عادت العلاقات في غرب البحر الأبيض المتوسط إلى تسجيل ظاهرة المحاور السياسية من خلال تقدم في العلاقات بين فرنسا والجزائر مقابل تقدم في العلاقات بين المغرب وإسبانيا وكذلك التوتر الذي يهيمن من خلال الأزمة العلنية بين الجزائر ومدريد والصامتة بين الرباط ومدريد.
وخلال الأيام الأخيرة اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون، وتباحثا بشأن تطوير العلاقات وتجاوز سوء الفهم الذي هيمن على العلاقات خلال السنة الأخيرة. وعادت المباحثات والاتصالات بين وزراء البلدين بعدما كانت منقطعة على خلفية تصريحات ماكرون حول الذاكرة الاستعمارية. وتنوي الجزائر تعويض بعض الشركات الإسبانية بالإيطالية والألمانية وكذلك الفرنسية. وكتبت جريدة الباييس هذا الأحد الماضي كيف تفسح الجزائر المجال للإيطاليين والألمان وبشكل محدود للفرنسيين مقابل تجميد التعامل مع الشركات الإسبانية.
وعمليا وبعد مرور أسبوعين، تستمر الجزائر في تجميد التعامل المصرفي مع إسبانيا، وهو ما جعل التبادل التجاري ومشاركة الشركات الإسبانية في الصفقات الخاصة بالبنيات التحتية التي تعلنها الجزائر مستحيلة الآن. وتشترط الجزائر تطبيع العلاقات مع إسبانيا وإعادة السفير إلى مدريد بعد رحيل رئيس الحكومة بيدرو سانتيش. وتأتي مواقف الجزائر نتيجة تأييد سانتيش الحكم الذاتي الذي أعلنه المغرب حلا لنزاع الصحراء.
وإذا كانت العلاقات بين فرنسا والجزائر تتقدم، ففي المقابل العلاقات بين المغرب وفرنسا تتراجع بشكل ملحوظ، إذ لا تزال الزيارات مجمدة بين البلدين، ولا يوجد أي اتصال بين الحكومة الفرنسية التي جرى تعيينها بعد فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية ونظيرتها المغربية. ولم يحدث أي اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي ماكرون منذ سنة تقريبا. ورغم وجود الملك محمد السادس في فرنسا، لم يحدث اللقاء بينه وبين ماكرون.
وأمام برودة العلاقات بين باريس والرباط، تعمل الأخيرة على تطوير العلاقات مع مدريد في مختلف المجالات، حيث ترغب في تحول إسبانيا إلى الناطق باسم المصالح المغربية وسط الاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما همشت باريس المصالح المغربية خاصة إبان رئاسة فرنسا للاتحاد طيلة الستة أشهر الأولى من سنة 2022. وتعمل الرباط ومدريد على ربح الوقت الضائع في الأزمة السابقة التي استغرقت سنة، حيث توقف العمل ببعض الاتفاقيات ولم يتم تطوير أخرى.
ولعل من عناوين التوجه الجديد للتعاون بين البلدين هو تولي إسبانيا اقتناء الغاز الطبيعي في السوق الدولية واستقباله في ميناء ويلفا وتحويله إلى المغرب، وذلك بعدما أوقفت الجزائر العمل بأنبوب الغاز “المغرب العربي-أوروبا” الذي كان يمر عبر الأراضي المغربية نحو إسبانيا.
لقد كان غرب البحر الأبيض المتوسط دائما رهين لعبة المحاور بين الدول الأربع، غير أنه خلال السنة الأخيرة برز بشكل ملفت للغاية.
عودة سياسة المحاور.. تقدم في العلاقات بين باريس والجزائر مقابل الرباط ومدريد
العلم المغربي والجزائري