“وفوقهم تنتصب سلطة هائلة تتكلف لوحدها بضمان سعادتهم و السهر على مصيرهم، سلطة مطلقة، تتوقع كل شيء و بنعومة سلطة الأب توهمهم بأنها تحضرهم لمرحلة النضج بيد أنها لا تبحث في الحقيقة إلا على تثبيتهم في مرحلة الطفولة”. أليكس دو طوكفيل” اليمقراطية في أمريكا. 1840
“الماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء” و “المغلوب دائما مولع بتقليد الغالب”. ابن خلدون
هذا حال المفكرين الكبار أمثال طوكفيل وابن خلدون، يبدو كلامهم كلام أنبياء يخترق الأزمنة.
إن الهدف من هذا المقال أولا هو تقديم معطيات للتفكير فيها بجدية من أجل تكوين تصور عما يتم التحضير له للدخول في عصر جديد سميته في مقال سابق على نفس الجريدة (ألف بوست) بعصر الحكامة الألغوريتمية، حكامة جديدة تخترق الدول والحكومات وتعصف بكياناتها لصالح المستحكمين في البيغ ضاطا، لصالح بضع شركات رقمية تتحكم في مجمل كَمٍّ غير مسبوق من المعلومات تنتقل عبر العالم عبر الأنترنيت والوسائط الاجتماعية. وثانيا، للتفكير في مخرجات لتقليص الخسائر الناجمة عن هذا التحول القادم.
لقد دخلنا عصرا جديدا انهارت فيه القيم التجارية والسويوثقافية القديمة وأضحت فيه المعلومات الرأسمال الحقيقي، مجال الصراع والتحكم وحصان طروادة، معلومات تنتقل بسرعة الضوء، لا تترك لنا، دولا ومجتمعات، الوقت ولا القدرة على تقرير مآل الأشياء والأحداث بطريقة حرة وإرادية.
إنه تسونامي جارف يمتطي صهوة أمواجه الرأسمال التقني Le Techno-capitalisme الذي خلق أنثروبولوجيا جديدة تسمى أنثروبولوجيا الدالة الأسية L’anthropologie de l’exponentiel أفضت إلى ثلاث حقائق دامغة:
–نزوع متزايد إلى استساغة الظواهر الأكثر عُجْباً لأن سرعة حدوثها تمنحها طابعا تلقائيا يحجب عنا طابعها الاستثنائي بل الغير الطبيعي.
–إخفاء المصادر المسببة لما يقع، إضمار الأهداف المسطرة، وطمس آثار هذه المشاريع عبر تعقيد شبكاتها وتمويه تفاعلاتها مما يضعف قدرة السياسة على التدخل.
–ترسيخ الإيديولوجيا القائلة بأن التاريخ يتحرك أساسا بفعل قوى جامحة لا يمكن كبحها، وها هي تتدخل اليوم أكثر من أي وقت مضى وبقوة غير مسبوقة.
إن الرأسمالية التقنوية تعرف بأن ما يَهُدُّ قوى الدول هو التكاثر الأٌسِّي للمعلومات الذي يضع التاريخ في مُسَرِّعٍ للأحداث يجعلها تتناسل إلى ما لانهاية وتنتشر في الجسد الاجتماعي بسرعة كما يفعل السرطان في الخلايا في مرحلة الانتشار.
وهذا بالضبط هو ما يجب علينا أن نسائله ونواجهه، شعوبا وحكومات، لأنه يضعف وضوح الرؤية ويهدد حرية التفكير والتخطيط للمستقبل.
إن الحكمة ليست مسألة تشاؤم أو تفاؤل بل عدم التفريط في المكتسبات التي بذلت الإنسانية من أجلها الغالي والنفيس، وعلى رأسها الحرية والسيادة. صحيح أنه لا يمكن العودة إلى عصر ما قبل الرقميات، لكن هذا لا يمنع من البحث عن تنظيم مشروع الحكامة الألغوريتمية وتوجيهها نحو سعادة أبناءنا وبناتنا بدل إجبارهم على سلك طريق محدد، يمشون فيه مطأطئي الرؤوس مسلوبي الإرادة.
