أعلن بوريس جونسون الخميس من الأسبوع الجاري استقالته من زعامة حزب المحافظين واستمراره مؤقتا في رئاسة الحكومة حتى اختيار زعيم آخر. وهي الاستقالة التي تأتي في سياق دولي متوتر بسبب حرب أوكرانيا وتحمل انعكاسات منها بداية انهيار الممارسة السياسية الشعبوية في الغرب من داخل الأحزاب الكلاسيكية، وقد تؤثر الاستقالة على حظوظ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يتطلع الى العودة للبيت الأبيض.
ويعد بوريس جونسون حالة استثنائية في التاريخ السياسي البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، إذ يعد رئيس الحكومة البريطانية الذي فاز بأغلبية مطلقة في البرلمان ولكنها لم تنفعه للاستمرار في المنصب أكثر من ثلاث سنوات بل جرى طرده بسبب تصرفاته الطائشة. في الوقت نفسه، يعد الشخصية التي أثرت على مسار بريطانيا خلال العقود الأخيرة بسبب الدور الذي لعبه في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت” تمهيدا لتنسيق أكبر مع واشنطن في القضايا الكبرى.
ولم تشهد بريطانيا رئيس حكومة تورط في ملفات يمكن وصفها ب “فساد الممارسة السياسية” أو تجريد الممارسة السياسية من طابعها “الأخلاقي” وتحويلها الى عبث سياسي كما حدث مع بوريس جونسون، حيث أصبحت المملكة المتحدة في بعض اللحظات أشبه بجمهوريات الموز وأشبه بممارسات بعض الدكتاتوريين الذين يرفضون التخلي عن الكرسي. وعلقت زو ويليامس في عمودها في جريدة ذي غارديان الخميس من الأسبوع الجاري أن جونسون حول الممارسات الهزلية في السياسة إلى قواعد عادية.
لقد فقد الغرب وخاصة الأنجلوسكسوني الجودة السياسية وبالتالي الجودة الديمقراطية بسبب موجة الشعبوية وفقدان “الأناقة السياسية” التي مست أكبر بلدين غربيين وهما الولايات المتحدة مع الرئيس السابق دونالد ترامب ولاحقا اختيار بوريس جونسون في بريطانيا. وكانت أوروبا قد تخلصت من هذه الطينة من السياسيين التي بقيت محصورة في إيطاليا مع سيلفيو بيرلسكوني الذي كان أول من دشن هذا النوع من الممارسة السياسية واقترب منها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وكانت سببا في هزيمته في الترشح ثانية.
وهذه الشعبوية الممزوجة بالعنصرية تختلف عن شعبوية وعنصرية الأحزاب القومية الأوروبية التي تسمى “اليمين المتطرف”، فهذه الأخيرة انتعشت على هامش المشهد السياسي الكلاسيكي، بينما شعبوية ترامب وجونسون هي منبثقة من داخل أحزاب سياسية كلاسيكية ذات تاريخ عريق في الغرب السياسي وهي الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وحزب المحافظين في بريطانيا.
وعمليا، لا يمكن فصل اختيار البريطانيين لبوريس جونسون في الانتخابات التشريعية بمعزل عن التأثير الذي أحدثته ظاهرة دونالد ترامب. ونظرا للارتباط الوثيق بين الظاهرتين، فرحيل جونسون سيؤثر كثيرا على حظوظ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، إن اختاره أعضاء الحزب الجمهوري لتمثيل. ويكفي أن المرشحين الذين يدعمهم ترامب في انتخابات حكام الولايات ينهزمون أمام المرشحين المعتدلين في الحزب الجمهوري كما حدث في ولاية جورجيا. وهي الهزائم التي يمكن مقارنتها بخسارة حزب المحافظين في الانتخابات الفرعية الأخيرة أمام العمال.
إن استقالة بوريس جونسون تعني هزيمة الشعبوية السياسية المنبثقة من رحم الأحزاب السياسية الكلاسيكية العريقة مثل المحافظين وليس الشعبوية المرتبطة باليمين القومي المتطرف.