“الهروب الكبير” هو اسم فيلم سينمائي أمريكي شهير يحكي هروب سجناء من معسكر للنازية إبان الحرب العالمية الثانية، وأدى بطولته ستيف ماكوين وجيمس كوبرن وجيمس غارنر وريتشارد أتنبورغ. ويناسب عنوان الفيلم العملية التي نفذها 24 شابا مغربيا الجمعة الماضية بعدما نجحوا في الهروب الى إسبانيا من طائرة كانت وجهتها تركي بعدما انطلقت من الدار البيضاء.
وإذا كانت أخبار الهجرة السرية عبر قوارب البحر أصبحت مألوفة بما في ذلك عندما تسجل غرق العشرات، فهذه المرة تسجل حدثا جديدا يتجلى في نجاح الحالمين بالفردوس الأوروبي تحويل وجهة طائرة ركاب انطلقت من الدار البيضاء قاصدة إسطنبول نحو مطار آخر. إذ ادعى شاب مغربي المرض المفاجئ، فما كان على الربان، تماشيا مع القانون، إلا إعلان الطوارئ والنزول في أقرب مطار، وكان مطار بالما دي مايوركا في جزر الباليار الإسبانية. وما أن حطت الطائرة وجرى نقل المريض إلى المستشفى حتى أطلق 24 شابا سيقانهم للريح مغادرين الطائرة عبر مدرج الإقلاع والنزول. وعاش المطار حالة استثنائية من الإغلاق لبضع ساعات أدت الى تغيير رحلات أخرى لمطارات قريبة.
وكما حدث في”الهروب الكبير” حيث نجح البعض في الهروب وسقط آخرون في الأسر مجددا، فقد نجح 12 شابا في تجاوز الحراسة والسياجات وكانوا على منوال جيمس كوبرن في الفيلم المذكور، في حين ألقي القبض على 12 آخرين ومنهم المسافر الذي ادعى المرض، وكانت نهايتهم مثل ستيف ماكوين الذي عاد ليداعب كرة البيسبول في زنزانته.
ورغم الفارق بين فيلم يروي الهروب من معسكر للنازية وهروب شباب من البطالة والفقر الى “الفردوس الأوروبي”، إلا أن هؤلاء الشبان المغاربة تفوقوا على فيلم “الهروب الكبير” وفق مقولة “الواقع يتجاوز الخيال في بعض الأحيان”. فعملية تنظيم “الهروب الكبير” هو تخطيط خضع لاستراتيجية عمليات الكوماندوز. ويبقى الملفت هو من أين استلهم صاحب المخطط فكرة “الهروب الكبير”؟ ثم كيف أقنع أكثر من عشرين شابا بالانخراط فيها؟ ثم السؤال الصعب في لعبة من يربح المليون: كيف نجح هؤلاء الشبان في الحفاظ على السر طيلة أسابيع من الإعداد، ولم يتسرب أي خبر حول المخطط لأفراد عائلاتهم ولا أصدقائهم المقربين، بل حتى للسلطات. قد تكون الرغبة الجامحة في الهجرة وراء “الصمت الجماعي المقدس” .
بغض النظر عن الجانب الجنائي، يستحق هؤلاء أوسكارا خاصا بالتخطيط، أي حبكة السيناريو، وجائرة التمثيل، فقد كانوا بارعين في السيطرة على السر وعلى مشاعرهم وتصرفاتهم وهم يغادرون المغرب، ثم وهم يراوغون الحرس المدني وينطلقون في كل الاتجاهات.
عفوا حتى لا ننسى، هذه الرحلة الفريدة من نوعها ما كان لها أن تتم لولا قرار الجزائر إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجه الطائرات المغربية التي تضطر الآن الى الطيران عبر شمال البحر الأبيض المتوسط. بلغة الحروب، إنها الأضرار الجانبية للنزاع المغربي-الجزائري الذي يصيب إسبانيا.
لحظة الهروب الكبير من الطائرة