بعد شهور قليلة من تأسيس الحلف العسكري أوكوس بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، لاحتواء الصين في المنطقة البحرية الهادئ- الهندي، بدأ يلوح في الأفق أول نزاع، بعدما تسربت وثيقة تفيد باتفاق عسكري بين بكين وجزر سليمان القريبة من أستراليا. ويتزامن هذا التطور في وقت يمر منه العالم في بظرف صعب نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية.
وكانت الدول الثلاث قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي تأسيس الحلف “أوكوس”، الذي يرمي الى حماية الأمن الإقليمي لأستراليا في منطقة الهادئ- الهندي من النفوذ الصيني أساسا. وجاء التأسيس في أعقاب ضجة كبرى بعدما تخلت أستراليا عن غواصات فرنسية كان جرى الاتفاق بشأنها وفضلت الغواصات النووية الأمريكية . وجاء تأسيس هذا الحلف كعملية استباقية بشأن ما تعتقد واشنطن مخططات الصين بالسيطرة على الدول القريبة من أستراليا، وبالتالي السيطرة على المنطقة البحرية.
ونددت بكين حينها بهذا الحلف العسكري، واعتبرته وجها آخر للحلف الأطلسي وامتدادا للحرب الباردة غير المعلنة ضد الصين في المنطقة.
وجاء الرد الصيني عبر جزر سليمان الواقعة شمال أستراليا، حيث تسربت وثيقة تفيد بوجود اتفاق صيني-جزر سليمان يرمي الى التعاون بين الأمني ثم لاحقا العسكري البلدين. ولم تتأخر حكومة جزر سليمان الى تأكيد الخبر نهاية الأسبوع الماضي بوجود اتفاق أمني شامل قد يشمل إنشاء قاعدة عسكرية صينية في هذه الجزر. وفي ظرف سنتين، غيرت حكومة جزر سليمان من توجهاتها، فقد كانت تميل الى أستراليا وتعترف بالتايوان، ومنذ أن سحبت الاعتراف بالتايوان وبدأت تأخذ مسافة من أستراليا تركز على تعزيز علاقاتها مع بكين الى مستوى التعاون العسكري. وكان موقع “ذي دبلومات” المتخصصة في شؤون شرق آسيا قد حذّر في تقرير مفصل نهاية ديسمبر الماضي من أن سياسة الإهمال التي تتبناها واشنطن تجاه العديد من دول الهادي قد تشجع الصين على الاقتراب من المنطقة.
وكرد على القرار الصيني بالاتفاق مع جزر سليمان، يبرز رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون في تصريحات إعلامية نهاية الأسبوع الماضي “إن أستراليا ونيوزيلندا جزء من عائلة المحيط الهادئ، ولديهما تاريخ في تقديم الدعم الأمني والاستجابة للأزمات، لكن توجد دول تسعى لبسط نفوذها على المنطقة، ونحن ندرك ذلك تمامًا”. وقال رئيس الوزراء الأسترالي السابق، كيفين رود، إن “اتفاقية جزر سليمان مع الصين تتعارض مع مصالح الأمن القومي”. وبدأت أصوات في أستراليا تدعو إلى غزو جزر سليمان حتى لا تسقط تحت النفوذ العسكري الصيني.
وتناولت المجلة الأمريكية الرقمية “ميليتاري ووتس ماغازين” هذه الدعوات في مقال لها الإثنين. وكتبت جريدة “غلوبال تايمز” الصينية، الإثنين، كذلك أنه من المثير للسخرية أن أستراليا التي انتهجت نهج الولايات المتحدة في التنديد بما اعتبرته “غزو روسيا غير المبرر” لأوكرانيا، تقوم نخبها الآن بالتهديد بغزو بلد جار وهو جزر سليمان، بسبب اتفاقية مع الصين. وتساءلت الجريدة “ألا تشكل أستراليا التي وقعت اتفاق أوكوس واشترت غواصات نووية من الولايات المتحدة تهديدا للصين؟.
وتعمل الصين منذ سنوات على تعزيز العلاقات مع دول الصغيرة الواقعة بالقرب من أستراليا بهدف إقامة قواعد عسكرية، ذلك أن الصين لم تكن دولة استعمارية، ولهذا لا تمتلك قواعد عسكرية في دول صغيرة أو جزر تابعة لها، عكس الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وهي الدول التي تسيطر على عشرات الجزر المنتشرة في العالم، وحولتها الى قواعد عسكرية ثابتة.
وتشكك باريس مثلا في نوايا بكين بأنها تريد طردها من جزر كاليدونيا الجديدة، إذ اتهم تقرير صادر عن معهد الأبحاث الإستراتيجية للكلية العسكرية “إرسيم”، في فرنسا، الصين، بنسج علاقات مع الحركات القومية في منطقة الهادئ ومنها الحركات الراغبة في انفصال كاليدونيا عن فرنسا.
وتدرك الصين أنها كي تصبح قوة عسكرية وسياسية رائدة في العالم فهي مطالبة بامتلاك أسطول بحري قوي يشبه الأساطيل الأمريكية، ثم قواعد عسكرية ثابتة في مختلف مناطق العالم وخاصة في المناطق القريبة منها مثل شرق آسيا حتى أستراليا. وإذا حصلت على قاعدة في جزر سليمان، فهذا سيسمح لها بامتلاك منصة ثابتة هامة لمراقبة المحيط الهادئ، في وقت ستصبح فيه ضفتا هذا المحيط مركز العالم.
وهكذا، بينما العالم يعيش أزمة الحرب الروسية- الأوكرانية، تضاف منطقة نزاع بين الصين والولايات المتحدة الى أجندة النزاعات التي تبلور الحرب الباردة بين بكين وواشنطن.