في آخر المطاف، ثمة شيء أكيد: الألغوريتمات أسلحة اليوم، صحيح أنها ناعمة، لكنها مثل الأسلحة التقليدية، تنشد التحكم والسلطة من طرف الأمراء الجدد الماسكين اليوم بالتكنولوجيا الرقمية.
في هذا المقال، سنتعرف على برنامج من بين أخرى لهذا المشروع التحكمي المتشعب المسالك المتعدد الأطراف، وأقصد به برنامج رقمنة الهوية Digital identification ، و سنستكشف بعض الخطوات التي تأتي تباعا، ومنذ مدة، للمرور إلى هذا الوضع الجديد. هل يمكن اعتبار جائحة كوفيد-19 بمثابة مرحلة قالِبة Disruptive phase ترتفع فيها وتيرة التغيير لفرض هذا الواقع الجديد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا؟ هذا ما سنراه.
1-برنامج رقمنة الهوية: السياق والإجراءات
عطفا على ما أشرت إليه، ثمة إيديولوجيا لهاته الشركات الرقمية العالمية يمكن نعتها بالحرية الفوضوية Libertarism تقوم على قانون السوق، الحكامة عبر المعطيات، والانفلات من النقاش السياسي ورقابة الحكومات بذريعة تصلب القوانين الجاري بها العمل وضرورة استبدالها بقواعد ألغوريتمية. بالنسبة إليها، لا مجال للاعتبارات الأخلاقية المتعارف عليها وتريد فرض أخلاق خاصة بها تعتبرها أهم وأسمى.
في صلب هذا النسق الأخلاقي الجديد، نجد برنامج رقمنة الهوية الذي تم طرحه منذ 2016 وتم وضع اسم خاص به: ID-2020 . هذا التاريخ لم يحدد اعتباطا بدليل ما بدأ في متم سنة 2019 واستفحل خلال 2020. لهذا أشرت إلى المرحلة القالبة أو مرحلة السرعة القصوى.
حين نعود إلى هرم Maslow أي الهرم التراتبي لاحتياجات الانسان، على بعض عِلاَّتِه، نجده يحددها كما يلي:
1- الحاجة إلى تحقيق الذات داخل المحيط المباشر والمجتمع والعالم وذلك عبر عمل كريم.
2- الحاجة إلى التقدير والعرفان
3-الحاجة إلى الانتماء
4- الحاجة إلى الأمن والأمان
5-الحاجة إلى توفير الاحتياجات الفيزيولوجية.
في بيان مشروع ID-2020 لا نجد أية إشارة لهذه الاحتياجات بل يصر على أن الاحتياج الإنساني الأول هو القدرة على إثبات الهوية التي يعتبرها حقا عالميا، مضيفا أن الهوية الرقمية أفضل وسيلة لتحقيق ذلك ما دامت كل الوسائل السابقة لم تف بذلك (وخاصة بالنسبة للفقراء واللاجئين)، وهذه لا مساواة حقيقية، يضيف البيان !
من حق كل شخص إذن أن تكون له هوية رقمية ! هل من فكرة أنسب لتمرير مشروع الحكامة الألغوريتمية؟
في سنة 2019، ثلاث سنوات بعد الإعلان الرسمي عن البرنامج، شُرِعَ في تطبيقه في البنغلاديش بتعاون بين حكومة هذا البلد والتحالف العالمي من أجل التلقيح والتمنيع (من المناعة) GAVI.
هوية رقمية وتلقيح. أية علاقة بين الاثنين؟ هل الأولى تمر عبر الثانية؟ دعونا نتقدم في النقاش.
حين نمحص في أسماء الشركاء الأساسيين في مشروع ID-2020 نجد: مؤسسة GAVI ، مؤسسة روكفيليلر، مايكروصوفط ، و Ideo.org علما بأن الشركاء الرئيسيين في هذه الأخيرة هم: مؤسسة روكفيلير، مؤسسة بيل وميليندا غيتس و مؤسسة جيف بيزوس رئيس أمازون.
2-رقمنة الهوية أم تعقب رقمي عالمي؟ التقنية والإنجاز
تقوم تقنية رقمنة الهوية على التعقب عبر موجات الراديو RADIOFREQUENCY IDENTIFICATION وقد وظفت سابقا في المتاجر لاجتناب سرقة الألبسة والمنتوجات الغالية الثمن كما تستعمل في جوازات السفر وتعقب بعض الحيوانات الأليفة أو تلك المعرضة للانقراض.
