حتماً هذا هو ( المَطلب ) الذي أصبح يفرض نفسَه،و(السّؤال) الذي أمسى يُطرح بإلحاح احتراماً لتاريخنا المجيد وصوناً لتراثنا العتيد، وتماشياً مع أجواء الوفاق، والتفاهم ،والتقارب، والتداني الذي أصبحت تعرفه – ولله الحمد – العلاقات الثنائية المغربية- الاسبانية- في الوقت الراهن – بعد أن انقشعت وتلاشت الغيوم التي طالما عبّأها ونشرها خصوم المغرب بين البلديْن على امتداد عقود من الزّمن والتي ولّىت، وانصرمت لحال سبيلها اليوم بدون رجعة ..أليس جديراً وقميناً وحرياً ببلادنا-والحالة هذه- بأن تطالب اسبانيا باسترجاع مخطوطاتها التاريخية الغميسة، وكنوزها العلمية النفيسة التي لا تقدّر بثمن القابعة في مكتبة كبرى منذ بضعة قرون توجد في مكانٍ غيرِ بعيدٍ عن العاصمة الاسبانية مدريد يُسمّىَ دير الاسكوريال ؟ .
هذه المخطوطات الثمينة شاءت الأقدار أن تُسلب،وتُهرّب، وتُنهب من موطنها الأصلي (المغرب) قسراً، وقهراً، وعنوةً ،حيث سيتأكّد لنا بما لا يترك مجالاً للشكّ بعد قليل أنّ مجموعة هامّة منها تعود فى الأصل لملكية بلادنا ، لا ينبغي أن يعزب عن بالنا أنّ لهذه النفائس المغربية الفريدة، والذخائر الغالية صلة وثقى بتاريخنا ، وتراثنا ، بل إنّها جزء لا يتجزّأ من هذا التاريخ، ومن هذا التراث الذي ما فتئ يقبع أسيراً فى الدّيار الإسبانية إلى اليوم .
وتجدر الإشارة انّ المغرب سبق له على امتداد التاريخ – كما سنرى – أنْ طالبَ اسبانيا في عدّة مناسبات استرجاع هذه المخطوطات بإلحاح، ولم يفلح فى استعادتها ،أمَا آنَ له الأوان المطالبة بهذه الكنوز والنفائس بطريقة حضارية معاصرة…؟ مثلما فعلت العديد من بلدان العالم الأخرى – فى المدّة الأخيرة – التي بادرت الى المطالبة بإسترداد،وإسترجاع آثارها، ومنحوتاتها،ومجسّملتها،وأوانيها،ومصوغاتها،وكتبها، ومخطوطاتها، وحليّها، وقطعها الأثريّة المنهوبة مع إختلاف الظروف، وتباين الملابسات التاريخية التي سُلبت فيها من بلدانها هذه الذخائر مثل : مصر، وعُمان ،وتركيا، ونيجيريا،وايران، والمكسيك، والبيرو، واليونان، وغوتيمالا ، وسواها ،وهي كثير؟.
تؤكّد مختلف المصادر،والمراجع التاريخية التي تتعرّض لموضوع المخطوطات العربية الموجودة في مكتبة دير الإسكوريال (أنشئت مابين 1533- و 1584) أنّ جزءًا مهمّاً منها يعود في الواقع للسّلطان المغربي السّعدي أحمد المنصور الذهبي الذي اشتهر باقتناء الكتب، وجمع منها خزانة عظيمة، وعني بها عناية فائقة حتى ناف عددُها على أربعة آلاف مخطوط يبحث في مختلف العلوم والمعارف ، إلاّ أنّ هذه المكتبة الفاخرة صادفها سوء الحظّ ، وخبّأ لها القدر مفاجآت مثيرة غير سارّة لم تكن فى حُسبان أحد .
