ستجري قوات النخبة الجزائرية والروسية مناورات عسكرية في مناطق الجنوب الجزائري الممتد من الحدود مع المغرب الى مالي، وهذا يعني انخراط روسيا في محاربة الإرهاب في شمال إفريقيا بعدما كان الأمر مقتصرا فقط على القوات الغربية وأساسا الأمريكية والفرنسية. ويعد هذا من عناوين تعزيز موسكو لنفوذها في القارة السمراء وأساسا منطقة المغرب العربي-الساحل.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية منذ أيام إجراء هذه المناورات العسكرية التي ستجري خلال نوفمبر المقبل، وهي تعد الجزء الثاني لمناورات مشابهة جرت خلال نوفمبر الماضي في منطقة أوسيتيا الشمالية في روسيا، وجرت في الغابات والجبال. وتتميز المناورات المقبلة بوقوعها في بيئة جغرافية مختلفة في مناطق صحراوية وفي منطقة ما بين حدود المغرب وموريتانيا وأساسا مالي، وهي المنطقة التي تعد من أسخن النقاط في الخريطة الإرهابية العالمية.
وذهبت تحاليل ومنها في قناة الحرة الى اعتبارها ردا على مناورات المغرب والولايات المتحدة المعروفة باسم “الأسد الإفريقي” لاسيما وأن هذه المناورات تحمل اسم “ذرع الصحراء”، وكذلك ردا على المناورات التي جرت بين الجيش المغربي ونظيره الفرنسي في تعقب الإرهابيين. إلا أن الأمر يختلف عسكريا نسبيا بسبب نوعية المناورات، إذ يشارك في هذه المناورات 80 جنديا من طرف كل دولة. ويعود العدد المحدود لكونها ليست بالمناورات العسكرية الكلاسيكية التي تضم المئات أو الآلاف من الجنود مثل الأسد الإفريقي بل مناورات النخبة التي تضم كوماندوهات السريعة التحرك لملاحقة الإرهابيين. وعادة ما تعمل هذه الكوماندوهات في وحدات محدودة العدد. ومن ضمن الأمثلة، من أكبر العمليات لمحاربة الإرهاب واستهدف زعيم القاعدة أسامة بن لادن سنة 2011 لم يتعدى عدد المشاركين فيها السبعين ما بين المهاجمين والدعم اللوجيستي لأن الأمر يتطلب الملاحقة الذكية من تدخل سريع وانسحاب في وقت قياسي.
وتأخذ هذه المناورات أهميتها ارتباطا بالسياقات الدولية ومنها ما هو عسكري الذي يشهده العالم في الوقت الراهن. في هذا الصدد، كانت محاربة الإرهاب في شمال المغرب العربي ومنطقة الساحل من موريتانيا الى تشاد مقتصرة أساسا على القوات الغربية، سواء القوات الأمريكية أفريكوم أو القوات الفرنسية في مالي والنيجر بمساعدة القوات الأوروبية وبالخصوص الإسبانية والألمانية. وعمليا، إجراء المناورات يعني مقدمة للعمل المشترك والتعاون الثنائي لمواجهة المخاطر الإرهابية، وبالتالي سيشارك خبراء من الجيش الروسي باستمرار في محاربة الإرهاب في المنطقة. كما يفعلون حاليا في مالي بشكل رسمي.
وعلى ضوء هذا، سيكون بذلك المرة الثانية في ظرف شهور تؤكد روسيا حضورها في شمال إفريقيا والساحل لمواجهة الإرهاب، فبعد التنسيق مع مالي بل والتواجد المكثف عبر قوات رسمية وقوات فاغنر، يأتي التنسيق الجزائري-الروسي.
ويعد هذا منافسة حقيقية للغرب، وكانت وزارة الدفاع الفرنسية قد أعربت عن قلقها من التواجد الروسي لاسيما بعدما قررت مالي طرد القوات الفرنسية، وبدوره كان البنتاغون قد أعرب في مناسبات متعددة أبرزها في جلسة في الكونغرس الأمريكي خلال مارس الماضي عن قلق مماثل في هذا الشأن. وتأتي المناورات الحالية لتبرز استراتيجية روسيا في الرفع من التنسيق مع شركائها التقليديين مثل الجزائر وشركاء جدد مثل مالي، وهو ما يعد بداية منعطف حقيقي في تطور الخريطة العسكرية والأمنية للقارة الإفريقية.
وكان كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد ندد بالنفوذ الروسي خلال جولته الى عدد من الدول الإفريقية منذ أسبوعين، وفعل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الشيء نفسه في جولته الإفريقية خلال الأسبوع الجاري.
ويسجل التعاون العسكري بين روسيا والجزائر تطورا ملفتا خلال السنوات الأخيرة ومن عناوين ذلك المناورات العسكرية التي جرت نهاية نوفمبر الماضي في عرض المتوسط في الوقت ذاته الذي كان الحلف الأطلسي يجري مناورات بولاريس 21.