فيما يتعلق بتطبيقها على الإنسان حسب ID-2020، يتعلق الأمر بإدخال جيل نانوتكنولوجي، إما عبر اللقاح أو غيره، يحتوي على رُقَيْقَةٍ متنهاية الدقة (النانومتر مليون مرة أقل من السنتيمتر)، تمكن من تحديد الأشخاص عن بعد عبر ذبذبات الراديو كما قلت قبل قليل.
في حالتنا هذه، ستستقر هذه النانورُقَيْقَة على سطح العظم القريب من المنطقة التي تم إدخالها فيها لتتماهى بعد ذلك مع الخلايا العظمية إلى الأبد ولن يمكن إخراجها إلا باقتلاع العظم.
نحن لسنا إزاء فيلم خيال علمي من قبيل ماطريكس بل أمام معلومات باحثة اشتغلت لمدة 20 سنة في وكالة FIMA (الوكالة الفيدرالية المكلفة بالحالات المستعجلة) التابعة لمصلحة الأمن الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية، وقد انضافت هذه الباحثة اليوم إلى لائحة متزايدة من موجهي الإنذارات Lanceur d’alertes عبر العالم.
3- مشروع الهوية الرقمية وجائحة كوفيد-19:
لحد الآن، لا نعرف من أين أتى فيروس كوفيد-19، هل يتعلق الأمر بفيروس طبيعي أم بفيروس مصنع. لكن المؤكد هو أنه ثمة تململات جيوسياسية كبرى، تبادل اتهامات بين طرفين قويين يتصارعان من أجل الظفر بالعالم خلال القرن 21، مصالح اقتصادية كبرى متشابكة تتقاطع في 3 مسائل من بين أخرى: مشروع رقمنة الهوية، الأنترنيت 5G، واللقاح المنتظر لكوفيد-19.
أ–تذكير:
في السبعينات، كان تمويل منظمة الصحة العالمية يتم بالشكل التالي: 79 % من الدول الأعضاء مقابل 21 % من الصناديق الخاصة. اليوم، صار العكس صحيحا، 80 %من تمويل هذه المؤسسة يأتي من الاستثمارات ورساميل المؤسسات الخاصة Fundations.
إذا تعمقنا أكثر في مصادر تمويل هذه المنظمة اليوم، سنجد أربع ممولين كبار:
–الولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا الصناديق الخاصة. انسحبت الولايات المتحدة مؤخرا من التمويل ولم تنسحب الصناديق الخاصة.
–مؤسسة بيل وميليندا غيتس
–مؤسسة روتتشيلد
–مؤسسة كافي GAVI التي يوجد على رأس شركائها الكبار 3 مؤسسات وهي: مؤسسة بيل وميليندا غيتس، مؤسسة روكفيلير ومؤسسة جورج صوروص.
ب–فن الكرم الكاذب:
في شهر مارس الأخير، صدر كتاب لييونيل أستروك Lionel Astruk “فن الكرم الكاذب: مؤسسة بيل وميليندا غيتس” وهو عبارة عن تحري حول هذه المؤسسة، وضح فيه المؤلف ما يلي:
–أولا: بأن الأموال التي ضخها بيل غيتس في هذه المؤسسة كان الهدف منها إيهام الإدارة الأمريكية بأنها تعنى بالمجال الخيري للتملص من الضرائب كما ينص على ذلك القانون الأمريكي. هكذا، يقول أستروك، لم تدفع هذه المؤسسة ولا دولارا واحدا كضرائب علما أنها تستثمر في 3 قطاعات حيوية وهي: الصحة، البترول والبذور الغذائية (عبر شركة Monsanto).
–ثانيا: بأن أرباح هذه الاستثمارات تمنح للدول الفقيرة والنامية لكن شريطة شراء مادتين فقط: اللقاحات والبذور. بهذا تكتمل الحلقة ! وبهذه الطريقة، يضيف الكاتب، قفزت ثروة بيل غيتس في بضع سنوات من 50 إلى 100 مليار دولار.