كتاب” الإكسير في فِكاك الأسير”ومخطوطات الإسكوريال
يؤكّد الباحث والعالم المغربي المرحوم محمد الفاسي في تحقيقه وتقديمه لمخطوط ” الإكسير في فكاك الأسير” للسفير المغربي ابن عثمان المكناسي فيقول : ” يظنّ الكثيرون أنّ خزانة الإسكوريال المليئة بالمخطوطات الثمينة أنّها من مخلّفات المسلمين في إسبانيا ، والحقيقة أنّ محاكم التفتيش الكاثوليكية الاسبانية كانت أحرقت كلّ الكتب العربية أينما وُجدت، ولم يبق بعد خروج المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية كتب تستحقّ الذّكر ، وفي أيام السّعديين كان السلطان المغربي المنصور الذهبي مولعاً بإقتناء الكتب ، وجمع منها خزانة عظيمة ، وسار خلفه إبنه زيدان على سنته في الإهتمام بالكتب فنمّى الخزانة التي كانت عند والده . ولمّا قام عليه أحدُ أقاربه وإضطرّ للفرار، كان أوّل ما فكّر فيه خزانة كتبه فوضعها في صناديق ووجّهها إلى مدينة آسفي لتُشحن في سفينة كانت هناك لأحد الفرنسييّن لينقلها إلى أحد مراسي سوس. فلمّا وصلت السفينة انتظر رئيسُها مدّة أن يدفع له أجرةَ عمله ، ولمَّا طال عليه الأمر هرب بمركبه وشحنته الثمينة ، فتعرّض له في عرض البحر قرصان إسباني وطارده للاستيلاء على الصّناديق ، ولا شكّ أنهم كانوا يظنّون أنّها مملوءة بالذهب ،واستولوا بالفعل على المركب الفرنسي وأخذوا الصّناديق، فلمّا فتحوها ولم يجدوا بها إلاّ الكتب ، فكّروا من حسن الحظ أن يقدّموها هديّة لملكهم . ولمّا وصلت هذه الكتب إلى الملك فيليبّي الثاني ، الذي كان إبّانئذٍ منهمكاً في بناء الديّر الفخم للقدّيس ” لورينثو ” بالمحلّ المُسمّى الإسكوريال ،وكان قد نذر في حرب مع فرنسا ألجأته لهدم كنيسة تحمل إسم القدّيس المذكور ،أنّه إذا إنتصر فسيبني له كنيسة أفخم . فلمّا وصلته هذه الكتب أوقفها على هذا الدّير ، وهي التي لا تزال إلى اليوم موجودة به، ويقصدها العلماء من كلّ الأقطار للاستفادة من ذخائرها”.
السّفراء المغاربة الغسّاني والغزال والمكناسي والإسكوريال
تخبرنا الباحثة الإسبانية « نييفيس ألونسو باراديلا »فى دراسة لها حول هذا الموضوع : “أنّ معظم السفراء المغاربة الذين زاروا إسبانيا تعّرضوا في كتاباتهم على إمتداد العصور إلى الأهميّة التي تنطوي عليها الكتب والمخطوطات العربية التي توجد في الإسكوريال التي كانت محطّ اهتمام الأجانب الذين كانوا يتقاطرون على إسبانيا ” . وتتعرّض الباحثة لثلاثة سفراء مغاربة زاروا إسبانيا في حقب تاريخيّة متفاوتة حيث زارها الأوّل في القرن السّابع عشر ، والإثنان الآخران في القرن الثامن عشر، وتشير الى «أنّ هؤلاء السفراء قدِموا إليها للتفاوض مع العاهليْن الإسبانيْين كارلوس الثاني ثم كارلوس الثالث ” ومن المهام التي إضطلع بها هؤلاء السّفراء ، التفاوض من أجل إطلاق سراح أسرى المسلمين في اسبانيا الذين كان معظمهم من الجزائر وأيالاتها ، والتوقيع على إتفاقيات التعاون وحسن الجوار بين المغرب واسبانيا ، والمطالبة بإسترجاع المخطوطات المغربية الموجودة في الإسكوريال”.
