حمل المغرب منذ سنوات شعار البحث عن بديل لشريكه الرئيسي وهو الاتحاد الأوروبي، إذا استمرت العلاقات متوترة، وإذا استمر غياب التفاهم من طرف الأوروبيين للقضايا الحيوية للمغرب، خاصة في نزاع الصحراء. جاء هذا على لسان عدد من المسؤولين، انطلاقا من الملك محمد السادس، إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة، ثم رئيسي الحكومة السابق سعد الدين العثماني، والحالي عزيز أخنوش. بعد أربع سنوات، هل نجح المغرب في هذه الاستراتيجية كليا أو جزئيا؟ أم فقط في قطاعات معينة؟
منذ ما يزيد عن خمس سنوات، وعلاقات المغرب متوترة بشكل ملحوظ مع شريكه الرئيسي الاتحاد الأوروبي، أحيانا ككتلة كما وقع بعد قرار المحكمة الأوروبية إلغاء اتفاقية التبادل التجاري والصيد البحري، بسبب مياه الصحراء، ثلاث مرات خلال السنوات الماضية وآخرها منذ شهور فقط. وأحيانا مع بعض الدول وأساسا مع فرنسا وإسبانيا ومؤخرا مع ألمانيا، وإن كانت العلاقات مع برلين تحسنت خلال الأسابيع الأخيرة، بينما لا تزال العلاقات باردة مع باريس ومدريد على خلفيات ملفات متعددة منها التجسس والصحراء.
ويعود جزء من هذا التوتر إلى سبب علني ومعروف وهو، موقف الدول الأوروبية من تطورات نزاع الصحراء، فهي تعتبر المغرب دولة استراتيجية في حدودها الجنوبية لمواجهة الهجرة والإرهاب، لكن هذا لا يترجم إلى المساعدة في استقرار البلد سياسيا، عبر الاعتراف بمغربية الصحراء، وتستمر في دعم الأمم المتحدة. ولا تبدي الدول الأوروبية حرصاً على الاستقرار الاجتماعي للمغرب، من خلال تنفيذ استثمارات ضخمة تشبه مشروع مارشال لمساعدة هذا البلد المغاربي، للتغلب على الفقر والتخلف والعطالة، إذ يحتل المركز 121 في التنمية البشرية، على الرغم من أنه على بعد كيلومترات معدودة من أوروبا. وعلى الرغم من صدارة المغرب في استقبال الاستثمارات الأوروبية في القارة السمراء، إلا أن الأرقام تبقى ضعيفة للغاية، بل يضطر المغرب أحيانا المشاركة في المشاريع الضخمة، إلى إقراض شركات أوروبية لتنفيذ بعض المشاريع مثلما حصل جزئيا في مشروع رونو في طنجة، ويحدث هذا رغم صفة المغرب «شريكا متقدما» للاتحاد.
ولمواجهة السياسة الأوروبية، يلوّح المغرب بالرهان على قوى أخرى، والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد، ويتحدث في هذا الصدد عن شركاء من حجم الصين والولايات المتحدة، ونسبيا وإن كان بشكل محتشم عن تركيا. وإلى غاية الآن، يبقى ما ينادي به المغرب شعارا لم يترجم إلى واقع ملموس، لاسيما في غياب دراسات استراتيجية تبرز مدى نجاعة وقابلية تطبيق هذا التوجه المنشود. ويراهن المغرب في سياسة البحث عن شركاء على واجهتين، استقطاب الولايات المتحدة، أو تطوير العلاقات معها، ثم الرهان على قوى كبرى مثل الصين أو صاعدة مثل تركيا. وعلى الرغم من توقيع المغرب اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة منذ قرابة عقدين (2004) بقيت العلاقات التجارية محصورة، ولم تحقق القفزة النوعية الكبرى التي كانت منتظرة، سواء على مستوى استقبال الاستثمارات الأمريكية التي تبقى ضعيفة، ولا تتعدى انتشار الماركات الأمريكية الشهيرة، كما يجري في باقي العالم، أو على مستوى الصادرات المغربية إلى السوق الأمريكية، حيث ميزان التبادل دائما لصالح الولايات المتحدة. وعلى الرغم من هذه الاتفاقية، لا يعد المغرب الشريك الاقتصادي الأول للولايات المتحدة في شمال افريقيا.
ولا تعتبر العلاقات المغربية مع الصين اقتصاديا استثنائية، إذ أن كل دول العالم تطور العلاقات مع هذا العملاق، الذي يعتبر «معمل العالم»، بينما تبقى الاستثمارات الصينية في المغرب محدودة للغاية مقارنة مع استثماراتها في دول إفريقية، رغم الموقع الاستراتيجي للمغرب القريب من أحد أكبر الأسواق العالمية وهو السوق الأوروبية.
وتتطور العلاقات بشكل محتشم مع باقي الدول الصاعدة مثل تركيا والبرازيل وماليزيا، وهي أسواق لا يمكنها تقديم الكثير للمغرب، بل خسر الأخير كثيرا بسبب رهانه الخاطئ منذ عقدين على اتفاقيات التجارة الحرة مع دول مثل تركيا ومصر، بل حتى الأردن لأنه لم يعمل على تأهيل قطاعه الإنتاجي، وهو الآن يعيد النظر في هذه الاتفاقيات بالتراجع عنها. ولم تقدم مراكز التفكير الاستراتيجي في المغرب دراسات جدية ومقنعة حول احتمالات نجاح المغرب في البحث عن شركاء جدد، بديلا للاتحاد الأوروبي. ومعطيات الواقع تشير الى استحالة إيجاد بديل للاتحاد الأوروبي خلال العقدين المقبلين على الأقل، ويعود هذا إلى الأسباب التالية:
في المقام الأول، ارتبط المغرب منذ قرون بالاقتصاد الأوروبي، وتضاعف هذا مع سقوطه تحت هيمنة الاستعمار الفرنسي والإسباني سنة 1912. إذ أن السوق المغربية مهيكلة على التصدير نحو الضفة الشمالية من مضيق جبل طارق. ويشكل الاتحاد قرابة 65% من صادرات وواردات المغرب، وهي نسبة مرتفعة للغاية مقارنة مع باقي دول العالم.
في المقام الثاني، علاوة على الصادرات، يقوم الاقتصاد المغربي على السياحة، ويشكل السياح الأوروبيون أكثر من 80% من الذين يزورون المغرب سنويا.
في المقام الثالث، لا يمكن تطوير علاقات اقتصادية جديدة في غياب العنصر البشري، إذ يحتضن الاتحاد الأوروبي ما يقارب خمسة ملايين مغربي، وهم يعتبرون عنصرا رئيسيا في تطوير العلاقات، بينما العنصر البشري المغربي في أماكن أخرى محدود للغاية.
على مستوى آخر، لقد نجح المغرب في قطاع معين، بسبب الظروف القاهرة ويتعلق الأمر بالواردات فقط. نتحدث عن سوق السلاح، وأمام استمرار الغرب ممارسة فيتو غير معلن على احتياجاته العسكرية كما يجري حاليا مع الولايات المتحدة، يراهن الآن بقوة على الصناعة العسكرية الصينية والتركية، فقد جمدت الولايات المتحدة صفقات عسكرية مهمة للمغرب خلال السنوات الأخيرة، وتتأخر في تسليم أخرى، فكان البديل هو السلاح الصيني والتركي. وهذا منعطف حقيقي في التسلح المغربي وبديل حقيقي للغرب سيكسبه نوعا من استقلالية القرار في علاقاته الدولية.