وبهذا، أصبح بيل غيتس الذي لم يدرس الطب أبدا أكبر ممول لمنظمة الصحة العالمية ومايسترو حملات التلقيح في العالم، هو الذي لم يقم أبدا يتلقيح أطفاله الثلاثة كما أكد الطبيب الخاص السابق للعائلة في حوار له يشبه حالة تأنيب ضمير!
ج–حملات التلقيح التي يشرف عليها بيل غيتس: بعض الآراء والوقائع
لمعرفة طبيعة وآثار حملات التلقيح التي يشرف عليها بيل غيتس وشركاؤه في مختلف أنحاء العالم، إليكم بعض الشهادات والوقائع:
*أولا: ما جاء على لسان المحامي الأمريكي روبير كينيدي المنافح منذ سنين ضد حملات التلقيح التي يقودها بيل غيتس عبر مؤسسته:
–قام بيل غيتس بتخصيص 1,2 مليار دولار للقضاء على داء البوليو في الهند فوضع يده على الوكالة الصحية الهندية.
–تعرض 496.000 طفل للكُساح بفعل هذا اللقاح بين 2000 و 2017
*ثانيا: وفي نفس الإطار، صدر أخيرا تقرير لمؤسسةHealth Impact News يثبت ان إمبراطورية اللقاح بنيت على الكذب والغش والرشوة وبانها بدأت في الانهيار خارج الولايات المتحدة.
*ثالثا: تم رفع دعوى قضائية للمحكمة العليا الهندية سنة 2012 ضد الرباعي المشرف على حملة التلقيح المذكورة ويتعلق الأمر بمنظمة الصحة العالمية، مؤسسة بيل وميليندا غيتس، PATH (برنامج استعمال التكنولوجيا المناسبة في المجال الصحي) إضافة إلى GAVI اللذين تمولهما أيضا مؤسسة بيل غيتس.
وجاء في نص الدعوى القضائية المقدمة أن الرباعي متهم بتقصير ذا صبغة جرمية بتجريبه لقاح على التلاميذ دون إشعارهم أو إشعار أولياء أمرهم بمخاطره. أيضا، تم الكشف على أنه تم اختيار أطفال فقراء جدا إما بدون آباء أو أن آباءهم اميون وبأن مطبوع الموافقة تم توقيعه في أغلب الحالات من طرف حراس مآوي الشباب التي يقيم فيها هؤلاء التلاميذ.
نفس الملاحظة تنسحب على القارة الإفريقية التي تعيش حالة فوضى على مستوى اللقاحات يشرف عليها نفس الرباعي. تذكروا معي ما قاله ذلك الطبيب الفرنسي على LCI الفرنسية حول تجريب اللقاحات في إفريقيا.
لحسن الحظ، ثمة أصوات حرة (توسم بالمُهَلِّلَةِ لنظرية المؤامرة) من مختلف البلدان والأعمار والمشارب تقف في وجه هذا البرنامج (ومشروع الحكامة أو التحكم الرقمي ككل)، ومن بينها البروفيسور ديديي راوولت الذي يعتبر من أفضل علماء الفيروسات في العالم والذي تم استدعاؤه للولايات المتحدة عقب ظهور فيروس الجمرة الخبيثة ليكتشف أنه من صنع الجيش الأمريكي.
هل تعتقدون أن الهجوم الشرس على البروفيسور راوولت بسبب عدم احترامه للبروتوكول العلمي المعمول به؟ هل نحن في زمن عادي كي يتم التصديق بهذا العذر؟ أو لم يصرح الرئيس ماكرون بأن فرنسا في حالة حرب؟ أليس لكل سياق إجراء؟
لقد تمت معارضة هذا العالم الكبير لسببين اثنين: أولا، لرؤيته الاستباقية بتوفيره عددا كبيرا من تحاليل PCR وهو ما عجزت عنه دول برمتها. ثانيا، لتقديمه حلا سهلا رخيص الثمن (في غياب لقاح أو دواء خاص بالفيروس الجديد يستدعي توفيره 18 شهرا على الأقل للمرور من مراحل (أ، ب و ج) المعمول بها في البروتوكول الخاص بالأدوية لاعتمادها بشكل رسمي)، مؤكدا على أن العلاج يجب أن يكون في بداية الإصابة وليس بعد أن تتعقد الأمور ويكون العلاج مستحيلا.