وتؤكّد الباحثة الإسبانية الواقعة التاريخية التي تعرّضت لها مختلف الكتب التي تبحث في تاريخ العلاقات الاسبانية المغربية، وهي قضية سطو القراصنة الإسبان عام 1612 بالقرب من مدينة سلا على مركب فرنسي كان يحمل المكتبة الخاصّة للسّلطان المغربي مولاي زيدان، والتي كانت تتألف من حوالي أربعة آلاف مخطوط ، وقد تم تحويل هذه الكتب والمخططوطات جميعها إلى مكتبة دير الإسكوريال بأمر من الملك الاسباني فيليبي الثاني.كما تتعرّض المُستعربة الإسبانية إلى حدث خطير وقع عام 1671 عندما شبّ حريق في الجناح العربيّ من الدّير حيث إلتهمت النيران حوالي 2500 مخطوط. بدأت خزانة الإسكوريال تنمو بفضل العناية التى كان يوليها ملك إسبانيا فيليبي الثاني للكتب،حيث عمل على تأسيس مكتبات عمومية كبرى على غرار المكتبات الإيطالية ، وطلب من سفرائه جمع وإقتناء الكتب والمخطوطات العربية ، وبذلك أمكن له إثراء خزانة الإسكوريال بهذه الذخائر التاريخية النفيسة .
بعد عشرين سنة من هذا الحادث المؤسف وصل إلى إسبانيا الوزير عبد الوهاب الغسّاني سفير السّلطان مولاي إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1690-1691) وفى كتابه” رحلة الوزير في إفتكاك الأسير” وصف الغساني الجناح الذي توجد فيه كتب ومخطوطات السلطان إبن زيدان بالإسكوريال ، كما فاوض العاهل الاسباني بشأن إسرجاع بعض المخطوطات العربية الى المغرب حيث ماطل في الاستجابة لهذا المطلب .
وأما السّفير المغربي الثاني فهو أحمد بن المهدي الغزال سفير السلطان محمد بن عبد الله لدى بلاط كارلوس الثالث(1766) صاحب كتاب :” نتيجة الإجتهاد في المهادنة والجهاد” وتحتل قضيّة المخطوطات المغربيّة كذلك مكاناً مهماً في سفرية الغزال الذي قام هو الآخر بزيارة الإسكوريال ، وسلّم له العاهل الاسباني كارلوس الثالث بعضَ هذه المخطوطات (300 مخطوط حسب رواية الغزال نفسه) .
و زار إسبانيا في الفترة المتراوحة بين (1779-1780) السفير المغربي الثالث ابن عثمان المكناسي سفير السلطان محمد بن عبد الله لدى بلاط كارلوس الثالث وهو صاحب كتاب” الإكسير في فكاك الأسير”. ولم ينس كسابقيْه زيارة دير الإسكوريال حيث توقف بالخصوص طويلاً عند المخطوطات العربية بهذا الدّير. وقد وصف الإسكوريال وصفاً دقيقاً وكلّ ما به من مقابر الملوك الإسبان، وعن ذلك يقول:” فاذا به من عجائب الدنيا في ارتفاع صواريه وضخامة بنيانه ، يقف الوصف دونه ويقول وعن المخطوطات العربيّة (بما فيها المغربيّة):” إنّها في غاية الحفظ ، ولا يمكن لأحد أن يدخل إلى تلك الخزانة كائناً من كان، ومكتوب عليها بخطّ أعجمي : أمر البابا أن لا يُخرج أحد من هذه الخزانة شيئا”.
في البحث عن الكنوز الضّائعة!
