كيف تفرض واشنطن تدريجيا نهاية حرب اليمن/د حسين مجدوبي

صاروخ يمني

يعمل البيت الأبيض الأمريكي على دفع الأطراف المتورطة في حرب اليمن، إلى الرهان على السلم، وإنهاء المواجهات العسكرية الدائرة منذ سنوات. وينفذ في هذا الصدد استراتيجية متنوعة، ونسبيا من دون ضغوطات ملحوظة، أبرزها التحكم في الذخيرة الحربية، علاوة على تشجيع غير مباشر للحوار بين إيران والخليج العربي.
وتتبنى الإدارة الديمقراطية في واشنطن رأيا مختلفا عن الإدارة الجمهورية، التي سبقتها، فهي تعارض الحرب وتعمل على إيقافها. وهذا ليس غريبا عن الحزب الديمقراطي، الذي جعل من إنهاء هذه الحرب أولوية في العلاقات الدولية، إبان الحملة الانتخابية للرئاسيات السنة الماضية. وتدرك الولايات المتحدة صعوبة إقناع المقربين منها في الخليج، وعلى رأسهم العربية السعودية بوقف الحرب. إذ أن فرض عملية إيقاف الحرب ستفسر بأنها استسلام، لاسيما في ظل قيادة سعودية كانت تعتبر الحرب ضد الحوثيين مسألة أسابيع فقط، فإذا بها تتحول إلى سنوات من دون أفق نهائيا للانتصار، بل تستنزف القدرات المالية والعسكرية للسعودية. وتبحث هذه الأخيرة عن نهاية للحرب شريطة أن تكون عبر حل مشرف.
وأمام هذا الوضع، تنهج واشنطن في الوقت الراهن استراتيجية مكونة من ثلاثة عناصر رئيسية، تمهد لإنهاء الحرب، وقد نجحت نسبيا في تطبيق بعض مراحل هذه الاستراتيجية، وهذه العناصر الثلاثة هي:
في المقام الأول، التنديد بالحرب وتحريك المشرعين الأمريكيين إلى إصدار قرارات تندد بما تعتبره وقوع جرائم حرب في حرب اليمن، بل تم تقييد التعاون العسكري بين واشنطن وهذه الدول، للوصول إلى حلول لإنهاء الحرب. وعمليا، تعرضت وتتعرض دول «عاصفة الحزم» إلى حملة سياسية قوية في الكونغرس الأمريكي، بين الشجب والتنديد والرفض، وامتدت الحملة إلى البرلمان الأوروبي. ولم تنفع مختلف اللوبيات التي راهنت عليها دول الخليج في تغيير سياسة الكونغرس الأمريكي.

في المقام الثاني، تجميد صفقات الأسلحة الموقعة مع الدول العربية المشاركة في حرب اليمن، بما فيها تلك التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، مثل صفقة الطائرات المقاتلة أف 35، وتجميد صفقات الأسلحة للسعودية، مثل صفقة منظومة الدفاع الجوي المتطورة «الثاد». وكان مسؤولون في واشنطن وعلى رأسهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قد تحدث في مناسبات متعددة عن مراجعة سياسة بيع الأسلحة بما يتماشى مع سياسة واشنطن، وقال في هذا الإطار خلال يونيو/حزيران الماضي «ما يتم تبنيه في السياسة الخارجية يجب أن يتماشى مع سياسة الدفاع» في إشارة إلى أنه لا يمكن معارضة حرب اليمن سياسيا، بينما تستمر واشنطن في بيع السلاح إلى بعض الأطراف. ولكن المثير في الأمر هو انتقال تجميد صفقات الأسلحة، إلى تجميد الذخيرة الحية التي تستعملها قوات التحالف العسكرية في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، بحكم أن غالبية العتاد العسكري الخليجي هو أمريكي. وكشفت تقارير غربية مؤخرا حول تراجع مخزون الذخيرة الحربية لدى دول «عاصفة الحزم» خاصة السعودية، ما يجعل تنفيذها لهجمات محدود للغاية، بل يجعلها عارية دفاعيا أمام إيران. ويبدو أن هذا القرار أمريكي وغربي، لأن الدول التي تبيع الذخيرة للسعودية تشترط عدم استعمالها ضد اليمنيين، في أعقاب تقارير البرلمان الأوروبي والجمعيات الحقوقية الدولية مثل «أمنستي أنترناشنال» التي تتحدث عن وقوع جرائم ضد الإنسانية. وهناك معطى آخر لا يقل أهمية هو قرار البنتاغون سحب منظومة الدفاع باتريوت من السعودية، وسحب الخبراء العسكريين الذين كان الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب قد أرسلهم لمساعدة دول «عاصفة الحزم».
في المقام الثالث، لا تعترض الولايات المتحدة على الحوار القائم الآن بين السعودية وإيران، وكذلك بين هذه الأخيرة والإمارات من أجل تحسين العلاقات وتجاوز التوتر. وإذا تقدم الحوار سيكون نهاية للحرب في اليمن، وربما يشمل ترتيبات في مناطق أخرى، مثل لبنان وسوريا. هذا الحوار الذي يتم كشف القليل عنه علانية، بينما سرا قد قطع خطوات، إذ تكفي مراقبة تراجع التصريحات النارية بين الرياض وطهران، هو في العمق حوار مكمل للحوار والمفاوضات الدائرة بين إيران والقوى الغربية حول مشروعها النووي. ومنطقيا، لا تبدي واشنطن معارضة لهذا الحوار لإدراكها بمدى الانعكاس الإيجابي للحوار على الوضع العام في الخليج العربي والشرق الأوسط. في هذا الصدد، تهتم الولايات المتحدة بمنطقة المحيط الهادئ، التي تعتبر مستقبل التجارة العالمية ومستقبل ريادة العالم، بسبب المنافسة الصينية – الأمريكية. وهذا يجعل القيادة الأمريكية تنسحب تدريجيا من الشرق الأوسط والخليج العربي، حيث تراجعت المنطقة في الأجندة الأمريكية، وإذا انتهت الحرب في اليمن، ونجح الحوار بين العربية السعودية وإيران، فهذا يعني صفحة جديدة في العلاقات إقليميا من عناوينها الاستقرار الإقليمي، فوقتها لن تحتاج دول الخليج إلى البحث عن تعزيز ترسانتها الحربية، ولا إلى حلفاء جدد، ما سيغلق الباب أمام فرضية لجوء دول مثل السعودية إلى الصين وروسيا. وأصدرت الرياض إشارات إلى إمكانية اللجوء إلى الأسلحة الروسية، خاصة منظومة الدفاع إس 400. وكانت الإمارات سباقة إلى فتح حوار عسكري مع الصين، إلى مستوى الحديث عن فرضية تسهيلات عسكرية منحتها أبو ظبي إلى بكين في أحد موانئها، الأمر الذي أثار حفيظة الغرب وأساسا واشنطن.

Sign In

Reset Your Password