ثم، ماذا عن دراسة ديسكوفريDiscovery التي قيل بأنها ستجري في العديد من معاهد ومستشفيات دول الاتحاد الأوروبي، بأنها ستحترم المنهجية العلمية En double aveugle القائمة على المقارنة بين النتائج المحصل عليها عند مرضى يتناولون الدواء وآخرين يتم إيهامهم بذلك (Placebo effect) لاجتناب الإشراط النفسي؟ ألم يقل بأن نتائجها ستظهر في متم شهر أبريل؟ نحن الآن على بعد أيام من انصرام شهر ماي ولا أثر لأية نتائج وها نحن نرى بأن أغلب الدول الأوروبية بدأت مسلسل الخروج من الحظر الصحي.
والحالة هذه، أعتقد بأن هذه النتائج لن تظهر حتى يبقى الوضع ملتبسا ويتم بيع ملايير اللقاحات حين تظهر علما بأن اللقاح لن يكون صالحا إلا لمدة قصيرة بفعل تحول الفيروس مما يستدعي صناعة لقاح آخر، وهكذا دواليك.
د–جائحة كوفيد-19 ورقمنة الهوية:
هل كان ممكنا، لو استمرت الحياة في شكلها العادي، أن يتم قبول فكرة ترقيم الناس وتتبعهم كما لو تعلق الأمر بألبسة أو حيوانات؟ قطعا لا، كانت ستقام تظاهرات حاشدة وسيعلن الجميع رفضه لهذا المشروع الذي ينهل من الفكر الطايلوري (نسبة إلى طايلور) القائم على النظر للعالم (والإنسان) كأرقام، ك 0 و 1، والاهتمام فقط بكل ما يمكن قياسه.
لكن، حين يتم تخويف العالم بفيروس عابر للقارات وأرقام موتى مهولة، حين يتم إرباك الحكومات فتقوم بإدخال المواطنين إلى منازلهم لشهور، حين يرتفع منسوب قلقهم ويحرمون من أبسط الأشياء، حين يرون بأن العودة إلى الحياة العادية أمر صعب، سيزيد احتمال قبولهم بإدخال رُقَيْقَة لتتبعهم. التتبع مقابل الخروج من الحجر الصحي، مقابل العودة للحياة كما كانت عليه قبل الجائحة.
لقد أثبت العديد من علماء النفس أن ردة فعل الإنسان أمام الحجر الصحي تمر عبر عدة مراحل: مرحلة أولى ينتفض فيها المرء ضد القرار ويريد فعل العكس وهو ما يسمى بالمقاومةThe reactance ، وهنا يتم التدخل بكل أنواع القوة والزجر (ماديا كان أم ماليا) لثنيه عن ذلك، وهو ما تقوم به الحكومات مرغمة بعد تعريضها لحالة من الاستفراغ والخوف وفقدان البوصلة أمام سيل جارف من المعلومات خلق ما سميته من قبل أنثروبولوجيا الدالة الأسية. أما بعد إعلان الخروج من الحجر، فيتملك المرء شعور بالخوف من مغادرة منزله قد يصل أحيانا إلى حالة رهاب (فوبيا) مثلما يحصل للسجين تماما عند دخول السجن وعند الخروج منه بعد قضاء مدة معزولا عن العالم الاجتماعي.
دفع الحكومات إلى سن قرار الحجر الصحي يهدف أيضا إلى إحداث المزيد من التفقير، تفقير الدول والمواطنين. هنا، وجب التذكير بأن العديد من الباحثين، من بينهم فرانك ليفي وريتشارد مورنان سنة 2004 في كتابهما “The new division of labor ، أشاروا منذ أواسط التسعينات بأن الرقميات ستزيد من تعميق اللامساواة على مستوى الشغل والصحة والتعليم وغيرها من المجالات، وبأن هناك توجها عالميا، تتزعمه غوغل، يقضي بأن المختصين في مجال الرقميات من طينة أخرى، بأن عملهم الأفضل وبالتالي هم أنسب الفئات لتدبير حيوات المواطنين بفضل الألغوريتمات. كما بَيَّنَ كارل بينديكت ومايكل أوسبورن في دراسة لهما (2014) بأن 47 %من مناصب الشغل مهددة من طرف الرقمنة وخاصة تلك المتعلقة بالمهن الوسيطة أي المحاسبون، البائعون، الكاتبات، الربابنة، ..، أي كل المهن التي يمكن القيام بها عن بعد والتي يقوم بها الحاسوب بشكل أفضل من الإنسان. انظروا عدد مناصب الشغل التي فقدت في كل أنحاء العالم بفعل الجائحة واحكموا بأنفسكم.