يشير الباحث التونسي “عليّ العريبي” من جهةٍ اخرى في دراسة له تحت عنوان «الرّحلة الأندلسية للورداني والبحث عن المجد الضائع». أنّ الورداني شاعر ورحّالة تونسي عاش في أواخر القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين. ولد سنة 1861 ببلدة الوردانيين جهة السّاحل وتوفّي سنة 1914 ، قام هو الآخر بزيارة لمدينة الإسكوريال حيث أقبل على آثار القصور الموجودة بالمدينة، فوصف ما بها من نقوش ورسوم ، وقد استرعى إنتباهه في قصر فيليبّي الثاني رسوم جدرانه التي تصوّر حروبَ دولة إسبانيا سواء مع العرب أو مع الدولة العليّة”.ويضيف العريبي:” أن البعثة المرافقة للورداني عثرت على أكثر من ألفي كتاب عربي ويعتقد الناس خطأ -.حسب الورداني- أنّ الكتب العربية الموجودة في هذه المكتبة هي من مخلفات الأندلس ، وليس الأمر كذلك فقد أظهر لي التحرّي والتحقيق وكثرة المحاورة والمذاكرة مع أرباب الوقوف والاطّلاع أنّ الإسبان لمّا ملكوا الأندلس أشارعليهم رؤساء الأديان بحرق الكتب الإسلامية لا سيما الدينية، فكانوا كلما تمكنوا من بلاد أحرقوا كتبَها ، إلاّ ما بقي عند بعض الأفراد ، وأنّ هذه المخطوطات هي من كتب زيدان أمير المغرب كان قد إشتراها من المشرق وبينما مأموروه قد قدموا بها إذ فاجأتهم سفن إسبانيا الحربية قريباً من بوغاز سبتة (جبل طارق) فغلبتهم وغصبت الكتب ،فهى في التحقيق من حكومة مرّاكش لا الأندلس ، والذي يدلّ على صحّة ما ذهبت إليه ما شاهدته مكتوباً على أغلب الكتب من أنّها ملك الأمير زيدان المذكور”.
ويلاحظ القارئ الكريم أنّ الورداني لم يكن يعرف قصّة هذه الكتب الحقيقية كما سبقت الإشارة إليها من قبل ،وكما سنرى عند مؤرخ فرنسي تعرّض لنفس الموضوع وهو «جان كايّي»، إذ يذكر الورداني أنّ الكتب إشتراها مولاي زيدان من المشرق، وسطا عليها الاسبان في مضيق جبل طارق بالقرب من مدينة سبتة وهي في طريقها إليه حيث كان يقيم بمراكش ، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف وُضع خاتم زيدان على هذه المخطوطات كما يؤكّد الورداني نفسُه ذلك..؟! ممّا يرجّح صحّة الرّواية الشّهيرة التي سبق أن أكّدها كلٌّ من الباحث المغربي محمد الفاسي والباحثة الإسبانية نييفيس ألونسو ،وكذا المؤرخ الفرنسي جان كاييّ وسواهم من الباحثين الثقات .
جانْ فيليبْ كاستلان ومكتبة زيدان
