بعد اعتقال الصحفي ومؤسس أخبار اليوم توفيق بوعشرين نشرت مقالا اخترت له عنوان ” الجنس وسياسة الكيل بمكيالين” وقد كانت الغاية من نشر ذلك المقال، هي إبراز كيف تكيل السلطة بمكيالين، في التعاطي مع بعض الجرائم الجنسية التي تحدث في المغرب!
ومن باب التذكير، فإن المقال السالف الذكر، تناول قضية اغتصاب صحفية متدربة، تعرضت لكل أنواع الإهانة، والسب، والقذف، من طرف الذباب الإلكتروني لحماية المفسدين، لأن المتهم باقتراف الجرم، كان من المسؤولين الكبار في القناة الثانية، الذين يتمتعون بالحماية والنفوذ!
هل تعاملت النيابة العامة، ومعها أجهزة الدولة المكلفة بإنفاذ القانون، مع قضية هذه السيدة، التي نشرت العديد من التدوينات المؤلمة في الفايسبوك، بنفس الأسلوب، الذي تم التعامل به يوم الجمعة الماضي، مع الصحفي رئيس تحرير أخبار اليوم سليمان الريسوني، بسبب تدوينة منسوبة لشخص، يدعي فيه تعرضه لاعتداء جنسي بالقوة سنة 2018، وفق ما تم ترويجه من قبل الذباب الإلكتروني، وفي مجموعة من المواقع الإلكترونية القريبة من السلطة؟ أم أن لكل قضية طريقة خاصة في التعامل معها؟
القاعدة تقول بأن ” المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته” غير أنه، بالنظر لطبيعة الحملة التي استهدفت الصحفي سليمان الريسوني مند شهور، من طرف جهات معادية للشرفاء من الصحفيين والحقوقيين، وبالنظر أيضا، إلى أن الأجهزة الأمنية هي من بحثت عن الهوية الحقيقة لصاحب التدوينة، وهي من ربطت الاتصال به، وهي من قامت باستدعائه للاستماع إليه، فإن قرار اعتقاله، يطرح أكثر من علامة استفهام، حول خلفيته الحقيقية، لاسيما، وأن الحقوقيين، نبهوا مند الوهلة الأولى لشيوع خبر اعتقاله، إلى خطورة استغلال حالة الطوارئ الصحية، للانتقام من الرجل كصحفي حر ومستقل، عبر تحريك شكايات كيدية، وذات طابع جنائي في مواجهته!
من هذا المنطلق، وبما أن لحظة الاعتقال، ثم توثيقها من طرف بعض المواقع الالكترونية، التي لها سوابق مخزية، في التهجم على الصحفي سليمان الريسوني، وعلى أسرته، وعلى عدد من الحقوقيين، وبما أن الذباب الإليكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي، قد روجوا مباشرة بعد نشر خبر توقيفه أمام بيته من طرف مجموعة كبيرة من رجال الأمن، لتهمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي، في غياب أي بلاغ رسمي للنيابة العامة المختصة في الموضوع، فإن اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، من غير المستبعد، أن يكون محكوما في تقديري الشخصي، بأمور كثيرة من بينها ما يلي:
أولا: الريسوني شخص لا يمارس الصحافة بمنطق التوازنات، ويؤمن ايمانا ترودوكسيا، بأن حرية الصحافة، وحرية الرأي والتعبير فوق كل اعتبار،
ثانيا: سليمان الريسوني من الصحفيين الأكثر ارتباطا وقربا (فكريا ووجدانيا) من جيل عشرين فبراير الذي رفع شعار (الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد) في حراك 2011،
ثالثا: سليمان الريسوني صحفي مجتهد، ويتمتع بثقة مصادره، وله ذكاء حاد، وقدرة خارقة على اقتحام حقول الألغام، وتفجير عبواتها الناسفة،