لقد رأينا أن أكبر مستفيد من جائحة كورونا والحجر الصحي هي الشركات الرقمية، وأن جائحة كورونا والحجر الصحي تدريب عالمي على العمل عن بعد وعلى كل المستويات. وإذا كانت أزمة 2008 قد سرعت هذا المنحى فإن جائحة كوفيد-19 تسريع أسي له.
حجر صحي، فقر وضغط نفسي: مرحبا بالعبودية. وحين سيقبل الناس بذلك، سيعودون إلى حياتهم العادية، هرعين إلى تحسين وضعيتهم المادية المتضعضعة، هرعين للاستهلاك، مراقبين على أحسن شكل، كل بهويته الرقمية.
و–كيف بدأ الحجر الصحي؟ ولماذا اتبعته الحكومات؟
لقد تقرر هذا الأخير بناء على توقعات الكوليج الإمبريالي البريطانيImperial College التي تحدثت عن أن هذه الجائحة ستحصد ملايين الأرواح (60 مليون). طبيعي إذن، أن تلجأ الحكومات، أمام خطر لم يكن في الحسبان وأمام النقص في المعدات الطبية اللازمة لمواجهته من تحاليل ولقاحات وألات تنفس اصطناعي، إلى سلك مبدأ الاحتراز في درجته القصوى أي الحجر الصحي. بعد أن تأتى عزل الناس والحجر عليهم، عادت نفس المؤسسة لتقول بأنها أخطأت في توقعاتها وبأن عدد الموتى سيكون 25 مرة أقل من التوقعات الأولى أي حوالي مليونين ونصف وهذا أيضا رقم مبالغ فيه لأن هذا العدد لم يتجاوز إلى يومنا هذا 300 ألف من أصل 7 ملايير.
حين نبحث عن مصادر تمويل هذه الكوليج الإمبريالي (اسم على مسمى) سوف نتفاجأ (أو لا بعد كل ما رأيناه): إنها مؤسسة بيل وميليندا غيتس مرة أخرى !
بيل غيتس لا يريد فقط أن يكون طبيب العالم، بل المسيح المنتظر الذي سيخلص العالم من كوفيد-19.
من أجل المزيد من الضغط، يتم الحديث عن الموجه الثانية ثم الثالثة حتى يذعن الجميع لما تم التخطيط له أي التعقب الرقمي لهم Tracking بذريعة الاهتمام بصحتهم. أنا لا أقصد الاستعمال الإيجابي للرقميات الذي قامت به الحكومة الكورية الجنوبية (كديمقراطية) في تتبع المصابين فقط وإعلام كل من له هاتف نقال ذكي بأماكن البؤر قصد اجتنابها، بل ما يتوخاه برنامج 2020ID- كما وضحت سابقا.
ز–رقمنة الهوية والجيل الخامس للأنترنيت أو 5G: العلاقة السببية
لقد تحدثت بإسهاب عن أهداف رقمنة الهوية وقلت بأن ذلك يندرج في إطار برنامج يشكل جزء من مشروع الحكامة الألغوريتيمية (أو التحكم الألغوريتمي). هنا، أضيف شيئا في غاية الأهمية يكشف عن الوجه الخفي لهذا البرنامج: عبر تلك الرُّقَيْقات سيمكن التأثير على العواطف، الحالة النفسية، الوعي، المزاج، على الإنسان.
ومن أجل ذلك، لا بد من توفير شيء أساسي: الجيل الخامس من الأنترنيت 5G، الأداة التي ستمكن من تحديد موقع الناس، ومن أجل ذلك يتعين أن يكون لكل مواطن هوية رقمية.
7 مليارات من البشر مراقب، “7 مليارات من المشتبه فيهم” كما جاء في البرنامج الوثائقي الذي بثته قناة Arte والذي يحمل نفس الاسم. بهذا نكون دخلنا ما يصطلح عليه بدكتاتورية 3.0.