وتحت عنوان”كاستلان ومكتبة زيدان” يشير المؤرّخ الفرنسي” جان كايّي” في كتابه “موجز تاريخ المغرب” إلى: « أنّ جانْ فيليبْ كاستلان» كان قنصل فرنسا في المغرب معتمداً لدى السّلطان المغربي مولاي زيدان عام 1610، الذي قال عنه المؤلف:” كان من أعظم ملوك السّعديين بفضل حنكته وصرامته وحبّه للعلم وعطفه على أهله ،حيث كان شغوفاً بالأدب، ومولعاً بالكتب، فضلاً عن أنه كان يملك مكتبة عظيمة ورث معظمَ كتبها عن والده أحمد المنصور الذهبي وقد بلغ عدد كتب هذه الخزانة حوالى أربعة آلاف مخطوط”. ويضيف المؤلف الفرنسي أنّ كثيرا من هذه التّحف النادرة كانت مغطّاة بماء الذّهب ، ومنمّقة بالجواهر النفيسة، وبعضها كان مكتوباً بخطوط جميلة جدّاً وذات فنيّة عالية، ويحكي المؤلف هو الآخر قصّة وصول هذه المخطوطات إلي الإسكوريال فيقول:” في ربيع 1612وصل مولاي زيدان إلي مدينة آسفي مع عائلته وقد حمل معه ممتلكاته النفيسة ومنها مكتبته وهو ينوي الإلتحاق بمدينة أكادير، وكان بالميناء مركبان الأوّل هولندي ، والثاني فرنسي وهو مركب كاستلان .وأجّر مولاي زيدان المركبيْن فسافرت عائلته في المركب الهولاندي ،وسلّم خزانته وبعض ممتلكاته لمركب كاسـتلان الذي قبل نقل هذه الحمولة إلى أكادير مقابل 3000دوقية. ويصف المؤلف وصفاً دقيقاً كلّ ما حمله هذا المركب من أمتعة السّلطان السّعدي .وكانت الصّناديق التي تحتوي على حاجياته وكتبه قد وضع عليها خاتمه السّلطاني. ويشير أنّ صاحب مركب كاستلان الذي كان يسمّى ” نوتردام دو لاجارد ” رفض إنزال حاجيات ومتاع وكتب مولاي زيدان قبل استلام المبلغ المتّفق عليه.وأمام قرب نفاد الزّاد في المركب الفرنسي قرّر كاستلان وطاقمُه في ليلة 22 يونيو العودة إلى فرنسا بحمولة السلطان زيدان على ظهر سفينته .
قد تجري الريّاحُ بما لا تشتهيه السّفنُ !
ويشير المؤلّف الفرنسي ” جان كايّي” أنّ المركب الفرنسي عندما كان قبالة مدينة سلا هوجم على حين غرّة من طرف أسطول إسباني كان تحت إمرة الأميرال فاخاردو ، وأرغم على الإتّجاه إلى مدينة قادس الإسبانية حيث تمّت محاكمة كاستلان وسجنه ثم مات عام 1619. وألحقت مكتبة زيدان بالإسكوريال ،.ويشير المؤلف الفرنسي أنّ مولاي زيدان استشاط غضباً عندما علم بالخبر، واحتجّ بشدّة لدى ملك فرنسا لويس الثالث عشر ، وتحمّلت الجالية الفرنسية المقيمة في المغرب في ذلك الوقت عواقبَ ومغبّة هذا الحدث ، فزجّ ببعضهم في السّجون ، وأرغم آخرون على مغادرة البلاد ،وأصبحت العلاقات السياسية والتجارية بين المغرب وفرنسا شبه منعدمة . وقام لويس الثالث عشر بعدّةِ مساعٍ لدى البلاط الإسباني حتىّ يسترجع ملك المغرب ممتلكاته وخزانته بدون جدوى. ويختم جاك كايّي بحثه قائلاً:” وما زالت مكتبة مولاي زيدان توجد إلى يومنا هذا في إسبانيا ،في نفس المكان الذي كانت توجد فيه من هذا الدّير، وقد عاينها وشاهدها وتصفّحها في عدّة مناسبات العديد من السّفراء والرحّالة ، والمؤرخين، والباحثين، والمتخصّصين ، والطلبة ، وجميع هذه الكتب والمخطوطات يوجد عليها خاتم مولاي زيدان «.