رابعا: سليمان الريسوني ينتمي إلى أسرة عالمة وهو شقيق لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحمد الريسوني الذي تزعج مواقفه وأفكاره أطراف في الدولة لا تنظر إليه بعين الرضا،
خامسا: الصحفي سليمان الريسوني ملأ فراغ توفيق بوعشرين، وأعطى نفسا جديدا لأخبار اليوم، بمعية باقي زملائه في الجريدة، وهذا في حد ذاته، جريمة لا تغتفر، لأن إغلاق هذه الجريدة وإسكات صوتها، كان من بين أهداف اعتقال توفيق بوعشرين غير المعلنة،
سادسا: الصحفي سليمان الريسوتي شخص ديناميكي، ويستطيع التحرك على أكثر من مستوى، وإذا عدنا لمحاكمة كل الصحفيين الذين مروا من تجربة الإعتقال، إلا ووجدنا سليمان أهم عنصر في لجان الدعم والمتابعة، وهذا في حد ذاته مشكلة تؤرق أعداء حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير،
سابعا: في ملف توفيق بوعشرين، كان للصحفي سليمان الريسوني، دورا كبيرا في فضح عدد من الأشخاص، والممارسات، والخروقات، كما لو أنه عبوة ناسفة من العيار الثقيل،
ثامنا: الريسوني صحفي لا يجامل أي جهة، ويكتب بكل جرأة عن كل ما يفكر فيه هو، وليس ما يمليه عليه الآخرين، مما خلق له الكثير من الخصوم الذين يتمنون له السجن،
تاسعا: سليمان الريسوني إلى جانب أنه صحفي جريئ، فإنه شخص مثقف بكل ما للكلمة من معنى، ويتحلى بالكثير من التواضع.كما أنه إنسان صادق في إحساسه ومشاعره،
عاشرا: سليمان الريسوني من الصحفيين الذين يؤمنون بأن توسيع هامش الحرية معركة لها ثمن وكان دائما يقول لأصدقائه بأن الصحفي الذي ينشد الحرية والتغير والإصلاح عليه أن يكون مستعدا لاسوأ الاحتمالات بما في ذلك الأماكن المغلق، وقبل أن يتم توقيفه يوم الجمعة، كانت بعض المواقع الإلكترونية، التي تمثل اليوم لسان حال السلطة، قد نشرت ما يفيد اعتقال الصحفي سليمان الريسوني خلال العيد، وهو ما حدث بالفعل.
من الصعب جدا، تصديق أن الصحفي سليمان الريسوني، الذي اصطف بالأمس مع أحرار الوطن، في صف ضحايا البيدوفيل كالفان، الذي اغتصب عدد من الاطفال، وتم إطلاق سراحه بعفو ملكي، أن يتحول اليوم، إلى متهم باغتصاب شاب في سنة 2018!
أين كان الضحية المفترض قبل سنتين؟ لماذا لم يقدم أي شكاية في الموضوع واكتفى بتدوينة فقط؟ ومن حرك الدعوى ضد الصحفي سليمان الريسوني؟ وعلى أي أساس قانوني تم توقيفه من طرف مجموعة من رجال الأمن؟ ومن هي الجهة التي أمرت بذلك؟ ولماذا لم يصدر أي بلاغ في الموضوع من النيابة العامة المختصة لتوضيح ملابسات توقيفه؟ ولماذا أحاله الوكيل العام للملك على قاضي التحقيق؟ وعلى أي أساس تم إيداعه بسجن عكاشة من طرف هذا الأخير؟ وهل هناك من دليل يدينه؟ ولماذا لم تتم متابعته في حالة سراح مادام أنه يتوفر على ضمانات الحضور؟
كل المؤشرات تدل على أن الاعتقال تعسفي، وعلى أن قرار إيداعه بسجن عكاشة من طرف قاضي التحقيق، قرار مؤلم في ظل عدم وجود حالة التلبس، وفي ظل انتفاء أدلة الإثبات، ومنطق المحاكمة العادلة، يقتضي أخد قرينة البراءة بعين الاعتبار، وتوفير كل الضمانات للمعني بالأمر.