عاد ملف المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية الى واجهة الأحداث من خلال إصرار الأمم المتحدة على مطالبة الرباط بالتحقيق في الوفاة المأساوية ل 23 مهاجرا إفريقيا على أسوار مليلية، ثم مطالبة الأحزاب السياسية الإسبانية رئيس الحكومة بتوضيحات حول العلاقات مع المغرب وخاصة فيما يتعلق بهذا الملف.
وكانت مدينة مليلية الواقعة شمال شرق المغرب قد شهدت خلال يونيو الماضي محاولة اختراق جماعية شارك فيها آلاف المهاجرين للتسلل إليها، وخلفت مقتل 23 شخصا. وبينما عالج البرلمان الإسباني ثم الأوروبي هذا الملف علاوة على القضاء، اكتفى المغرب بإصدار بيانات توضيحية دون لجنة تحقيق برلمانية أو نقاش برلماني حول الموضوع.
وفي هذا الصدد، طالبت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم المغرب إلى إجراء “تحقيق مستقل وجاد” في مأساة شهر يونيو الماضي في مليلية واتخاذ الإجراءات القانونية في حق من اعتبرتهم مسؤولين عن المأساة. كما طالبت الدولة المغربية بضرورة عقد لقاءات مع عائلات المتضررين بما في ذلك تعويضهم عن هذه المأساة. ولم يصدر عن وزارة الخارجية المغربية أي تعليق على هذه المطالب الأممية.
ودائما في علاقة بملف سبتة ومليلية الشائك، شكلت التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس المستشارين (مجلس الشيوخ) النعمة ميارة الأسبوع الماضي حول ضرورة استعادة سبتة ومليلية عبر الحوار مع مدريد، رجة في المشهد السياسي الإسباني يمينا ويسارا. وبادرت أحزاب متطرفة يمينا مثل فوكس ويسارا مثل بوديموس مرورا بالحزب الشعبي المحافظ إلى التنديد بالمغرب واتهامه بالتوسع الإستعماري، بينما جاء موقف الحزب الاشتراكي عبر وزيرة الدفاع مارغريتا روبلس الذي قالت أن “المدينتين إسبانيتان وكفى”. وتعرض ميارة الى انتقادات من إسبانيا، ولكن الغريب هو انتقادات من داخل المغرب، وهي سابقة في التاريخ السياسي للمغرب.
وتستغل بعض الأحزاب الإسبانية هذا الموضوع الشائك، وأعلنت أنها ستوجه أسئلة إلى رئيس الحكومة بيدرو سانشيز حول تصريحات المسؤول المغربي النعمة ميارة، كما ستعالج ملف الصحراء ومن المنتظر تجديد تأكيد سانشيز على الطابع الإسباني لمدينة سبتة ومليلية، لاسيما وأنه كان قد قال إبان زيارته الى الرباط خلال أبريل الماضي أنه طلب من الدولة المغربية الكف عن الحديث عن هذا الملف إذا أرادت علاقات مستقرة.
ومنذ 2010، حذف المغرب الرسمي من أجندته السياسية والدبلوماسية موضوع سبتة ومليلية، ولم يعد يذكر تقريبا في أدبيات الأحزاب. ويبقى التعليل لهذا التصرف هو إعطاء الأولوية لملف الصحراء لاسيما بعدما بدأت إسبانيا تميل نسبيا الى تأييد الحكم الذاتي حلا لهذا النزاع. ويبقى الإستثناء هو قرار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج الديمقراطي بإعلان مبادرة لطرح الملف على أنظار الأمم المتحدة من خلال الحصول على تأييد من حركات إفريقية ومن أمريكا اللاتينية.
وكانت معظم الأحزاب السياسية الإسبانية تتفهم مطالب المغرب باستعادة السيادة عليهما، غير أنه في السنوات الأخيرة تتبنى ردود فعل هجومية ضد أي صوت ارتفع في الرباط حول التشكيك في السيادة الإسبانية.