الاتحاد الأوروبي يتبنى مشروع “البوابة العالمية” لمواجهة النفوذ الصيني..والمغرب من الدول المستفيدة

العلم المغربي والأوروبي

ينوي الاتحاد الأوروبي تنفيذ مخطط ضخم وتاريخي باستثمار 300 مليار يورو يحمل اسم “البوابة العالمية” خلال السنوات المقبلة لتأهيل البنيات التحتية لعدد من الدول بهدف منافسة المشروع الاستراتيجي “طريق الحرير الصيني”. وتعتبر مناطق معنية شريكة للاتحاد وعلى رأسها منطقة المغرب العربي وبالأساس المغرب الأكثر استفادة في حالة التنفيذ وقد يعني قفزة نوعية في مفهوم الشراكة الاقتصادية وتعويض فشل مشاريع أخرى مثل الاتحاد من أجل المتوسط.
وأعلنت المفوضية الأوروبية عن المشروع الأربعاء من الأسبوع الجاري في بروكسل، وكتبت جريدة “الباييس” الإسبانية أمس أن مسؤولي الاتحاد لا يرغبون في الحديث علانية عن مشروع ينافس طريق الحرير الصيني، لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكدت أن “مقترحات دول أخرى لتمويل البنيات التحتية لدول ثالثة ليست مشاريع شفافة، وغير مستديمة ولا تشرك معها الساكنة المحلية لتعميم الاستفادة”.
وتضيف أنها بهذه التصريحات المبطنة تنتقد السياسة التي تنهجها الصين بمشروعها الضخم طريق الحرير، حيث يعتقد الأوروبيون أن أهدافه جيوسياسية بالدرجة الأولى وتتجلى في ربط الدول بالاقتصاد الصيني بل وشراء مرافق استراتيجية في بعض الدول وخاصة إفريقيا مثل المطارات والموانئ والمناجم لاسيما التي توفر المعادن النادرة الضرورية لصناعات المستقبل مثل السيارات الكهربائية.
وبدورها تبرز الصحافة الأوروبية ومنها “فرانس أنتر” في برنامج تحليل أن هدف الاتحاد الأوروبي هو مواجهة النفوذ الصيني المتعاظم في المناطق التي تعتبر منطقة نفوذ أوروبية مثل القارة الإفريقية بل وسيمتد المشروع إلى القارة الآسيوية ومنطقة أمريكا الجنوبية. وتكتب جريدة” ليزيكو” الفرنسية المتخصصة في الاقتصاد أمس أن هذا المشروع الضخم يشكل فرصة كبيرة للاستثمارات والوصول الى المواد الأولية بالنسبة لأوروبا.
وعكس طريق الحرير الصيني، يؤكد الاتحاد الأوروبي أن “البوابة العالمية” هو مشروع لا يرمي فقط إلى ما هو اقتصادي ومالي بل إلى تأكيد قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية، والتقليل من الفجرة الاقتصادية وطريقة أخرى للتقليل من الهجرة. ويهدف الاتحاد تحقيق هذه الأهداف من الآن إلى 2027، بينما الصين قطعت مسافة في طريق الحرير واستثمرت 124 مليار يورو حتى الآن.
وسيركز المشروع على عدد من المناطق، وتعتبر منطقة شمال إفريقيا أي دول المغرب العربي الخمس وهي المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا من الدول المستهدفة بهذا المشروع علاوة على باقي الدول المتوسطة. ويجمع الاتحاد الأوروبي بهذه الدول مشاريع سياسية-اقتصادية يجري تأطيرها ضمن “الشراكة وحسن الجوار” مثل الموقعة مع المغرب وتونس والجزائر.
وتشرح مصادر أوروبية لجريدة “القدس العربي” أن “منطقة المغرب العربي استراتيجية للاتحاد الأوروبي، وبدل أن نبدأ بمنافسة الصين في آسيا علينا حماية امتدادات نفوذها وتحجيم دور الصين الاقتصادي في البحر الأبيض المتوسط وبعض مناطق شرق أوروبا، وهنا يدخل الاهتمام الخاص بمنطقة المغرب العربي”.
وتدرك دول الاتحاد الأوروبي عدم رضى دول المغربي العربي باتفاقيات الشراكة الحالية نظرا لاختلال موازين التبادل التجاري. في هذا الصدد، أعلنت الجزائر الشهر الماضي وعلى لسان الرئيس عبد المجيد تبون نيتها إنهاء هذه الشراكة بصيغتها الحالية لأنها تكبد الاقتصاد الجزائري الكثير من الخسائر. ومن جانبه، أعرب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة منذ أسبوعين عن رفضه لصيغة العلاقات المغربية-الأوروبية حاليا التي تتسم بنوع من الاختلال، وحذّر في أكثر من مناسبة بفرضية انفتاح المغرب على قوى اقتصادية أخرى. وكان قرار المغرب منذ سنتين منح الصين صفقة القطار السريع بين مدينتي مراكش وأكادير جنوب البلاد بمثابة ناقوس خطر ليس فقط في الاتحاد الأوروبي بل في الولايات المتحدة، حيث تعرض المغرب لضغوط مستمرة لتجميد الصفقة ومنحها لشركة غربية.
ويأتي المشروع الجديد للاتحاد الأوروبي بعدما أدرك عدم نجاح عدد من المبادرات التي قامها ومنها مسلسل الاتحاد من أجل المتوسط الذي لم يعطي نتائج تذكر وبدأت دول تشارك فيه بمستوى ثانوي مثلما حصل في قمة برشلونة الاثنين الماضي، حيث فضل عدد من وزراء خارجية الدول العربية الإفريقية التوجه الى قمة الصين-إفريقيا بدل برشلونة.
ويجهل طريقة تنفيذ الميزانيات الخاصة بمشروع “البوابة العالمية” ومصدره القطاع العمومي والقطاع الخاص وكم نسبة القروض والمساعدات التي ستستفيد منها الدول المستهدفة بالمشروع. ويتساءل أكثر من خبير هل المشروع سيعمل على دمج القروض والمساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للدول ومنها المغربي العربي أم ستكون ميزانيات خاصة ومشاريع خاصة كذلك. وبدون شك، فهذا المشروع سيحاول تأطير كل المساعدات والقروض من أجل هدف واحد.
في غضون ذلك، من شأن المشروع الأوروبي، والذي يعتبره الخبراء متأخرا عن الصيني بسنوات، أن يسبب في صراع اقتصادي وسياسي بنكهة جيوسياسية بين الصين والاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط والقارة السمراء ومنها منطقة المغرب العربي أساسا نظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي. وليس من باب المفارقات أن الإعلان عن هذا المشروع الضخم، يأتي يوما واحد بعد انتهاء أشغال قمة منتدى التعاون بين الدول الإفريقية والصين التي احتضنتها العاصمة السينغالية دكار الاثنين من الأسبوع الجاري.

Sign In

Reset Your Password