تراجع نفوذ فرنسا في عدد من الدول الإفريقية المسماة إفريقيا الفرنكفونية، وتعمل باريس على استعادة هذا النفوذ مستقبلا من خلال الرهان على تعزيز العلاقات مع المؤسسات العسكرية ومنها تخصيص حصة أكبر للضباط الأفارقة لكي يتكونوا في هذا البلد الأوروبي.
وكانت فرنسا قد نفذت عملية برخان في مالي وامتدت نسبيا الى دول مجاورة لمواجهة الحركات الإرهابية، غير أنها انتهت بطرد فرنسا من عدد من الدول وهي مالي وبوركينا فاسو وكذلك إفريقيا الوسطى. ومن ضمن أسباب تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة هو تراجع تكوين ضباط الجيش في المدارس العسكرية الفرنسية، مما جعل قنوات التواصل تتراجع لاسيما في المجال العسكري. وكان الجنرال دنيس مرسيي قد نبه سنة 2014 عندما كان قائدا لأركان الجو الى هذه الظاهرة، مؤكدا أن دول أخرى ستحل محل فرنسا بس بب حاجة بعض الدول الإفريقية للتكوين. وكانت فرنسا قد قلصت نسبة استقبال ضباط من دول إفريقية.
ومن نتائج هذه السياسة، رهان الدول الإفريقية على التكوين في دول أخرى سواء إفريقية كذلك مثل استقبال المغرب لعدد من الضباط أو الرهان على القوى الجديدة وأساسا الصين وتركيا وروسيا، وإن كانت الأخيرة وجهة كلاسيكية لتكوين الضباط منذ عهد الاتحاد السوفياتي. واختارت دول إفريقية الصين وتركيا لسببين، الأول وهو تقديم البلدين لمنح كثيرة لتكوين الضباط العسكريين ضمن استراتيجية نشر نفوذهما، وثانيا بحكم أن البلدين تحولا الى مصدرين رئيسيين للسلاح للدول الإفريقية.
وكان تقرير برلماني فرنسي حول تراجع نفوذ فرنسا في القارة السمراء قد نسب جزء من هذا التراجع علاوة على غياب استراتيجية دبلوماسية واضحة كذلك الى تراجع تكوين الضباط. وكان قادة الجيش الفرنسي ينبهون رئاسة البلاد منذ عهد فرانسوا هولند ثم إيمانويل ماكرون أن عدم استقبال ضباط أفارقة للتكوين سينعكس سلبا على مصالح فرنسا، ومنها عدم وجود مخاطبين في المؤسسات العسكرية عندما ستحتاج باريس إلى تنفيذ عمليات عسكرية أو الانتشار العسكري في منطقة إفريقية ما. ومن ضمن الأمثلة، تضم المدرسة العسكرية الشهيرة سانت سير كويتكدان حاليا 90 طالبا أجنبيا ينتمون الى 26 بلدا، قرابة 50 ينتمون الى دول إفريقية، وهو رقم محدود مقارنة مع مرحلة ما قبل 2010.
ووعيا منها بهذه التحديات، تعمل وزارة الدفاع الفرنسية على إصلاح هذا الخلل في مخططها الجديد الخاص بسنوات 2024-2030. وجاء في وثيقة هذا المخطط، حسبما نشر موقف أوبكس 360 العسكري “بالاعتماد على الخبرة الفرنسية المعترف بها ، سوف تتغذى شراكاتنا من خلال زيادة القدرات التدريبية في مختلف الموضوعات. بعد فترة طويلة من تقليص الأماكن في مدارسها العسكرية ، تبتعد فرنسا عن هذا الاتجاه وستعرض على البلدان الشريكة ، بغض النظر عن قاراتها الأصلية ، التسجيل في تدريب العديد من الضباط التنفيذيين كضباط صف”. وسيتم التركيز على الرفع من استقبال ضباط من دول مازال النفوذ الفرنسي فيها قويا مثل السنغال وتشاد وساحل العاج والغابون للحفاظ على العلاقات العسكرية معها. والدول الأربع تشكل استراتيجية خاصة للنفوذ الفرنسي بسبب موقعها الجغرافي والمصالح الفرنسية الكبيرة فيها.
ورغم سعي فرنسا لتجاوز هذا التحدي، فقد قطعت تركيا والصين وروسيا أشواطا كبيرة في تكوين مختلف القوات العسكرية في بعض الدول الإفريقية، حيث ستكون قيادات عسكرية ذات تكوين في هذه الدول وخاصة الصين في مناصب المسؤولية مستقبلا. ويأتي رهان الدول الكبرى على تكوين الضباط بسبب الدور السياسي الذي بدأت تلعبه مجددا المؤسسات العسكرية في عدد من الدول الإفريقية.