تسعى إسبانيا الى الرفع من صادرتها إلى المغرب لتعويض الخسائر الناجمة عن فقدان السوق الجزائرية وكذلك تعزيز مكانتها كشريك أول يتفوق على فرنسا، غير أن إسبانيا لم تنجح حتى الآن في منافسة الاستثمارات الفرنسية.
وإلى جانب الصراع السياسي القائم في غرب البحر الأبيض المتوسط بين الدول الأربعة على خلفيات ملفات متعددة منها ملف الذاكرة التاريخية الإستعمارية ونزاع الصحراء حيث يقود موقف هذه الدولة الى تغيير في نوعية وجودة العلاقات الدبلوماسية مع الباقي، يتمحور الصراع كذلك فيما هو تجاري واقتصادي بمفهومه الشامل للإستثمارات كذلك.
في هذا الصدد، نتج عن موقف دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي حلا لنزاع الصحراء تعليق الجزائر للعلاقات الدبلوماسية وكذلك المبادلات التجارية، حيث تراجعت صادرات إسبانيا إلى هذا البلد المغاربي بقرابة 90%، وفق جريدة الباييس في تقرير لها يوم 30 يناير الماضي، بينما حافظت الجزائر على صادراتها من الغاز بسبب صعوبة تخلي الإسبان عن هذه الطاقة. وعمليا، كانت إسبانيا تدرك أنها ستخسر السوق الجزائرية تدريجيا ولو بدون أزمة الصحراء، ذلك أن الجزائر تراجع علاقاتها التجارية مع أوروبا بل وجمّدت استيراد نسبيا اتفاقية التبادل التجاري مع الأوروبيين لصالح دول ثالثة مثل الصين وتركيا لاسيما وأنها تعتزم الانضمام الى مجموعة البريكس.
وترغب إسبانيا في الرفع من صادراتها الى المغرب للتعويض عن الخسائر التي لحقتها في السوق الجزائرية، وفي الوقت ذاته لجعل التبادل التجاري يمتص كل التوترات التي قد تحدث مستقبلا، ذلك أن التجارب تبرز كيف يعمل السياسي على تفادي الأزمات إذا كان التبادل التجاري كبيرا بين بلدين. ووعيا بهذا، ركزت القمة التي جرت على مستوى رئيسي حكومتي البلدين الإسباني بيدرو سانشيز والمغربي عزيز أخنوش التي احتضنتها الرباط يومي 1 و2 فبراير الجاري على الرفع من التبادل التجاري.
وسجلت المبادلات التجارية بين البلدين سنة 2021 ما يقارب 17 مليار يورو متقدمة ب 15% عن سنة 2020 ودائما لصالح إسبانيا، وهي تهم المبادلات الخاصة بسنة 2021 التي شهدت فيها العلاقات أسوأ الأزمات بينهما، ولا تتوفر معطيات سنة 2022، لكن المعطيات تشير الى تقدم يناهز 10%، أي ما يفوق 18 مليار يورو عشرة مليار يورو لصالح إسبانيا، وقد تصل نهاية سنة 2023 الى 20 مليار يورو. وعليه، يجب انتظار الثلاث سنوات المقبلة لمعرفة هل سيكون للاتفاقية التي نتجت عن قمة فبراير تأثير قوي على التبادل التجاري.
وتستمر إسبانيا الشريك التجاري الأول لإسبانيا منذ قرابة عقد على حساب فرنسا، ولا يعود هذا الى سياسة ممنهجة للدولة المغربية، أي تهميش الشركات الفرنسية، بل إلى تطور الشركات الإسبانية والاستفادة من القرب الجغرافي وكذلك دور أكبر للجالية المغربية التي يتعاطى الكثير من أفرادها للتجارة مع بلدهم.
ويعترف الإسبان أن العلاقة الاقتصادية مع المغرب هي علاقة تجارية بامتياز ولا تشمل تقدما في مجال الاستثمار، بينما راكمت فرنسا 30% من الاستثمارات المباشرة في المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة، بينما لا تصل الاستثمارات الإسبانية الى 5%، ولا تحتل إسبانيا المراكز الأربع الأولى في لائحة المستثمرين الأجانب في المغرب. ومرة واحدة احتلت المركز الثاني، وكان سنة 2000، بينما في التصنيف العالم على مرور السنوات فهي تحتل المركز الثامن، ويحصل أن تنتقل خلال سنة معينة الى المركز الخامس.
وكتبت جريدة الباييس يوم 2 فبراير الجاري أن البيروقراطية وغياب “الضمانات القضائية” والأزمات التي تنفجر بين الحين والآخر لا تشجع المستثمر الإسباني على الرفع من الاستثمارات الإسبانية في المغرب. وهكذا، يبقى التحدي الكبير، هو هل سترفع إسبانيا من استثماراتها المباشرة في المغرب لتكون في مستوى التبادل التجاري أم يستمر المستثمر الإسباني مترددا.