زار قائد القوات المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي المغرب خلال الأيام الماضية وأجرى مباحثات مع المفتش العام للقوات العسكرية المغربية الجنرال فاروق بلخير حول تعزيز التعاون المستقبلي وبقاء هذا البلد بعيدا عن الفلك الصيني. ويبقى التساؤل، هل ستساعد هذه الزيارة في الافراج عن صفقات الأسلحة التي ينتظرها المغرب،؟ثم هل سيشكل المغرب قطعة محورية في مخططات البنتاغون مستقبلا؟
وعمليا، تعتبر زيارة قائد القوات المشتركة الأمريكية أهم بكثير من زيارة وزير الدفاع لأي بلد، فإذا كانت الأخيرة ذات طابع سياسي تهتم بقضايا قد تكون ظرفية، فزيارة أكبر مسؤول عسكري تعني الاهتمام بالقضايا الاستراتيجية البعيدة وتحالفات صلبة. و عكس الرأي السائد، لا يرسم السياسيون الاستراتيجية الطويلة المدة بل المؤسسة العسكرية الأمريكية لأن هذه الأخيرة هي المسؤولة عن ضمان الأمن القومي البعيد المدى.
ومن ضمن الأمثلة في هذا الشأن، قرار انتقال الاهتمام العسكري والسياسي والاقتصادي الأمريكي بالعالم الجديد أي “ضفتي محيط الهادي” لاحتواء الصين، هو قرار الجيش منذ التسعينات وليس السياسيين، وبدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تطبيقه في ابتداء منس سنة 2013.
وعكس ما جاء في عدد من وسىائل الاعلام، لا تبدي الإدارة العسكرية الأمريكية قلقا حقيقيا من محاولات إيران التغلغل في منطقة الساحل الإفريقي، فطهران لا تمتلك اللوجستيك المادي والروحي الكافي لاسيما في ظل وجود دول لديها إمكانيات لا بأس بها، مثل المغرب والجزائر، علاوة على الصلابة التي تملكها تدريجيا دول مثل السينغال وموريتانيا. رغم الحوار الجزائري-الإيراني، فالجزائر لن تسمح لإيران بالتمدد في المناطق القريبة منها لأنه سيكون خطرا على أمنها القومي.
ويبقى القلق الأمريكي هو إمكانية نجاح كل من الصين وروسيا في الحصول عل منافذ بحرية في السواحل الأطلسية شمال غرب إفريقيا. وهي الاستراتيجية التي يعمل عليها البنتاغون الآن ومستقبلا، وتريد المؤسسة العسكرية الأمريكية ضمانات طويلة المدى من نظيرتها المغربية.
وفي ظل المتغيرات الجارية حاليا في بعض الأنظمة الملكية التي باتت تميل إلى روسيا والصين بسبب الخلاف مع البيت البيض مثل العربية السعودية والإمارات، تريد المؤسسة العسكرية الأمريكية ضمان استمرار المغرب في فلك الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة. وكان المغرب قد أقلق صناع القرار الأمريكي عندما رفض في بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا التنديد بموسكو في الأمم المتحدة. وتعتبر المؤسسة العسكرية الأمريكية المغرب قطعة حيوية في الضفة الأطلسية الإفريقية. ويبقى القلق الكبير لواشنطن ليس من التقارب المغربي-الروسي، بل من الصين لأنها تزود المغرب بأسلحة متطورة وتتفهم مطالبه في نزاع الصحراء، وهذا قد يدفع المغرب الى تقديم تسهيلات عسكرية لبكين مستقبلا، خاصة وأن الرباط قلقة من برودة أطراف في المغرب بشأن سيادته على الصحراء.
في المقابل،من خلال رصد العلاقات العسكرية الأمريكية-المغربية، ومعلومات من مصادر مهتمة بهذه العلاقات، تنتظر المؤسسة العسكرية المغربية من نظيرتها الأمريكية تفهما أعمق في الملفات العسكرية التالية:
أولا، المساعدة في إلغاء العقبات التي يعاني منها المغرب في صفقات الأسلحة من طرف السياسيين الأمريكيين. فقد عارض الكونغرس الأمريكي صفقات أسلحة هامة ومنها طائرات مسيرة، وكذلك أنظمة الدفاع الجوي باتريوت. الأمر الذي دفع بالمغرب إلى الرهان على السلاح الصيني والتركي. في الوقت ذاته، تأخرت الإدارة الأمريكية كثيرا في المصادقة النهائية على تحديث مقاتلات إف 16 التي يمتلكها سلاح الجو المغربي، ويبدو أن عملية التحديث بدأت مؤخرا.
ثانيا، تقليل ضغط جماعات الكونغرس المناهضة للمغرب التي أرادت إلغاء المناورات العسكرية الأسد الذهبي، وكادت أن تنجح لولا معارضة البنتاغون. لكنه جرى التخفيض من زخم هذه المناورات.
ثالثا، عدم تغليب ومراعاة مصحلة إسبانيا في صفقات الأسلحة على حساب مصالح المغرب، ذلك أن البنتاغون لا يريد إغضاب مدريد بصفقات مع المغرب تهدد الأمن القومي الإسباني.
رابعا، أن تتبنى المؤسسة العسكرية نفس استراتيجية روسيا تجاه الجزائر، أي تمكين المغرب من نسخ متقدمة من السلاح وليس نسخة ثالثة ورابعة. ومن ضمن الأمثلة، توصل المغرب بمقاتلات إف 16 من النسخة الثالثة التي تتطلب الآن التحديث رغم أن اقتناءها يعود الى عقد فقط من الزمن. وفي مثال آخر، سهلت روسيا للجزائر الحصول على أنظمة إس 400 المضادة للطيران والصواريخ، بينما واشنطن تتماطل في تمكين المغرب من نظام الباتريوت، وإن كان قد وجد ضالته في منظومة الدفاع الصيني FD2000B.
وتاريخيا، كان المغرب لا يجد تفهما عميقا من طرف الكثير من السياسيين، سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، وكانت المؤسسة العسكرية الأمريكية هي التي تنقذ العلاقات من التراجع.