مكتبة الإسكوريال ونفائسها
تبلغ مساحة مكتبة الإسكوريال 54 متراً طولاً مقابل 9 أمتار عرضاً، و10 أمتار علوّاً، ويعلوها قبو عليه رسومات عديدة مزدانة ومزركشة بألوان متنوّعة بديعة ، تنقسم إلى سبعة أقسام تمثل سبع صور ترمز إلى الفنون أو العلوم السبعة التى كانت تُدرّس بالجامعات في ذلك الابّان وهي: النّحو، والبلاغة، والجدل، أو المنطق والحساب، والفلك ، وخصّصت الواجهتان الشمالية والجنوبية لعلميْ الفلسفة واللاّهوت. وهناك 14 رسماً لبارطولومى كاردوشّو تصوّر قصصاً لها صلة بالفنون والعلوم المذكورة وبعض العلماء الذين نبغوا في هذه العلوم .ويشير الأب تيودورو – أحد الذين عملوا في هذه المكتبة –أنّ أجمل وأحبّ المخطوطات إلى نفسه هي المخطوطات العربية، حيث يعجز عن وصف جمالها وروعتها ، ويؤكد أنه من أغرب ما لوحظ أنّها مكتوبة بحبر أو مداد يحتوى على مادة قويّة مضادّة للحشرات بحيث لا تقترب من هذه النفائس، ولا تلحق بها ضرراً ولا تلفاً. وهو يشير ان هذه المكتبة تضمّ الآن حوالي 45000 كتاباً مطبوعاً تعود للقرنين الخامس عشر والسادس عشر ، وما يزيد على 5000 مخطوط تتوزع حسب أهمّيتها من حيث مضامينها وعددها على اللغات التالية : تأتى في المرتبة الأولى العربية (1700)مخطوط، واللاّتينية(1400)، والقشتالية (800) والإغريقية(600)، والإيطالية(80)، والعبرية (حوالى 70)، والكطلانية والبلنسية (50)، والفرنسية (30) ، والصّينية (بضع مخطوطات) ،والفارسية (20)، والبرتغالية(15) ، والتركية(12) ، والأرمينية (2) ، والألمانية (بضع مخطوطات)، ولغة نوالت المكسيكية القديمة (مخطوط واحد). وقد اعترف الأب تيودورو أنّ محاكم التفتيش كانت قد أحرقت بالفعل العديد من المخطوطات العربية، وتمّ إيداع لعضها في هذه المكتبة وهي مخيطة ومصونة مخافة إحراقها أو تدميرها من طرف المتعصّبين والمتزمّتين .
هذه بضاعتنا رُدّت إلينا.!
كان القائمون على الشّأن الثقافي في المغرب قد أعلنوا في 19 يناير2010 أنّه” سيتمّ تصوير المخطوطات المغربية الموجودة في مكتبة الإسكوريال بمدريد، وإعداد نسخ منها على الميكروفيلم لتصبح متوفّرة للإستعمال في المكتبة الوطنية بالرباط. هذه الغاية ،أيّ الحصول علي بعض النسخ من هذه الميكروفيلمات لم تتحقق إلاّ في 7 فبراير 2011. علماً بأنه قبل هذا التاريخ بكثير في عام 1997 أيّ منذ ما ينيف على 14 سنة قبل هذا التّاريخ كانت الملكة الاسبانية السّابقة صوفيا خلال زيارة لها لمصر فى هذا الإبّان قد أهدت مجموعة كاملة من ميكروفيلمات المخطوطات العربية بدير الإسكوريال إلى مكتبة الإسكندرية الكبرى بما فيها المخطوطات المغربية ، لابدّ أنّ المسؤولين فى هذه المكتبة الذين تسلّموا هذه المخطوطات كان لسان حالهم يقول فى خيلاء من باب الدعابة مثلما – قال أبو القاسم الصّاحب بن عبّاد عندما وقع بين يديه كتاب “العقد الفريد” لإبن عبد ربّه الأندلسي – : هذه بضاعتنا رُدّت إلينا.! والحالة هذه، أليس حريّاً بالمغرب اليوم مطالبة إسبانيا إسترجاع مخطوطاته،وذخائره، ونفائسه إلى موطنها الأصلي؟ هذا السّؤال نرفعه جهاراً وبإلحاح إلى الوزارة الوصّية على الثقافة في هذا البلد الأمين !
كاتب وباحث ومترجم ،ومستشار ثقافيّ سابقاً بسفارة المغرب بمدريد، وسفير سابق للمغرب في كلِّ من كولومبيا ،وبنما، والإكوادور ،وترينيداد وتوباغو،وعضو الأكاديميّة الإسبانيّة-الأمريكيّة للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا.