عينت حكومة مدريد مواطنة اسبانية من أصول لبنانية وهي هناء جلول في منصب كاتب الدولة المكلفة بالهجرة. تعيين أثار احتجاج أصوات كثيرة وسط الجالية المغربية التي تتساءل، بمنطق وحق، عن نوعية الإدماج السياسي والمؤسساتي للدولة الإسبانية بشأن الإسبان من أصول مغربية.
وذهبت ردود فعل الجالية المغربية في اتجاهين، الأول ويرى ضرورة شغل المنصب من طرف عضو من الجالية المغربية بحكم أنها تمثل قرابة 25 في المائة من المهاجرين في هذا البلد الأوروبي ، ونسبة هامة من الإسبان الجدد، أي المجنسين. ويطرح التوجه الثاني علامات استفهام حول تأخر اسبانيا في إدماج المهاجرين سياسيا إسوة بباقي الدول الأوروبية الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا.
وإذا كان من حق حكومة مدريد اختيار من تشاء في المناصب السيادية والمسؤوليات الحكومية بمختلف درجاتها من وزير الى كاتب دولة أو مناصب أخرى، ولا أحد يجادل في قدرات كاتبة الدولة الجديدة للهجرة، لكن لاسؤال يبقى هو: لماذا تهميش اسبانيا للجالية المغربية؟
وعلاقة بهذا، حققت مختلف الدول الأوروبية التي تحتضن جالية مهمة قفزة نوعية في إدماج المهاجرين ومنهم المغاربة. ويكفي ذكر أسماء مثل رشيدة الداتي وزيرة العدل الفرنسية السابقة ووزيرة التعليم الفرنسي نجاة بلقاسم ورئيس بلدية روتردام أحمد بوطالب ، ويحدث الأمر نفسه في دول أخرى حيث تولى مهاجرون من أصل باكستاني مناصب حساسة في بريطانيا مثل حالة وزير الداخلية أو عمدة مدينة لندن صادق خان ووزير الداخلية من أصل باكستاني ساجد جاويد. وتجد مواطني هذه الدول من أصول عربية أو إسلامية في جميع مؤسسات البلاد من المجالس البلدية الى المجلس الحكومي. وراهنت هذه الدول على الإندماج لمواجهة اليمين المتطرف ومنح المهاجرين ثقة في أنفسهم.
في المقابل، ترسب اسبانيا في الإدماج السياسي للمهاجرين المغاربة الذين هم الأغلبية بشكل يدعو الى الاستغراب. وهذا يدفع الى الحديث افتراضا عن سياسة متعمدة أخذا بعين الاعتبار رؤية الإسبان الى المغرب كمصدر خطر على أمنهم، وبالتالي لا يمكن الثقة في مواطني هذا البلد وإن تجنسوا أو ولدوا في اسبانيا. ويتذرع بعض المسؤولين أن كل اسباني من أصول مغربية يصل الى عتبة مؤسسة اسبانية يعمل المغرب على استقطابه، وبهذا وجب الحذر. لكن هذا لا يعد مبررا كافيا.
ويشكل المغاربة أكثر من 2 % من ساكنة اسبانيا، ولهم وزن نسبي في الانتخابات بسبب ارتفاع عدد المصوتين، لكن هذا لا ينعكس نهائيا في تمثيليهم في المؤسسات الإسبانية. ولعل المفارقة أن الإندماج السياسي-المؤسساتي الوحيد هو الذي يحدث في كتالونيا من طرف أحزاب قومية التي منحت للمغاربة فضاء في مؤسساتها، ولا يمكن استبعاد الخلفية السياسية لهذه السياسة.
ومن باب المقارنة، توجد اسبانيا على بعد سنوات ضوئية من دول تحتضن جاليات مغربية مهمة مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا. وكل المؤشرات تشير الى أنها ستحافظ على هذه المسافة بسبب تحكم ما يفترض عقدة المورو” في المخيال السياسي الإسباني ولاسيما المؤسسات رغم أننا في العقدالثالث من القرن الواحد والعشرين. وبدون شك هذه المعطيات، ستدفع المغاربة الى التساؤل عن جدوى التصويت في الانتخابات، وهل تحولوا خزان صغير للأصوات لأحزاب بدون مقابل سياسي، أي الحصول على مناصب.
وعلى ضوء كل هذا، ، كل حديث اسباني رسمي وحزبي عن اندماج المهاجرين وخاصة المغاربة في المشهد السياسي الإسباني هو بمثابة ضحك على الذقون أو نكتة حامضة أو: Simplemente es un chiste malo