراق الصيني لسببين، الأول هو تسريح الجيوش الغربية لنسبة كبيرة من الضباط وهم في الأربعينات من العمر، واتجه عدد منهم لتقديم المشورة العسكرية لعشرات الدول لمواجهة أعباء الحياة، وكان الربان الأمريكي المدان قد قال أنه لجأ الى تجريب الصينيين لمواجهة غلاء الأسعار. وبالتالي، يصعب تتبع ورصد عملي الآلاف لأن الأمر يحتاج الى استخبارات ضخمة سيكون عملها هو عملية تتبع حياة هؤلاء الضباط. ويتجلى السبب الثاني في تقديم الصين إغراءات مالية ضخمة لهؤلاء الضباط. وكانت وزارة الدفاع البريطانية قد اعترفت في تقرير سابق لها أن بعض الضباط حصلوا على ما يفوق 300 ألف دولار في السنة.