“رجال في البحر” إنها المأساة الجديدة للهجرة السرية من جنوب البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، لكن هذه المرة تنتهي بالحالمين جثثا بل هياكل عظمية ثلاثة تعود لمغاربة ومصري وثلاث من جنسيات أخرى في حاوية للشحن الدولي في الباراغواي بأمريكا الجنوبية.
وإذا كانت رواية غسان الكنفاني “رجال في الشمس” قد وقعت في فترة زمنية قصيرة وهي العبور من نقطة حدودية من العراق الى الكويت، وانتهت بالمأساة الشهيرة أدبيا اختناق الرجال في خزان الشاحنة، فهذه المرة المأساة مضاعفة وغريبة في وقائعها، وبدل الشاحنة هناك السفينة وحل محل الخزان الحاوية والمسافة تعد بآلاف كلم.
فقد انطلقت سفينة للشحن الدولي من كرواتيا بعدما توصلت من صربيا عبر النهر بحاويات منتصف يوليوز/تموز الماضي، ومرت عبر مصر ثم اسبانيا وقطعت المحيط الأطلسي نحو الأرجنتين، وبالضبك بوينوس أبرس ومن هناك جرى نقل بعض حاوياتها الى الميناء النهري تيربور في مدينة فييتا القريبة من عاصمة الباراغواي أسونسيون. وعندما حاول موظفون الجمعة من الأسبوع الجاري فتح حاوية معينة كانت مليئة بالأسمدة لتسليم البضاعة الى أصحابها، كانت المفاجأة القاتلة، سبعة جثث متحللة، حيث لم يبقى من اللحم سوى القليل وقد تحولت الى هياكل عظمية.
ويقول الطبيب الشرعي بابلو لمير الذي أشرف على نقل ما تبقى من الجثث حسبما نقلت جريدة “أولتيما هورا” الباراغوية اليوم السبت “وجدنا سبعة هياكل عظمية بالكاد مكسوة باللحم المتحلل، فقد قامت الأسمدة بتسريع تحلل الجثث، ومن كثرة نقل الحاوية من شرق أوروبا الى جنوب أمريكا اللاتينية فقد تداخلت الجثث وتكسرت العظام ويتطلب الأمر عملا مضنيا للتعرف على عظام كل شخص متوفي من أصل السبعة”. وتؤكد السلطات “هناك سبعة هياكل عظمية ولكن عثرنا فقط على أربع وثائق للهوية، ثلاثة لمغاربة وواحدة تعود الى مصري”، ولا تستبعد أن تكون الجثث الأخرى لمغاربة أو مصريين أو من شمال إفريقيا مثل تونس والجزائر.
وثائق هوية صربية للمغاربة الثلاثة التي تم العثور عليها في الحاوية
ويبقى التفسير الوحيد هو اعتقاد الشبان السبعة بأن سفينة الشحن الدولي كانت ستتوقف في ميناء أوروبي وبعدها يتسللون أو يسلمون أنفسهم الى سلطات البلد مع ضمان عدم ترحيلهم بسبب توقف عمليات الترحيل نتيجة الوباء العالمي فيروس كورونا، لكن ما حدث هو أنهم اختاروا الحاوية الخطئ، وانتهوا هياكل عظمية على بعد آلاف كلم من أوروبا، في قلب أمريكا الجنوبية.
“رجال في البحر” إنها أغرب مأساة للهجرة السرية بدأت في نهر صربيا وانتهت في نهر باراغواي في الباراغواي بعدما عبرت البحر الأبيض المتوسط ثم المحيط الأطلسي، أي قرابة 20 ألف كلم، كان حلم شباب، وانتهوا هياكل عظمية.