في شهر ماي من سنة 2010، أي من 11 سنة خَلَوْنَ، وضعت “مؤسسة روكفيلير للنسيج العالمي من أجل الأعمال ” مخططا يعرض لبعض الأحداث التي ستهم العالم في القريب العاجل. تأملوا معي:
1-حدوث جائحة ستصيب 20 في المائة من سكان العالم، ستحدث 20 مليون وفاة، وستوجه ضربة قاتلة للاقتصاد.
–ستتعامل الحكومات بقبضة حديدية لفرض الحجر الصحي.
–النموذج الأول للحجر الصحي سيأتي من الصين.
هل ما زلتم تظنون بأن هذا فيلم من الخيال العلمي؟
إنه أخطبوط يتحكم في السياسة والدول ووسائل الإعلام والفضاء الرقمي وكل مقال أو شريط فيديو يعقد علاقة بين الجيل الخامس من الأنترنيت وكوفيد-19 يتم حذفه بسرعة.
4-خلاصة لا بد منها:
كانت هذه بعض رؤوس الأقلام حول مشروع يرى الحلول كُلَّها في التكنولوجيا الرقمية Technology solutionism، والإنسانية مجرد أرقام قابلة للتحكم عن بعد، شركات وشبكات ترى العالم كشيء قابل القياس والتوقع، هدفها الاستعلاء على الجميع والإجهاز تدريجيا على السياسة والسياسيين، وترى الدولةَ كما لو تعلق الأمر بنادي كرة قدم من نوادي اليوم، لاعبوه المحليون لا يتجاوزون اثنين فيما اللاعبون الآخرون كما المدرب والطاقم التقني والمالكون من خارج البلد. وعلى أنصار الفريق المحليين، أن يِؤموا للملعب، كان الجو ممطرا أم عاصفا، لتشجيع الفريق وملئ خزينة الصندوق، لكن دون الحق في مراقبة هذا الصندوق أو صفقات بيع وشراء اللاعبين.
دول بلا أوطان وحدود، لا تحمل من الوطن سوى الاسم.
أكيد أن عالم ما قبل جائحة كوفيد-19 سيكون مختلفا عن عالم ما قبلها، هناك دول ستنحو نحو الوطنيات والانغلاق وستعرف مراكز التصنيع والمناولة تغييرا جغرافيا كبيرا في اتجاه تقريب المنتجات الحيوية وتأهيل القدرات الوطنية والإقليمية لضمان الاكتفاء الذاتي في المجال الصحي وغيره.
المغرب له أبناء وبنات يتبوؤون مناصب رفيعة في أفضل المؤسسات العلمية والتجارية العالمية وهم دائما مستعدون لخدمة وطنهم ولو قسا عليهم أحيانا. من هؤلاء منصف السلاوي وسمير مشور نائب رئيس سامسونغ بيولوجيكس التي تعتبر شركة عالمية رائدة في مجال الأدوية الذكية في العالم، وقد أكد على استعداده لنقل التكنولوجيا الضرورية للمغرب لتأسيس قطب في مجال صناعة الأدوية والبيوتيكنولوجيا.
هذا القرار سيمكن المغرب من ضمان سيادته في المجال الصحي الذي أضحى مجالا استراتيجيا وجيوسياسيا مفصليا لخطورة الشكوك المترتبة عنه على الدول واقتصاداتها. غياب معاهد بحث قوية وصناعة وطنية مختصة في الأدوية واللقاحات ضد الفيروسات وغيرها من حوامل الأمراض المعدية سيعصف بالاقتصاد الوطني الذي يعاني من الهشاشة على العديد من المستويات ويزيد من البطالة والمشاكل الاجتماعية والسياسية.
أيضا، من شأن هذا القرار أن يجعل من المغرب قطبا تصديريا في هذا المجال في اتجاه افريقيا وأوروبا، من أن يفسح المجال لطاقاته في البيولوجيا والصيدلة والطب والكيمياء والماركوتينغ داخل المغرب وخارجه للعمل والإبداع، ومن أن يعتق رقبته من مقصلة الأمراء الجدد.
علينا أن نستفيد من الدروس، وفي كل أزمة فرصة كما يقول المثل الصيني.
ألسنا بصدد تقديم مشروع تنموي جديد؟