تعد سنة 2020 استثنائية للاتحاد الأوروبي، سنة البحث عن البوصلة بعد خروج بريطانيا من العائلة الأوروبية رسميا ثم التوتر مع الصين وروسيا وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة نتيجة السياسة المتقلبة للرئيس دونالد ترامب، وتساؤلات حول نوعية السياسة التي سينهجها خلفه الديمقراطي جو بايدن. وعلاوة على كل هذا الجروح التي تتركها جائحة فيروس كورونا.
وواجه الاتحاد الأوروبي خلال العام تحديات كبرى أبرزها طريقة التعامل مع جائحة كورونا، حيث تبين أنه بعد ستين سنة من إنشاء هذا التكتل والذي مر بمراحل متعددة حتى بلغ شكله الحالي، يفتقد لاستراتيجية موحدة لمواجهة حال الطوارئ القصوى مثل الوباء العالمي الحالي. وعمليا، ورغم الطابع شبه الفيدرالي لسياسة الدول الأوروبية بزعامة المفوضية الأوروبية، فقد فشل الاتحاد الأوروبي في البدء في توحيد المعايير لمواجهة الجائحة إلى مستوى تساءل مواطني بعض الدول عن دور الاتحاد هل هو بيروقراطي يتكفل فقط بتوزيع أموال صندوق التماسك ويعجز أمام قضايا مثل الهجرة والآن الوباء؟ وكانت مناسبة هذا السؤال هو الوضع الكارثي الذي كانت عليه إيطاليا منتصف آذار/مارس الماضي عندما تخلت عنها أوروبا بل الغرب برمته وتركت البلاد تواجه لوحدها الوباء حتى جاءت المساعدة الطبية من الصين والتي شكلت متنفسا.
في الوقت ذاته، شهد الاتحاد الأوروبي انقساما حول طريقة توزيع الميزانية الخاصة بإنقاذ اقتصاديات الدول الأوروبية من التدهور بين شمال تتزعمه هولندا وفنلندا متشدد في الشروط، وبين جنوب مكون من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا يطالب بالليونة وتساءل عن ماهية التكتل إذا لم ينقذ باقي الأعضاء في أكبر جائحة تشهدها البشرية خلال المئة سنة الأخيرة.
وتساءلت أكثر من جريدة كبرى مثل “لوموند” الفرنسية و”كورييري دي لا سيرا” الإيطالية و”الباييس” الإسبانية عن فشل الاتحاد الأوروبي في الالتحاق بركب الدول الكبرى في اللقاحات وهي روسيا والصين والولايات المتحدة لاسيما بعدما تحول اللقاح إلى رمز للقوة واكتسب طابعا جيوسياسيا كبيرا كما تشير جريدة “لوموند” الأسبوع الماضي في تحليل لها حول الموضوع. وشهدت أوروبا لقاحات، ولكن كان بريطانيا خالصا وهو استرازينيكا لبريطانيا التي غادرت العائلة الأوروبية، ثم مشاركة ألمانيا في اللقاح الأمريكي فايزر ولكن لم تنجز ولو دولة واحدة لقاحا أوروبيا خالصا.
ووسط أسوأ أزمة يمر منها الاتحاد الأوروبي، يتم إعلان الطلاق والخروج الرسمي لبريطانيا نهاية السنة. ويشكل هذا الحدث ارتياحا كبيرا خاصة لكل من برلين وباريس التي اعتبرت لندن عائق اندماج أكثر منه عاملا مساعدا على الوحدة.
ويحاول الاتحاد الأوروبي تحقيق قفزة نوعية بعد مرحلة ما بعد كوفيد-19 والبريكست، وتضم الأجندة نقاطا كثيرة ولكن أبرزها يتجلى في:
أولا: تطوير البنية التحتية الأوروبية لقطاع الصحة والتنسيق بين مختلف الدول خلال الأزمات. وعمليا، شهد هذا الوباء التنسيق الأولي من خلال نقل المرضى من فرنسا إلى ألمانيا أو من بلجيكا إلى هولندا. وفي ارتباط بهذه النقطة، قررت المفوضية الأوروبية تطوير البحث العلمي في مجال الطب وعدم تركه فقط في يد الشركات المتعددة الجنسيات التي لديها أجندة مختلفة عن الأمن القومي الصحي للدول الأعضاء.
ثانيا، تخصيص ميزانية ضخمة تتجاوز 600 مليار يورو على شاكلة مشروع مارشال لتنشط الاقتصادي الأوروبي بعدما تضرر كثيرا نتيجة انخفاض الاستهلاك والصادرات. وستحتاج الدول الأوروبية إلى خمس سنوات لتعود إلى مستوى الاقتصاد سنة 2019 خاصة وأن تراجع الإنتاج القومي الخام في البعض منها كان قاسيا مثل حالة إسبانيا وفرنسا وإيطاليا بأكثر من 10في المئة.
ثالثا، رسم خريطة طريق جيوستراتيجية للاتحاد الأوروبي ليصبح ضمن الكبار، وقد شدد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والدفاع جوسيب بوريل على هذا التوجه في أكثر من تصريح له خلال السنة التي ستنتهي، مؤكدا أنه لا يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي أكبر سوق في العالم والفضاء الذي يمتلك أكبر نسبة من الشركاء التجاريين في العالم والمنطقة التي تشهد أكبر استقرار في ظل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويحتل مكانة ثانوية في صنع القرار الدولي بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا. وتميل مختلف التقارير الصادرة عن مراكز التفكير الاستراتيجي إلى إقدام الاتحاد على قرارات تعد هامة بشأن كيفية التعامل مع الصين بعدم التساهل في التبادل التجاري بدون شروط، وتبني لغة صارمة تجاه سياسة موسكو وضغوطها ضد بعض دول الاتحاد، ثم إعادة هيكلة العلاقات مع واشنطن بعد ذهاب دونالد ترامب ومجيئ جو بايدن.
في غضون ذلك، تبقى سنة 2021 منعطفا حقيقيا للاتحاد الأوروبي نحو إيجاد البوصلة التي سيبحث عنها أو يستمر في المشاكل البيروقراطية التي دفعت دولة من حجم بريطانيا إلى مغادرته في ظل انتعاش خطابات اليمين القومي المتطرف الذي يطالب بحل هذا الاتحاد.