فيروس كورونا: فيلم الرعب الذي ينهي العولمة/ د. حسين مجدوبي

فيلم رعب حقيقي يعيشه العالم جراء تداعيات كورونا فيروس وسيترتب عنه تغييرات جذرية قد تكون هائلة، وأبرزها بداية نهاية العولمة بضرب التجارة العالمية وركيزتها الصين وإحداث تغييرات مجتمعية كبيرة بتعزيز القفزة العملاقة نحو العالم الرقمي، ثم التساؤل: لماذا تركت الحكومات البحث الطبي في يد الشركات العالمية التي تأخرت في إيجاد دواء للوباء.

وبدأ كورونا فيروس يحمل طابع الوباء لأنه انتشر في أكثر من نصف دول العالم ومس مختلف القارات بدون استثناء. ويبقى المقلق والخطير هو معدل الوفيات في المائة ألف المسجلة حتى الآن، حيث تجاوز 3500 وفاة، المعلن عنها فقط وقد تكون أكثر لاسيما في إيران. وهذا يعني 3،5% من الوفيات، وهي نسبة مائوية تعادل نسبة ضحايا الأنفلونزا الإسبانية ما بين سنتي 19181920 التي خلفت مقتل مائة مليون. وكلما ارتفعت نسبة الإصابات ارتفعت نسبة الوفيات، وهو ما تتخوف منه الدول، ولهذا بادرت دول مثل إيطاليا والصين الى فرض الحجر الصحي على مناطق لاحتواء الانتشار.

وهذا الوباء يمهد لتغييرات كبيرة للغاية في العلاقات الدولية وفي الحياة الاجتماعية للناس رغم أن ما بين ظهوره في الصين نهاية ديسمبر الماضي وانتقاله الى العالم أواسط فبراير الماضي سوى فترة قصيرة زمنيا. إذ بدأت البشرية تحس بالفعل بخطر مثل هذه الأوبئة التي لا تفرق بين الدول المتقدمة والمتخلفة وبين الفقير والغني، فالجميع في سفينة واحدة أشد قسوة من التيتانيك.

نهاية العولمة

تقوم العولمة أساسا على حرية التجارة وحرية تنقل رؤوس الأموال والاستثمارات علاوة على نسبة هامة من حرية التنقل بين الدول لاسيما للمستثمرين بما في ذلك من الدول الفقيرة. وتعد الصين مصنع العالم بامتياز، فبعد ارتفاع انتشار كورونا فيروس في جزء من الصين، توقفت الكثير من المصانع وبدأ العالم يحس بنقص شديد في الكثير من البضائع الالكترونية والنسيج والتنظيف. ومن شأن هذا التوقف أن يضرب الاقتصاد الصيني في العمق لاسيما وأن الصادرات قد تتراجع بحوالي النصف في نهاية السنة والأمر نفسه مع الواردات. وبهذا، ستتأثر التجارة العالمية لأن الاستهلاك سيتراجع بقوة. وسيحمل هذا معه تراجع حقيقي لطريق الحرير الذي ترغب من وراءه الصين التحول الى أكبر قوة اقتصادية في العالم. وهذه نقطة من النقط التي تجعل نظرية المؤامرة تنتعش.

هذا الرعب الذي يخلفه كورونا فيروس في العالم وصعوبة السفر والاستيراد والتصدير، سيدفع لا محالة الكثير من الدول الى الرهان على إنعاش الصناعة المحلية والرفع من الإنتاج كوسيلة فعالة لضمان حاجيات شعبها، وبالتالي ضمان أمنها القومي. وكانت العولمة قد تأثرت مسبقا بقرار الإدارة الأمريكية نهج الحماية الاقتصادية، والآن يأتي كورونا فيروس لخلق المزيد من المشاكلومن ضمن النتائج المقلقة هو تراجع بورصات العالم بشكل يومي، وراكمت من الخسائر الكثيرة، سيكون من الصعب تداركها مستقبلا.

وهكذا، فقد قلصت كورونا فيروس خلال أسابيع قليلة من التبادل التجاري العالمي، وجمدت رحلات الطيران بشكل ملفت بينما البورصات تراجعت.

ثورة العالم الرقمي

منذ ظهورها، أحدث الإنترنت ثورة في حياة البشرية وغيرت الكثير من طريقة التفكير والتعامل، لكنه لأول مرة يلجأ العالم بكثافة الى أداة للتواصل للعمل والتسيير عن بعد ومسافة لتجنب البشرية انتشار الوباء. وبدأ وباء كورونا فيروس يشكل أكبر منعطف في الثورة الرقمية، إذ لتجنب انتشار الوباء، تطالب بعض الدول مثل الصين واليابان وإيطاليا من المواطنين الاعتماد على التواصل الرقمي في حياتهم بدل التوجه الى المؤسسات الإدارية والمالية بل وحتى لشراء حاجياتهم من المتاجر الكبرى، حيث يتولى أشخاص نقل المشتريات الى المنازل، مما يقلل من الاتصال البشري المباشر. وعوضت وسائل التواصل الرقمي الاجتماعات المباشرة، وبدأت الكثير من الاجتماعات تتم عبر سكايب والواتساب أو برامج أخرى.

ولعل المنعطف الحقيقي المرتبط بالأحداث التي تؤرخ للثورة الرقمية المرتبطة بكورونا فيروس هو التعليم العمومي عن بعد. فقد حرم الفيروس 300 مليون من الأطفال والشباب من الدراسة في المدارس والجامعات وعلى رأسها الصين التي أقفلت المدارس ثم إيطاليا. والآن، يجري تطوير التلقين والتدريس عن بعد، وهو أمر سهل نسبيا في الدول المتقدمة في تكنولوجيا الاتصال مثل الصين، وستكون صعبة في حالة دول أخرى وخاصة في أفريقيا.

استعادة البحث العلمي من يد الشركات

بالموازاة مع ظهور هذا الفيروس، وضعت نيتفليكس في باقة أفلامها فيلما وثائقيا مكونا من ستة حلقات رائعة باسم الوباءيتحدث عن المخاطر التي تواجهها البشرية في حالة اندلاع أنفلونزا قاتلة على شاكلة الأنفلونزا الإسبانية. ولعل أهم ما ورد في هذه السلسلة هي مجهودات باحثين مستقلين لتطوير لقاح لمواجهة جميع أنواع الأنفلونزا حتى لا يتكرر وباء الأنفلونزا الإسبانية الذي ضرب العالم ما بين سنتي 1918-1920 وخلف قرابة مائة مليون وفاة. ويعكس الباحث جاك غلانفيل معاناة هؤلاء الباحثين من نقص في الأموال لتمويل الأبحاث العلمية، ويتعلق الأمر ببضعة ملايين من الدولارات، بينما تتماطل شركات الأدوية العملاقة في تخصيص الأموال للبحث رغم أن مداخيلها هي الأعلى في العالم. لقد حولت تلك الشركات صحة العالم الى تجارة.

كورونا فيروس هو مناسبة، وفق الكثير من خبراء الطب، لكي تستعيد الدول دورها في تمويل الأبحاث الطبية وإيجاد حلول للأمراص بدل تركه في يد شركات يبقى همها هو تحقيق الأرباح على حساب البشرية.

Sign In

Reset Your Password