يجري الحديث عن فرضية إرسال واشنطن منظومة الدفاع الجوي الشهيرة باتريوت الى أوكرانيا، ويتزامن “الإعلان” مع تراجع مخزون الجيش الأوكراني من أنظمة الدفاع الجوي السوفياتية إس 300 وبوك. في الوقت ذاته، يعد إرسال باتريوت تصعيدا قد يدفع بروسيا الى مستويات أخرى من الحرب.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت الثلاثاء من الأسبوع الجاري عن مصادر أمريكية الاحتمال الكبير بإرسال باتريوت الى أوكرانيا في حالة مصادقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على ذلك ابتداء من الأسبوع المقبل. ويتعارض المصدر الأمريكي مع التصريحات العسكرية للمسؤولين العسكريين الذين يؤكدون أن تشغيل باتريوت يتطلب شهورا من الخدمة، وأن كل منظومة تتطلب مشاركة 90 جنديا، ولا يمكن للجنود الأمريكيين الانتقال الى الأراضي الأوكرانية لتشغيل هذا النظام.
ولم تخصص المواقع العسكرية الأمريكية، وهي التي تتابع القضايا العسكرية بتدقيق، مثل “ديفينس وان” حيزا لخبر الباتريوت، ربما اعتقادا منها بصعوبة تنفيذه وأنه مجرد تصريحات سياسية مثل فرضية استعمال روسيا للسلاح النووي، ثم إقامة الحلف الأطلسي لمنطقة حظر جوي، كما جرى تداوله بقوة عند اندلاع الحرب. وحتى في حالة نشر هذه المنظومة الدفاعية، سيكون مفارقة عسكرية كبيرة استعمالها ضد طائرات دورن صغيرة مثل الإيرانية التي لا تكلف سوى بضع عشرات آلاف من الدولارات مقابل ملايين الدولارات لصواريخ باتريوت. والسؤال الذي سيطرح الخبراء: كم من منظومة دفاع سينشرها الغرب في أوكرانيا؟ وذلك نظرا لوجود كميات محدودة من هذه المنظومة في العالم والبطء في إنتاجها.
وعلاوة على التشكيك في قدرة الباتريوت على اعتراض معظم الصواريخ الروسية الجديدة مثل كلبير، يعد تزويد واشنطن لأوكرانيا بهذه المنظومة تورطا أمريكيا مباشرا في الحرب، وقد يدفع موسكو الى الرفع من مستوى “القوة النارية” في الحرب ونقلها الى مستوى آخر بتوظيف صواريخ فرط صوتية وقنابل عملاقة تحملها قاذفات استراتيجية. وكان الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس المجلس القومي الروسي دمتري مدفيديف قد نبه في تصريحات هذا الأسبوع الى أن الجيش الروسي سيستهدف هذه المنظومة في حال تسليمها إلى أوكرانيا.
وفي حالة قرار واشنطن تزويد أوكرانيا بهذا النظام المتورط، ستلجأ الى حلفائها للحصول عليها مثل هولندا وألمانيا واسبانيا واليونان، وترفض هذه الدول التخلي عن هذا النظام الدفاعي كما أعلنت المانيا علانية. في الوقت ذاته، لا يمكن استبعاد لجوء الولايات المتحدة الى تزويد أوكرانيا بمنظومة MIM-23 HAWK، وهو نظام قديم كانت تبيعه الولايات المتحدة وتنتجه في الخارج، واقتنته عشرات الدول.
ويأتي الحديث عن باتريوت بسبب عدم العثور على نظام دفاع جوي مناسب باستثناء النرويجي-الأمريكي “ناسامس” لكن لا تتوفر الدول الغربية على الكمية الكافية لتزويد أوكرانيا بمزيد منه. ويبقى السبب الآخر في الحديث عن باتريوت هو تراجع مخزون أوكرانيا من أنظمة الدفاع الجوي، وكان العقيد يوري إغنات قد صرح لجريدة فايننشال تايمز 13 نوفمبر الماضي بتراجع المخزون السوفياتي من إس 300 وبوك. وقبل الحرب، كانت أوكرانيا تتوفر على أكبر نسبة من أنظمة إس 300 الى جانب روسيا وكذلك من بوك، كما حصلت خلال الحرب، وفق مليتاري مغازين ووتش، على هذه الأنظمة الدفاعية من جمهوريات حلف وارسو سابقا مثل بولندا. والمفارقة أن هذه المنظومة السوفياتية هي التي كانت ركيزة أساسية لاعتراض الصواريخ والمقاتلات الروسية منذ اندلاع الحرب.
ويبقى الهدف الرئيسي لأوكرانيا من الحصول على أنظمة متطورة للدفاع الجوي هو حماية المنشآت مثل الطاقة لتفادي هروب السكان نحو المناطق الغربية من البلاد وأوروبا، الأمر الذي سيجعل الشرق خاليا من السكان، ويسهل تقدم الروس مجددا.